السبت , نوفمبر 23 2024
أخبار عاجلة

ملاحظات حول مشروع قانون تنظيم نقابات العاملين 2020م

بقلم : د. كمال محمد الأمين عبد السلام مصباح

( القوانين السيئة أسوأ أنواع الطغيان)
إدموند بيرك- عضو مجلس العموم البريطاني – 1780م

الملاحظة الأولي :
كان من الضروري وجود مذكرة إيضاحية تبين دواعي التعديل(Amendment) ، خاصة وأن المشروع مقدم من جهة اعتبارية لها وزنها وقيمتها وسط أهل السودان، وساهمت بشكل أساسي في الثورة الحالية وقدمت ولم تستبقي شيئاً. وأري حتي في حالة عدم وجود مذكرة إيضاحية كان ينبغي أن نسير علي هدي النظام الإنجليزي الذي تأثرنا به تاريخياً وتأثر البنيان النقابي به منذ قانون العمل والعمال لسنة 1949م والتعديل الذي أدخل عليه في العام 1966م، حيث كانت القوانين الإنجليزية العامة (Public Acts) التي كانت تتضمن ديباجة طويلة (Preamble) لشرح الأسباب التي دعت لإقرار القانون، ولا تزال هذه الديباجة مهمة في القوانين الخاصة، Private Acts)) وفي النظام القانوني الانجلو- سكسوني في السابق ، تأخذ الديباجة سلسلة جمل تبدأ كل جملة منها بعبارة ( حيث أن) Whereas، وفي الفترة الأخيرة استبدلت الديباجة الآن في القوانين العامة في إنجلترا بمادة تسمي ( بيان المبادي) Statement of Principles أو بيان الأهداف Statement of objectives وقد أوصت لجنة رينتون لإصلاح القانون بضرورة استخدام مادة جديدة في التشريعات تسمي ( بيان المبادي لتوضيح القصد التشريعي ، وهي أشبة بالمذكرة الإيضاحية عن اللاتينيين.
الملاحظة الثانية: مسمي القانون ( قانون تنظيم نقابات العاملين)، في تقديري المتواضع أن هذا التعريف يتسم بالغموض ، لأنك ومجرد أن تطلق لفظ العاملين يثور التساؤل عن الوصف المرغوب فيه هل هم جميع العاملين الذين يعملون في خدمة الدولة وفي مرافقها المختلفة؟ وهل يشمل كذلك العاملين في المؤسسات والهيئات العامة التي تمارس نشاطاً اقتصاديا تهدف من وراءه لتحقيق الربح؟ وكذلك هل يشمل العاملين المدنيين الذين يعملون في خدمة المؤسسات العسكرية والجهات العدلية والقضائية؟ وهل إذا ذهبنا أبعد من ذلك في تكيف طبيعة العلاقة القانونية التي تربط العامل بالجهة التي يعمل لديها ، هل نسبق ذلك الوصف علي العاملين من خلال تكييف العلاقة بين أن تكون علاقة عقدية ينظمها ويحكم شروطها العقد ومابين أن يحدد فضاء تلك العلاقة مركز قانوني تحدده القوانين واللوائح بمعني أن تلك العلاقة مصدرها مباشرة القانون وليس العقد؟ لأننا إذا اعتبرنا العلاقة عقدية فهي بالضرورة علاقة تعتمد وتقوم علي إرادة المتعاقدين، عكس الحالة الثانية. بصفة عامة ينبغي أن يكون عنوان مشروع القانون شاملاً ، ويفضل في العادة تجنب العناوين التي تقتصر علي معاني ضيقة .
الملاحظة الثالثة: جاء في المادة الثانية ( إلغاء واستثناء) يلغي قانون النقابات لسنة 2010م وقانون الاتحادات المهنية لسنة 2004م وتلغي جميع اللوائح الصادرة بموجبه.
يقصد بأحكام الإلغاءات ، تلك التي تنهي العمل بقانون سابق سواء كان ذلك بإحلال قانون أخر محله أو إبطاله دون إحلال قانون جديد، وقد تصاغ مادة الإلغاء بشكل عام، بحيث يلغي كل نص يخالف أحكام القانون الجديد وقد يقترن الإلغاء بالتعديل ، كل ذلك غير واضح في مشروع القانون ، وعند إلغاء حكم ما من قانون قائم ، ينبغي التأكد من أن هذا الإلغاء لن يؤثر علي أية قوانين أخري تتضمن الحكم الملغي، فما بالك إذا حمل مشروع القانون نفسه من بين طياته ما يلغي أحكام قانون أخر صراحة في حالة أشبة باللكمة الواحدة التي يوجهها المصارع لشخصين في وقت واحد.
من ناحية صياغة مشروعات القوانين يجب فيها تضمين المادة المعدلة أو التي تلغي كل أحكام القانون السابق أو تلغي بعض أحكامه ، فإذا تجاوزت الإحكام التي تعدل القانون السابق ثلثه ، كنا بصدد مشروع قانون جديد ، أما إذا لم تبلغ تلك النسبة فتكون الصياغة بالإبقاء علي العنوان السابق بإضافة ذلك في العنوان المتعلق بمسمي القانون ( قانون نقابات العمال لسنة 2010 تعديل 2020.
من الأمور السيئة في هذا المشروع إقدام واضعيه علي إلغاء قانون أخر في ذات مشروع القانون المقترح فهو عمل مبتدع أن كان قد حدث في السابق فهو خطأ جسيم ينبغي عدم التمادي فيه فكيف لمشروع يبحث في تعديل قانون قائم يقوم بإلغاء قانون أخر كقانون الاتحادات المهنية لسنة 2004م.
الملاحظة الرابعة: بعض التفسيرات التي وردت في المادة (3)
جرت العادة أن يتضمن قسم التعريفات أو التفسيرات الكلمات والعبارات التي يتكرر ذكرها في مشروع القانون أو التي قد يثور الشك حول معناها. وهنالك نوعان من التعريفات ؛ التعريف المعجمي ، والتعريف الاصطلاحي ، ويعني تعريف الأول تعريف الكلمة بطريقة المعاجم بحيث يشمل التعريف كل عناصر الكلمة المعرفة، أما التعريف الاصطلاحي ، فلا يشمل كل عناصر الكلمة المعرفة ، وإنما يضيق نطاق هذه العناصر أو يوسعها.
مشروع القانون لم يفلت من احتمال تفسير الكلمة بمعان متعارضة وواضح ذلك في تعريف عبارة (الاتحاد) والتي عرفها مشروع القانون تعريف اصطلاحي بأنها تشمل ( الاتحاد العام والاتحاد ألولائي) وبالتالي فإن وجودها قد يؤدي إلي وجود ثغرة في تفسير النص الذي ترد فيه لأنها قد تفسر بمعني من أثنين؛ المعني الاصطلاحي المعرف في القانون، والمعني المعتاد الذي يعتمد علي سياق الكلام .كما أن هنالك ثلاث طرق تستخدم لترتيب المصطلحات المعرفة في قسم التعريفات ؛ الأولي ترتيب المصطلحات حسب الترتيب الأبجدي للمصطلحات المعرفة . أما الطريقة الثانية ، فيتم بموجبها ترتيب المصطلحات علي حسب أهمية المصطلح في القانون.
كما أن هنالك خلل خطير في التعريف الاصطلاحي لعبارة ( الاتحاد الإقليمي) و(الاتحاد العام)، سأبرز ذلك من خلال الخوض في البنيان النقابي ، ويؤدي إلي المتاهة بعينها.
الملاحظة الخامسة: المخاطبون بأحكام هذا القانون
واضح من خلال نص المادة (4) أن كل العاملون مخاطبون بأحكام هذا القانون عدا القضاة بالسلطة القضائية وأفراد القوات النظامية والقوات المسلحة. ويقصد بالمخاطب بأحكام هذا القانون أولئك الذين ينظم مشروع القانون سلوكياتهم المسببة للمشكلة التي يسعي القانون لحلها ويعمل المشروع علي استحداث قواعد من المفترض أنها ستغيرها. وينبغي التفرقة بين المخاطبين بأحكام القانون ، والجهة المنوط بها تنفيذ القانون.
ولتحديد المخاطبين بالقانون، ينبغي القيام بثلاث خطوات تتمثل في الإجابة عن ثلاثة أسئلة : ماذا؟ من ؟ لماذا ؟ وبعبارة أخري، ينبغي علي الجهة التي تعد مشروع القانون أن تسأل الأسئلة التالية:
(1) ما هي السلوكيات المعيبة التي كانت موجودة في القانون السابق وهي تسببت في المشكلة التي يسعي القانون الجديد لتداركها؟
(2) من هم الذين تتسبب سلوكياتهم في حدوث المشكلة التي يسعي القانون لحلها؟
(3) لماذا تصرف النظام البائد علي هذا النحو؟
سأحاول قدر الإمكان أن أجيب علي السؤال الأول وأترك لكم الإجابة علي السؤالين الأخريين حتي نضع قانوناً مكتمل الأركان.
مشكلة قوانين النقابات السابقة ، الوقوع بين شرك تعريفين لا ثالث لهما في تعريف النقابة ، وكذلك تعريف الحرية النقابية ، وكفالة الحق النقابي بين التعريف الليبرالي والتعريف الاشتراكي ، وعدم الثبات في ذلك ، رغم ميلي للتعريف الاشتراكي في ذلك ، هذا التذبذب يعتبر عيب أساسي شاب كل تلك القوانين.
1- قانون العمل والعمال في السودان لسنة 1949 تعديل 1966 تأثر بالقانون الإنجليزي في تعريف النقابة ، وكذلك قانون النقابة العمالية لسنة 1971م، وأن كان الأخير قد أفلح في استبعاد المخدمين من نطاقه مثل النظام الاشتراكي.
2- التعريف الاشتراكي عرف النقابات : بأنها منظمات تضم من يتقاضون أجور أو مرتبات عن عملهم في الهيئات للدفاع عن مصالحهم المشتركة وزيادة الإنتاج.

الملاحظة السادسة:- مشروعية نشاط النقابات
جاء في المادة(6) يكون نشاط النقابات مشروعا بالنسبة إلي ما تملكه من سبل فيها: (1) حق الإضراب (2) حق العصيان (3) الوقفات السلمية. مع كامل الاحترام للجنة التي وضعت المشروع أري ضرورة حذف البند (1) من المادة (6) بجميع فقراتها خاصة وأن حق التنظيم والتجمع حق دستوري تكفله الوثيقة الدستورية ولا حاجة للنص عليه في القانون لان حرية تكوين النقابات حرية أصيلة وضرورية لاغني عنها سواء بالنسبة إلي الجماعة أو الأفراد… وقد أكدت ذلك المحكمة الدستورية المصرية بقولها: ( أن الحق في التجمع بما يقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص إلي بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعينهم هو من الحقوق التي كفلتها المادتان (54و55) من الدستور… كما أضافت أن هذا الحق سواء كان حقاً أصيلاً أم تابعاً – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها…. وصورة حية لشكل من إشكال التفكير الجماعي، وهو عمل اختياري لا يساق الداخلون فيه سوقاً ولا يمنعون من الخروج منه قهراً).
رأينا كيف نظم قانون منازعات العمل لسنة 1966م وقانون العمل الموحد الموقوف لسنة 1970م في السودان كيفية تسوية منازعات العمل وتنظيمها سواء كانت بين كل العمال المنتمين إلي نقابة أو اتحاد من جهة وبين المخدم من جهة أخري أو بين المخدم ومجموعة من العمال وهذا التنظيم يتفق مع المبادي المأخوذ بها عالمياً.
كذلك حرم قانون منازعات العمل( تعديل 1969م) الإضراب بدون موافقة وزير العمل، لكن المشرع في قانون العمل الموحد لم يحسم الأمر فيما يتعلق بسلاح الإضراب كأحد الوسائل التي يمكن اللجوء إليها في منازعات العمل ونص فقط علي إتباع إجراءات معينة للمفاوضات والتسوية والتحكيم.
في تقديري أن هذا النص مهدد أمني كبير في الفترة الانتقالية ويشكل مدخلاً مناسباً لعودة فلول النظام السابق من هذا الَنفاج الذي نمنحه لهم علي طبق من ذهب، هذه الإضرابات سيترتب عليها الإضرار بالاقتصاد الوطني أو بسير المرافق العامة، وأقول للمدافعين عن هذا النص أنه وحتي علي النطاق العالمي فقد جاء في مؤلف (جينكيز) بأن حق الاضطراب في حدود القانون قد تضمنه فقط الميثاق الأمريكي بشأن الضمانات الاجتماعية وذكر أن هذا الحق يبدو أنه ذو باعث سياسي واقتصادي أكثر منه قانوني كما يقول ( جينكز) ويضيف أنه رغم النص علي حق الإضراب في عدد من دساتير دول أمريكا اللاتينية الا انه من الصعب النص عليه في صياغة قانونية ، فإي صياغة للإضراب كحق أما أن تكون عامة لدرجة تغفل القيود الضرورية عليه أو ترد بصيغة مقيدة تفقدها أهم خصائص أدوات التعبير عن حق قانوني.
في رأي الخاص انه يمكن أن يجاز الإضراب في حالة واحدة وفي غير نطاق الخدمة المدنية او القطاع العام ، وذلك في حالة حصول العمال علي قرار لصالحهم في التحكيم وامتنع المخدم عن تنفيذه، وتلتزم الدولة بقرارات التحكيم في القطاع العام.
الملاحظة السابعة :- البنيان النقابي:
اتفق مع واضعي مشروع القانون أن قانون النقابات لسنة 2010م لم تخرج فلسفتة من التعدي علي حق التنظيم النقابي للعمال، حيث وضع العديد من العراقيل أمام العمال الراغبين في تأسيس نقاباتهم لتعبر عنهم وتدافع عن مصالحهم المشتركة. ولا حظنا كيف ضيق القانون علي النقابات وفرض عليها اتحاد قومي تهيمن عليه قيادات الإنقاذ ومتدخلاً في كل تفاصيل النقابات، بل وذهب أسوأ من ذلك حيث فرض عليهم ما يسمي بنقابة المنشأة ، وفي الواقع لا توجد نقابة منشأة وإنما توجد المنشأة، ولا حظنا أن واضعي هذا المشروع تحاشوا وضع التعريف الحقيقي للمنشأة كراهية في نقابة المنشأة وهذا خطأ جسيم، لا يعني أن النظام البائد قد قام بابتداع نقابة المنشأة ، أن لا نعرف ماذا تعني المنشأة بعيداً عن النقابة وهي لا تعدو كونها : ( موقع يديره أي شخص يستخدم فيه مجموعة من العمال لقاء أجر أيا كان نوعه سواء كان في الحكومة أو القطاع الخاص أو المختلط).
لنا مواصلة

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا

أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا