كان الأمن البيئي وما زال هاجس المجتمعات البشرية منذ قديم الزمن، ويمكن تعريف مفهوم الأمن البيئي على أنه (حماية البيئة والموارد الطبيعية من النضوب والانقراض والنقص الناجم من المخاطر والملوثات والجرائم المتعمدة التي ترتكب في حق تنمية المصادر والموارد الطبيعية والإخلال بالتوازن البيئي).
ويمثل الأمن البيئي المرجعية المنظمة والمراقبة لكل الأنظمة والقوانين التي تجسد استراتيجية بيئية وطنية من شأنها تحقيق الأمن والرخاء والاستقرار في المنطقة، فمفهوم الأمن قديما كان يشرح ويجسد حماية الأرض والحدود من العدوان العسكري الخارجي أو من مخاطر احتمالية حدوث حرب نووية فقط، لكن واقع الحال يشير إلى وجود تهديدات أخرى، لذا فإن الاهتمام العالمي بمشكلات البيئة أصبح يعبر عنه في عرف الدراسات الاستراتيجية بمصطلح أمن البيئة ويتناول واقع بحث مسببات هذه المنافسة على شراكة الموارد الطبيعية البيئية من جهة، ومن جهة أخرى دراسة تأثير هذه المخاطر والمشكلات البيئية في رفاهية المجتمع والتنمية الاقتصادية للدول بصفة عامة، ويخلص مفهوم أمن البيئة إلى أن الضغط المتزايد على نظم دعم الحياة في الكرة الأرضية والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية المتجددة يحملان أخطارا تهدد صحة الإنسان ورفاهيته لا تقل في درجتها عن مخاطر دمار الحروب، بينما تهدف تطبيقات علم الأمن البيئي إلى المحافظة على هذه الموارد وعدم استنزافها حتى تصبح قادرة على سد احتياجات البشر مستقبلاً بدلاً من محاولة السيطرة على موارد هي في طريقها إلى النضوب.
يمكن تلخيص أهم محاور المخاطر البيئية التي تهدد الأمن البيئي في (الزيادة المفرطة في استخدام الموارد الطبيعية وتلوث ونضوب العديد من هذه الموارد وأيضا التغيرات المناخية الملاحظة جراء احتراق النفط والغاز والفحم، وكذلك الثقب الموجود في طبقة الأوزون بسبب انبعاث وتصاعد غازات تحتوي على مادة الكلور، إضافة إلى نقص الأراضي الصالحة للزراعة والمساحات الخضراء مع قلة منسوب الأنهار المائية وتلوث مصادر المياه الجوفية، التي يعتمد عليها ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضية مع الأخذ في الاعتبار المخاطر والأمراض الصحية الناجمة عن التلوث البيئي بجميع أنواعه).
أتقدم في هذه العجالة بتصور عملي مقترح يتناغم مع المعطيات والمخاطر البيئية المتوافرة والمحتملة في المملكة بحيث يمكن أن يكون نواة تشارك التخطيط الاستراتيجي لهذا التوجه من خلال التركيز على معالجة وحلول المحاور التالية :
* حماية أمن البيئة الساحلية والصحراوية من حوادث التلوث النفطي ومخاطر التسرب ورمي المخلفات والزيوت والتلوث البيئي من مصادر الصرف الصحي والصناعي في البحر أو على الساحل، وكذلك على البيئة الصحراوية، حيث تكمن نوعية المخاطر في تأثر الإنسان والنبات والحيوان وكذلك مصادر المياه الجوفية، التي تلقي بظلالها على نقص معدل الثروة الحيوانية والنباتية وأيضا احتياطات مياه الشرب، إضافة إلى المخاطر الصحية على الإنسان.
* وقف جرف وقطع الأشجار الصديقة للبيئة من جراء التوسع العمراني السكني .
* الاستفادة من علم وتطبيقات التخطيط والتصميم البيئي في التهيئة المستقبلية لتوجه الأمن البيئي من خلال اعتماد المعايير والمقاييس العلمية ذات العلاقة بالجودة النوعية في بناء وتدشين محميات بيئية أمنية في المناطق البرية أو البحرية أو الجبلية.
* رصد ومتابعة مصادر وأنواع ومواقع الملوثات البيئية وعلاقتها بالمخاطر والأمراض الصحية للفرد والمجتمع في المملكة من خلال تطبيق برنامج ”استخدام نظام وتطبيقات المعلومات الجغرافية”، الذي يقوم بتحليل بيانات هذه الصور وترجمتها إلى خرائط جغرافية في المناطق المستهدفة توضح مواقع انتشار وكثافة وقياسات المواد والمصادر البيئية الملوثة.
* تفعيل الدور الرقابي والجزائي للمخالفات المتعلقة برمي ومعالجة النفايات الخطرة والكيماوية لبعض المصانع والشركات في البحر والسواحل من خلال استحداث ما يعرف بقسم الشرطة البيئية التي تقوم بدور المتابعة الدقيقة ورصد وتحرير المخالفات الجزائية في هذا الخصوص.
*معالجة النقص الواضح لعدد الشركات البيئية المختصة بعمل الدراسات والمشاريع البيئية الخاصة بتنظيف الشواطئ والسواحل ومعالجة النفايات والعمل على منح الفرصة وتشجيع ترخيص دخول شركات وطنية جديدة للعمل.
* التوسع في تدشين مراكز دراسات وأبحاث حكومية تتناول تقديم الاستشارات والتثقيف والتوعية في مجالات البيئة بصفة عامة.
;كتب د. سليمان المشعل
المصدر : صحيفة الإقتصادية