ايكو سودان – وكالات
كتبت التونسية المقيمة في مصرأمل خليف “الهوايل” للبي بي سي عن معاناة النساء في البلديين العربيين الأشد كثافة سكانية والأكثر – كما يعتقد – تطورا فيما يلي حقوق النساء فروت العجب العجاب وقالت :
منذ الإعلان عن إجراءات الحجر المنزليّ الشامل في تونس يوم 17 مارس/آذار، تتالت شهادات عن العنف ونداءات استغاثة من نساء على صفحة فيسبوك #أنا_زادة (أو أنا أيضا).
نساء أقعدهن الحجر ببيوتهن مع أزواج مُعنّفين، بعد أن كان العمل يمثّل لهن مهربا ومتنفّسا وفرصة لترميم الذات ومقاومة يومية لوضع لا يمكن التملّص منه بشكل آخر.
تقول فاطمة عن زوجها، وهي موظّفة في إحدى الشركات الخاصة بالعاصمة تونس: “منذ ثلاث سنوات أصبحت علاقتنا سامة”.
وتوضح: “تنتابه نوبات غضب بسبب الضيق المادي ويفقد السيطرة على نفسه. حدث أن تسبب لي مرة بكسور. أحاول أن أتعايش معه عن مسافة. لا أريد العودة إلى بيت أهلى مع طفلين”.
وتضيف: “أهرب من البيت إلى الشغل. لم أكن أنزعج من العمل لساعات طويلة كان المهم أن أُلهي نفسي عن مشكلات البيت. الآن لا أعرف كيف يمكن أن نتعايش وجها لوجه وهو لا يغادر البيت حتى إلى المقهى ستتحول حياتي وحياة أطفالي إلى رعب”.
“حياتي تحولت إلى كابوس”
على الرغم من أنّ حقّ السكن مضمون في الإتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، لا يبدو أنّ كلّ البشر قادرون على الاختباء في بيوتهم عندما يحتاجون لذلك.
وبخلاف اللاجئات واللاجئين من الحروب، والمشرّدات والمشرّدين بلا مأوى، وغيرهنّ وغيرهم ممّن عجز النظام السياسي والاقتصادي عن إدماجهم وضمان الأمان لهم، نجد فئة كبيرة من المواطنات “النظاميات” في شتى أنحاء العالم اللاتي وبرغم وظائفهن، ومساهمتهن في الإنتاج والمجتمع، لا يجدن الأمان في بيوتهن.
و لايمتلك أغلبهن في الحقيقة بيوتا بل يتشاركن بيوت الأزواج أو عوائلهم ويخضعن لقوانينها.
هنا فى مصر ترتفع أصوات النساء الأمهات مستنجدة من شدّة الأعباء والضغوط النفسية التى خلّفها إقفال الجامعات والمدارس والحضانات وأماكن العمل ما أدى إلى إجبار النساء على العمل بشكل مضاعف داخل البيوت. تصرخ هاجر: “حياتي تحولت إلى كابوس”.
وتقول هاجر إنها بحاجة إلى دعم نفسي لإعادة شيء من التوازن إلى حياتها.
وتوضح: “كنت بالأساس مُرهقة من الموازنة بين مهام الأمومة ومتطلبات العمل، والآن بعد أن أقفلت الحضانات والمدارس، تحولت إلى مربية ومُدرّسة ومدبّرة منزلية تحتاج إلى تخطيط كل مستلزمات الحياة، فضلا عن شغل البيت والتنظيف المستمر. عملي تحول إلى البيت أيضا. أصبحت أعيش تحت ضغط مستمر. زوجي لا يهتم بالأطفال ولا يتوقف عن التذمر من كل شيء، و ينتقد عصبيتى باستمرار. لم أنتبه قبل الآن إلى أن البيت ضيق المساحة وأنه من شبه المستحيل أن أختلي بنفسى لأعمل. يحدث أن أفقد السيطرة على نفسى، أحتاج فسحة صغيرة لأتنفس”.
“لا أريد أن أعيش هكذا”
بالإضافة إلى عدم تكافؤ الأدوار و ضغط المسؤوليات داخل البيت، تتعرض نساء كثيرات لمزيد من التضييق على حرياتهن وحركتهن أكثر فأكثر.
تبوح لى صديقة مصرية أنها تفكّر في الانتحار إذا عُلقت الدراسة لأكثر من شهر وأجبرت على التعايش مع أهلها فترة أطول، فلطالما سمحت لها الدراسة بالقاهرة بتحقيق استقلاليّتها والنجاة من فروض التقاليد، أما الآن فهي عائدة للحياة التي هربت منها، في الصعيد المصري حيث تعيش عائلتها.
تقول: “في البيت أنا شخص ميت. يجب أن ألبس الحجاب فى البلد وأتظاهر بأنني ألتزم بأداء كل الصلوات حتى لا تعتقد عائلتى أن عقيدتي قد اهتزت فيمنعونني من العودة إلى الدراسة بالقاهرة. أدرس الطب مع ذلك لا أستطيع أن أعبر عن رأيي أمام تصرفات مضرة بالصحة على سبيل المثال، لأن أخي لا يحتمل تقبل الإرشاد مني وأمي تقول إن الدراسة لن تجعلني أتكبر عليها”.
وتشدد: “لا يمكنني استعمال الهاتف أو الخروج للشارع. يغمرني اكتئاب. لا أريد أن أعيش هكذا”.
وتتكشف اليوم الفوارق الطبقية وحجم اللامساواة، ويبدو حال النساء حول العالم مأساويا.
وبالرغم من جهود المنظمات النسوية لتقديم الدعم وتوفير مراكز الإنصات ومراكز إيواء آمنة خلال فترة الحجر تبدو كل خدمات الإغاثة والحماية غير كافية لرأب صدع شروخ عميقة أحدثتها منظومة كاملة من التمييز والاستغلال لحقوق النساء.
زوجات وبنات وأخوات، يتحمّلن المزاج السيّء لأزواجهن وآبائهن وأخوتهن، ممّن يجدون في العنف متنفسا للضغوط النفسية للحجر وتداعياته الاقتصادية الحادّة. وجميعهن لا يجدن الدعم المؤسساتي المضمون مع تعطّل الحركة وأغلب المؤسسات الحكومية.
من هنا انطلقت موجة الهزل والممازحة على الفيسبوك، حيث وجد البعض أنّ إقفال المحاكم فرصة سانحة لضرب الزوجات وتأديبهن.
كما تهكّم آخرون من المكوث بالبيت “مثل النساء” والاضطرار قسرا إلى مشاركة أعمال النساء المنزلية. وحتى إن لبست هذه التغريدات لباس المزاح والهزل إلاّ أنّ أثرها يظل قائما في تعزيز دائرة العنف القائم على أساس التمييز.
تشرح هيفاء ذويب، مديرة مشروع بمنظمة أفتيرد النسوية في تونس: “تجد النساء أنفسهن أمام خيارات صعبة وتوازنات دقيقة جدا؛ فكثيرات منهن يخترن الهرب من بيوت عوائلهن ويواجهن القيام بأعمال خطرة. حالما تنهار هذه التوازنات – كما في الوضع الراهن – تصبح النساء مجبرات على التعايش قسرا مع العنف طالما أنهن لا يملكن رفاهية العيش في مسكن آمن”.
وتُذّكر بمطالب النساء بالحصول على حقوقهن، مثل المساواة في الإرث، كي لا يبقين خاضعات لمزاج الأقوى اقتصاديا.
“تناضل النساء فى المجتمعات العربية من أجل الحقوق الاقتصادية للنساء باعتبارها الضامن لتحقيق المساواة الفعلية لكن يبقى هذا المشروع بعيد المنال؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه عمل الذكور إنتاجا ذا مقابل، يُعد العمل بالنسبة للنساء محاولة للنفاذ إلى الفضاء العام لتحقيق الحدّ الأدنى من الاستقلالية المادية”.
وتضيف: “في الوقت الذى يحظى فيه الذكر بالنصيب الأكبر من الإرث وغالبا ما يعود له البيت بتقاليد يغلب فيها العشائري على الديني، تجد النساء أنفسهن في مفاوضات مع العائلة أو الزوج لضمان هامش مساحة وحرية في فضاء لا يمتلكنه”.