دكتور محمد عبدالله الريح
تحدث الناس كثيراً عن الارتفاع الصاروخي في أسعار خراف الأضحية ، وكيف أن معظم العائلات قد عجزت عن اقتناء خروف كامل بلحمه ودمه وشحمه ، وفي الحقيقة ارتفعت أسعار الخراف مثلما ارتفعت كل الأسعار بالنسبة لكل السلع ، فلا يعقل مثلاً أن يرتفع سعر البصل والزيت والفحم وكلها أشياء تدخل في طبخ الخروف ، ولا يرتفع سعر الخروف صاحب المصلحة الحقيقية إلا أن يكون خروفاً مسجلاً في شريط فيديو ، أو يعمل بحجارة بطارية . ولكن الخروف الذي نعرفه والذي من مواصفاته أنه يقول “باع” فهذا لابد أن يرتفع سعره . وقد كان أن ارتفع سعره حتى أنني تخيلت أنه سيأتي زمن لا يستطيع فيه أحد أن يشتري لحماً بالكيلو . بل سيكون بالخلية .. وادينا من فضلك عشر خلايا طلائية من الورك وأدينا من فضلك 20 خلية من الكبد ..ولكي تأكل هذا كله تحتاج لميكروسكوب أو مجهر لكي ترى أين توجد ” اللقمة ” .
وقفت أمام خروف أتأمل سعره وأنا أقول لصاحبه:
وليه سعره عالى كدا؟
أجاب من طرف أحد منخريه:
انتوا يا ناس المدردم كلو عندكم ليمون؟ إت ما بتشوف الخروف دا؟ هسع هنى في متيلو؟ دا كان ماك عارف إسمو الشبح.. دحين بتلقالك شبحاً رخيص؟
وتفقدت ذلك الخروف الشبح فإذا به شبح وكمان مظلل.
الواقع الذي لمسته يقول إن الارتفاع في أسعار الخراف سيجعلها أطول أعماراً .. فهناك العديد من الخراف لن تموت مذبوحة ولكنها ستموت بفعل الشيخوخة والتقدم في العمر وتصلب الشرايين وسنسمع قريباً عن أن خروف ناس فلان قد أصيب بجلطة أو نوبة قلبية أو دخل في غيبوبة سكري. ولقد رأيت خروفاً أصيب بمرض الزهايمر والخرف فأصبح يعوعي مثل الديك ظناً من أنه ديك وذات مرة تصور أنه كلب فأخذ يهوهو ويجري خلف العربات حتى صدمته عربة فأودت بحياته . ولقد تطاولت تلك الخراف على الذبح ولم يعد أحد يستطيع أن يدفع ثمنها ليذبحها ، فلا غرو أن عمرت وأخذت تملأ الساحات وتنافس الناس على ماتبقى من عشب ، ولهذا وللمحافظة على مواردنا الطبيعية من الاستهلاك بواسطة تلك الخراف المعمرة أقترح أن تقوم إدارة المراعي بتغذية النعاج بغذاء يحتوي على حبوب منع الحمل حتى لا ينجبن ويتكاثرن في الوقت الذي قل فيه عدد المذبوح من نسلهن .
مرت بذهني كل تلك الخواطر ، وأنا أرجع بذاكرتي إلى الوراء عندما كان الناس يتسابقون في إكرام الضيف بخروف ، وفي حمل الخراف إلى الحجاج عندما يعودون .. وقد كانت هذه مشكلة في يوم من الأيام لأحد أصدقائي. والذي كان يسكن بالقرب من أحد الأغنياء الموسرين والذين فتح الله عليهم برزق وفير حتى أن ذلك الرجل كان اسمه رزق فتح الله (أي تشابه في الأسماء هو من قبيل الصدف .. ولذا لزم التنويه) .
رزق رجع بعد أن أدى فريضة الحج ، وقد حمل لصديقي ذلك ملفحة معتبرة وسبحة راقية واحتار صديقي ماذا يفعل .. وهداه عقله القاصر أن يقترح شراء علبة ماكنتوش يحملها لجاره رزق فتح الله . ولأني كنت أعرف رزق جيداً ، فقد وجدت أن ذلك الاقتراح غير وجيه بالمرة . ففي منزل رزق غرفة تعوي فيها الكنديشنات ليلاً ونهاراً لأنها لا تحتوي على شيء سوى علب الماكنتوش وحتى لا تفقد نكهتها هيأ لها السيد رزق كل وسائل تكنولوجيا التبريد حتى تصبح مرطبة وندية . فكيف يحمل صديقي علبة ماكنتوش مجهولة الهوية اشتراها من سوق ليبيا كانت مهربة بطريق الأربعين قضت زهرة شبابها في الصحراء بين الحر والسموم حتى أن صلاحيتها ربما تكون قد انتهى منذ مدة طويلة ؟
وافهمت صديقي أن هذا لا يليق ويلزمه دماً في مثل هذه الحالة . وعليه أن يبحث عن ذلك الدم داخل خروف معتبر .
وانشرح صدر صديقي لذلك وذهبنا لحماد النجيض بالقرب من السكة الحديد ببحري ليعزل لنا خروفاً معتبراً يسر الناظرين .
وكأي شخص خروف .. آسف فخور حمل صديقي خروفه على ظهر العربة وتوقفنا أمام منزل السيد رزق وداس صديقي على زر الجرس ليحضر رهط من الذين يعملون بالمنزل وذلك ليحملوا الخروف المعتبر إلى داخل المنزل .. وصديقي يفخم صوته قائلاً :
• أسمع ياولد لما يجي سيد رزق هنا قول ليهو جاء هنا عثمان وجاب الخروف دا .. أسمع أوعى تنسى ..
ولأني أتمتع بفضول غريب .. وجدت نفسي أدخل مع الخروف المعتبر إلى منزل السيد رزق .. وهالني مارأيت .. ففي حديقة السيد رزق كان هناك من الخراف ست وعشرون خروفاً بالتمام والكمال .. وخروف الأخ عثمان هو نمرة سبعة وعشرين .. وتضاءل خروف طه بجانب تلك الخراف حتى خلته جرواً أو قطاً .. وعدت للأخ طه وأنا أطيب خاطره قائلاً :
• شوف ياأخوي .. خروفك دا البوكسنج BOXING بتاعه مابدخله الفريزر ويادوبك وبعد تعديل يكون احتياطياً في الحوش .
وتضاءل الأخ عثمان حتى أصبح أصغر من خروفه ..
إلى هذا الحد كانت قضية الخراف في الماضي والآن فأنا لا أدري .. فربما كان الحل عند صاحبنا شليل وشليل هذا كان يعمل في أحد المرافق الحكومية ، وكان يزورني قبل عيد الأضحى بأيام ويقول لي إنه لكي يحسن وضعه المادي فقد أخذ يعمل في تربية الماشية في جبل أولياء .. هناك مزرعة لأحد أقاربه وهو يشتري حملان ثم يعلفها حتى إذا جاء عيد الأضحى استوت ونمت وأصبحت جاهزة للذبح وهو يبيعها لإخوته الموظفين من أمثالي بسعر العلف الذي تغذت به .
ودفع له كل منا سعر الخروف وقد تعهد بأن يحضر لكل واحد خروفه ليلة النحر ويربطه له داخل المنزل .. شليل جاء في الموعد المحدد وهو يحمل عدداً من الخراف المتربية أحسن تربية .. سمينة ممتلئة وواقفة زنهار .. وربط لكل منا خروفه من رجله الخلفية . وقد لاحظ أطفالي أن ذلك الخروف كان في غاية من التهذيب والأدب .
واقف زنهار تماماً ولا يتحرك من مكانه ، ثم إنه لا يقول “باع” مثل بقية الخراف . وهو فقط يتجشأ أو “يتترع” ولكنه لا يفعل شيئاً .. كأن يستريح أو يجلس أو أي شيء من هذا القبيل .
وفي الصباح وبعد صلاة العيد فقد تكشف كل شيء .. فقد عمد شليل إلى نفخ الخروف من رجله الخلفية بعد أن أدخل “المفراكة” فيها ولهذا ظهر الخروف سميناً أميناً يقف زنهاراً فوق راي .
مثل خراف الأخ شليل كانت تحل مشكلة في هذا الزمان .. لا سيما وأسعارها زهيدة وفي متناول الجميع .. وبسعر العلف أو الهواء الذي بداخل جلدها .