الأحد , يونيو 23 2024
أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1
غابات السودان الأشجار

بمناسبة الذكرى (30) لاتفاقية مكافحة التصحر واليوم العالمي للبيئة 5 يونيو

تعرف النادرة بالشاذ عن المألوف إجمالاً مع الطرافة وخلط الجد بالهزل. ومن نوادر شعر العرب قول المجنون قيس بن الملوح:
ألا أيها النوام ويحكم هبوا.. أسائلكم هل يقتل الرجل الحب
قيل إن الشطر الأول من البيت هو أفضل ما قيل في الحماسة واستنهاض الهمم. وأن الشطر الثاني هو الأكثر ميوعة وخنوعاً. والبيت في مجمله ذروة في التناقض والتضاد، وهو لأجل ذلك أصدق مما يمكن استثماره توطئة لتناول أمر كأمر التصحر في بلد كالسودان، من حيث الاعتقاد يعد أخطر الكوارث الطبيعية التي تجابه البلاد، ومن حيث المعالجات هو من أكثر القضايا المتهاون فيها من قبل العباد.
في الزمان البعيد الغابر، حينما كانت عظمة الحكام السودانيين القدماء لا تقوم فقط على عناصر شخصياتهم الكاريزمية أو مواهبهم العسكرية فحسب، بل وعلى ما يتمتعون به من بعد نظر كذلك، أقام الملك العظيم ترهاقا حزاماً شجرياً واقياً لحماية مدينة الكوة من تقدم الصحراء وزحف الرمال. وعندما اتخذ العظيم ترهاقا مسلة له ليدون عليها إنجازاته وجلائل أعماله جعل هذا الحزام جنباً لجنب مع انتصاراته العسكرية وحكمه السودان وفلسطين ومصر.
وفي عام 1944 حين أصدرت لجنة صيانة التربة تقريرها، كان جل اهتمامها منصباً على ظاهرتي التصحر وتدهور الأراضي اللتين عزتهما في الأساس لسوء استخدام موارد الأرض أكثر من كونهما نتاجاً للتغيرات المناخية وتقلباتها، لذلك كان من ضمن توصياتها إنشاء أحزمة شجرية واقية حول المدن ومصدات رياح حول المشاريع الزراعية، فكانت أحزمة الضعين وطوكر والجنينة والفاشر والخرطوم والنشيشيبة والأبيض والجنيد ودنقلا والضعين والجزيرة، والتي ذهبت جميعها أو كادت وبقيت الرياح المحملة بالأتربة والغبار.
وفي عام 1947 حينما زار البروفيسور إدوارد بيرسي ستبنج رئيس شعبة الغابات بجامعة أدنبرة الأسكتلندية البلاد، صوب جل اهتمامه إلى ظاهرة الزحف الصحراوي المستفحلة في البلاد، فكان كتابه “الزحف الصحراوي في السودان ومناطق أخرى بأفريقيا”، الذي فضح فيه الأساليب الماكرة التي تتبعها الصحراء في التقدم وابتلاع الأراضي ثم أهداه للأمة السودانية، لتجد فيه موعظة حسنة حسب قول معالي الأميرال عبد الله بك خليل أول وزير زراعة للسودان المستقل عند تقديمه للكتاب: “إن لنا في هذا الكتاب، نحن معشر السودانيين، الموعظة الحسنة إذ تتوقف رفاهية شعبنا على قدرتنا على صيانة مواردنا الطبيعية بالاستغلال الرشيد”. ولكننا لم نتعظ فتمددت الصحراء من تحت أرجلنا في صمت.
ومنذ أواخر الستينيات مروراً بالسبعينيات والثمانينيات وحتى بداية التسعينات حينما اجتاحت البلاد موجات من الجفاف والمجاعات والنزوح السكاني من الأرياف، كانت معالجاتنا لهذه الكوارث تشتمل على إنشاء مجرد لجان أو مكاتب أو وحدات كآليات لمجابهة هذه الكوارث مثل اللجنة القومية لمكافحة التصحر 1972 – 1976م؛ والمكتب القومي لمكافحة التصحر والجفاف 1979م؛ ومكتب تنسيق برامج التصحر 1981م؛ والوحدة القومية لتنسيق برامج مكافحة الجفاف والتصحر 1991م. كان هذا هو الحال من حيث المعالجات.
أما من حيث الاعتقاد والاستشعار بأن التصحر هو أخطر الكوارث الطبيعية التي تجابه البلاد، فتجب الاشارة إلى ان السودان كان في مقدمة الدول الموقعة على الاتفاقية الأممية لمكافحة التصحر عند اعتمادها في يونيو 1994، وذلك بتوقيعه لها في أكتوبر 1994م أي بعد ثلاثة أشهر فقط من اعتمادها، محتلاً بذلك المرتبة (12) في قائمة الدول (192) الموقعة على الاتفاقية، واكن ما قيمة قول ليس تحته عمل.
وفي العام 1998 حين نظمت الوحدة القومية لمكافحة التصحر (وزارة الزراعة والغابات) بالتعاون مع كرسي التصحر (جامعة الخرطوم) منتدى قومياً بشأن التصحر، أكد المنتدى أن التصحر هو أخطر الكوارث الطبيعية التي تجابه البلاد في حاضره ومستقبله، وأنه بالرغم مما حققته الجهود المبذولة سابقاً في مكافحة التصحر من نتائج طيبة، إلا أن تلك الجهود كانت منعزلة عن بعضها، وتفتقر للكيان المؤسسي الثابت الذي يكون مسؤولاً عن استمرارية وتكامل مثل هذه الجهود على المستوى القومي. وعليه نادى المنتدى بإصدار قانون يبرز الحجم الطبيعي للتصحر في البلاد، وينص على إنشاء كيان مؤسسي قومي تنسيقي على أرفع مستوى إداري.
وفي العام 2009 حين صدر قانون مكافحة التصحر متناغماً مع ما نادى به منتدى التصحر 1998، ومتضمناً إنشاء مجلس قومي لمكافحة التصحر كسلطة مختصة بإنفاذ اتفاقية مكافحة التصحر، ذات شخصية اعتبارية مستقلة تحت رعاية رئاسة الجمهورية، وألحقت به مجالس ولائية. وأنشئت له في نوفمبر 2016 أمانة عامة، حدث الآتي، من خلال نهج شورى تشاركي، وورش عمل قومية وولائية، ومنسقين ولائيين، وانطلاقاً من القاعدة للقمة وبالاستعانة بلجنة وطنية قوامها 23 مؤسسة:
• إعداد خطة وطنية محدثة لمكافحة التصحر (2018 – 2024) متوائمة مع الاستراتيجية الدولية لمكافحة التصحر 2018 – 2030؛ بمساعدة سكرتارية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
• إعداد برنامج وطني لتحييد تدهور الآراض (2018 – 2030) بمساعدة من سكرتارية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فتأهيل السودان بذلك لتلقي معونات دولية من خلال صياغة مشاريع تحويلية لأهداف البرنامج.
• إعداد خطة وطنية للتخفيف من آثار الجفاف (2019 – 2021)، بمساعدة من سكرتارية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
• ابتدار مشروع إنشاء مرصد إقليمي لرصد ظواهر للتصحر وتدهور الأراضي والجفاف والعواصف الترابية والرملية، بمساعدة بعثة الاتحاد الأوربي بالسودان، ومشروع السياج الأفريقي الأخضر الكبير (على مستوى لجانه الفنية والتنسيقة وقمة رؤساء دول السياج)، وبالتعازن مع محلية ورابطة أبناء القطينة حيث تم تخصيص أرض لإقامة المرصد.
• الانضمام للمبادرة الأفريقية لمكافحة التصحر بدول الساحل والقرن الأفريقي تحت رعاية وكالة التعاون الدولي اليابانية.
• الانضمام للجنة الدائمة لمكافحة التصحر في دول الساحل الأفريقي (سلس).
• ترقية كفاءة عدد 31 كادر في مجال التفاوض المتعلق باتفاقية مكافحة التصحر؛ وعدد 36 كادر في مجالات إدارة مشاريع مكافحة التصحر على المستويين الولائي والاتحادي؛ بمساعدة بعثة الاتحاد الأوروبي بالسودان.
• تأمين مشاركات عدد (45) كادر في مجالات مكافحة التصحر في فعاليات خارجية بتمويل من مصادر ليس من بينها الخزينة العامة لحكومة جمهورية السودان.
• المشاركة في مؤتمر أطراف اتفاقية مكافحة التصحر (رقم 13 بالصين) عام 2017، ورقم (14 بالهند) عام 2019م، بوفدين بلغت عضوية الأول 14 مشاركاً والثاني 11 مشاركاُ، بتمويل ليس من مصادره خزينة حكومة جمهورية السودان.
• حصر ببليوغرافية المشروعات والمطبوعات والتقارير والمؤسسات المعنية بمكافحة التصحر في السودان.
• إعداد مرشد ودليل عمل إداري للأمانة العامة للمجلس بمعونة بعثة الاتحاد الأوروبي بالسودان.
• إعادة إصدار “مجلة التصحر” التي توقفت منذ العام 1986، كمجلة علمية إرشادية.
• حجز اسم نطاق عالمي لموقع إليكتروني ديناميكي وتصميم وتطوير وجهات الموقع وقواعد البيانات، وتدريب مسؤول الموقع على ادارته وربطه بمواقع التواصل وانشاء قناة على اليوتيوب. تشغيل وإدارة الموقع تحت اسم المجلس القومي لمكافحة التصحر، www.nccdsudan.org.
كان ذلك بعض أبرز ما شمله تقرير الأمانة العامة للمجلس القومي لمكافحة التصحر للغترة 2017 – 2019. وذلك قبل حلول اليوم الثلاثين من أبريل عام 2020 حين صدر “قانون التعديلات المتنوعة بتوحيد المجالس البيئية (مجالس البيئة والتصحر والسلامة الحيوية) والذي ترتب عنه:
• إلغاء 10 من مواد القانون القومي لمكافحة التصحر البالغة 25 مادة مما أفرغه من مضمونه.
• إلغاء المجلس القومي لمكافحة التصحر ذو الطبيعة الفنية التنسيقية وإنشاء مجلس بديل بلونية سياسية تضم (16) وزيرا في عضويته.
• حرمان الولايات من حقوقها الفنية المكتسبة بالغاء مجالس التصحر الولائية.
• دحرجة التصحر من وضعيته ككيان قومي ذو شخصية اعتبارية واستقلالية في قمة هرم هيكل الدولة، إلى وضعية إدارية أدنى من وضعية إدارة عامة في الهيكل التنظيمي للمجلس الجديد المكون من خمسة إدارات عامة ليس من بينها التصحر حسب الموقع الإليكتروني للمجلس الجديد.

الان ترى كيف هو حال التصحر بعد مرور أربعة سنوات (30 أبريل 2020 – 5 يونيو 2024) عليه وهو في ظل واقعه الجديد؟ لكم أتمنى أن يتطوع بعضهم لاستكمال الصورة، مع تمنياتي للجميع بالتوفيق.
ختاما أيها الناس ويحكم هبوا، أولاً لاغتنام المناسبة الثلاثين لاتفاقية مكافحة التصحر (1994 – 2024) لحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات الناجمة عن كارثة التصحر. وثانيا لاغتنام مناسبة اليوم العلمي للبيئة (5 يونيو) والذي يحتفل به هذا العام تحت شعار “أرضنا مستقبلنا”، للتمسك بهذه الأرض وحمايتها واستعادة ما فقد منها، سواء بفعل فاعل أو بالتصحر سرطان الأرض أو بأي شكل من أشكال الاستلاب الطبيعي الأخرى.

تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

تجربتى العملية في السبعينات فى كردفان ودارفَور

بروفسير النور عبدالله الصديق، كلية الغابات ج خ. كانت تجربتى العملية في كردفان ودارفور خلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا