كتبها د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال فى صباح جهنمى!!
انا من عشاق النخليات والصباريات والرياحين ولا يطيب عندى الشاى ( الاتاى) بدون النعناع وافضل المراكشى والمنسم ونعناع المدينة ونعناع دنقلا …فان صراع ( المصارين) قوات حفظ سلامتها فى النعناع ..
وبصفة عامة اجد نفسى اغرق فى هواية الاعشاب والنباتات الطبية والعطرية ومن اجلها اجوب بلاد العالم سواح!
كما فعل الخواجة صاحبي الذى جاء من اقصى اوربا بحثا عن نوع معين من شجرة دوم توجد فى صحراء العتمور..ورجع ظافرا بها ..بعد ان استعان بقبطى سودانى شاطر فى انتهاز تلك الفرص ..فباع له الدومة الواحدة بدولار لمدة طالت!!
نرجع للجهنمية ..واصدقكم القول وباننى اثناء عمل كباية شاى كاربة سألت نفسى: هل الجهنمية اسم محلى ام يتعدى ذلك ..ولماذا سميت الجهنمية ..وهل نسبة الى جهنم …وهل لذلك علاقة بجهنم الحمراء ووردتها الحمراء رائعة الجمال!! ام ان هنالك رابط بين مقولة: فكرة جهنمية..والجهنمية وجمالها الاخاذ؟
ودخلت الى عالم عمنا جوجل ..
فادركت بانها من القرنفليات وان من اكتشفها هو الملاح الفرنسى لويس أنطوان دو بوغنْڤيل، ومن ثم اصبح اسمها العلمى
Bougainvillea
ويطلق عليها الناس الجهنمية أو المجنونة أو البوغَنْفيليّة أو البوغَنْڤيليا..
وقد كان لى شرف ريادة نقل الوان مختلفة من الجهنمية الى السودان وتقديم النصح باستعمالها فى التسوير عبر تشبيك عدة الوان لتظهر وكانها نبته واحدة متعددة الوان الازهار ..ومن ثم تعطى منظرا اخاذا يسر الناظرين ويلهم عشاق الابداع..
من عادتى وانا سواح ..انداح وانساب فى حضرة الجمال ..وجها نضرا تحمله ساق بلقيسية ..ونخيل يعانق سماء مراكشية “تذوبنى” ان صاحبتها ابتسامة غنوج مراكشية تمشى الهوينى بدلال سيدة وجمالها فريد…
فى تجوالى اتعمق فى فنون العمارة وخصوصا الاندلسية ..واسافر معها فى عبق التاريخ ..وتأثرنى النباتات والازهار التى تتميز بها كل منطقة ..حسب المنطقة المناخية zone ..واتربع متعبدا مثل كهنة الهنود وانا فى حضرة جمال النباتات والازهار ..متدبرا بعمق فى عظمة الخالق ..وجميل مخلوقاته ..
فهذه زهرة وكانها عقد منضود ..وتلك ثمرة حلوة شكلا ومذاقا ..
فان الهند بلد العجائب ..حيث الاله عندهم جسد انسان فى وجه خرطوم فيل ..ورغم تعدد معبوداتهم وتماثيلهم والاعتقاد فى الابقار وروثها كمان …صنعوا القنبلة النووية!!
فى الهند رايت نباتات عجب ..واكلت فى ورقة ( صفقة ) الموز ..وشربت عصير قصب السكر بالجنزبيل الطازج وغسلت يدى بماء ليمون دافئ ..وافتقدت الخبز فى الجنوب الهندى الذى فيه سحرا عجبا ..وقد رايت جبالا تكسوها الورود والازهار ..وفيها القرنفل والهيل والقرفة والكركم وقائمة طويلة من بهارات وعطريات وفاكهة ..وعلاجات بلدية من طبيعتها الساحرة ..وانسانها الذى يعبد الانتاج والعمل…وفى الهند نجد اكبر شركات الاعشاب الطبية والعطرية والجمالية وابرزها الهملايا ..
وقد رايت فى الهند ان استعمال الزهور فى الجنائز كما هو فى الافراح ..وان الجسد يكون حوله كم ضخم من الازهار وهو فى طريقه الى المحرقة!!
فى كل بلاد العالم تشكل الازهار والورد الكثير من المعانى ..وان دخلت مقبرة فى انجلترا او حتى فى اقاصى اذربيجان المسلمة، تجد قبورها تتزين بالازهار ..فى منافسة لابداء الحب حتى بعد الرحيل !!
وعقب زواجى فى انجلترا كنت اتلقى يوميا باقات من الورود والازاهر بصحبتها كروت لازلت احتفظ بها ..ولكى احافظ عليها اطول فترة اضعها فى الماء واضيف اليها غذاء مخصوص!
وتذكرنى الزهور بصديقة مراكشية كانت تعيش فى باريس ..وانتقلت الى المغرب لتعمل مديرة لشركة زهور يملكها يهودى فرنسى يبخل عليها كثيرا وهى تعمل طيلة اليوم بجد واخلاص ..وقد وعدها بنسبة من الربح الا انه اخلف وعده ..وكعادة المرأة المغربية التى لاتسحرك بجمالها الاخاذ فحسب ..وانما تذهلك بنشاطها وانتاجها ..وهى كالنحلة فى الاهتمام بجمالها وانوثتها ..وبصناعة بديعة لطعام منزلها ..ونظافة لجسدها وبيتها ..تجعل له رائحة تجذبك الى البيت وتأبى ان تخرج منه ..ويطيب لك الشهد الذى تجود به تلك
” النحلة” فى صفاء وهى فى دلال تردد: صافى ..صافى
ارجع لصديقتى المراكشية التى “تعيل” اى مسؤلة عن اعاشة والدتها وخالتها كبار السن واخوها المعاق وزوجته واطفاله ..وتعمل من الصباح الباكر حتى العشاء دون كلل او ملل وتستقبل زبائنها بابتسامة ساحرة لا يغيبها الارهاق والتعب ..
وكانت تحدثنى كثيرا عن همومها واوجاعها وتجد فى “شواطئ فخرالدين” كما تقول راحة وصفاء بعد التعب ..وتبحر فيها فى كافة الاتجاهات …يأخذها الموج كيفما يشاء واينما تشاء..
باغتها يوما باقتراح ان يكون لها محل بيع ورد خاص بها …فاجابتنى متعجبة: ومن اين لى براس المال للبضاعة والمحل و ” الكراء” ..فاقترحت عليها ان تبدا البحث عن محل وتخبرنى بالتكاليف المبدئية ..
علما بانه فى مراكش تباع فى محلات الزهور ايضا المكسرات والحلوى والشوكلاته ويتم تغليف الهدايا وخدمات التوصيل حتى للمرضى فى المستشفيات..
وبدأنا معا خطة العمل business plan
وباقل المخاطر وراس مال ممكن وماهى الا اسابيع قليلة ..وظهر الى الوجود ركن فى احد محلات السوبرماركت الشهيرة لبيع الورد ..بدون ايجار وانما بنسبة 25% من الارباح، وبضائع تأتى ويتم حسابها نهاية اليوم ..لانها خلقت اسم وثقة واحترام فى المجال ..
وقبل ان يتم العام ..كانت وردتى المراكشية الحسناء كما اطلق عليها ..تمتلك احد اكبر محلات الورد فى مراكش!!
وقد قررت يوما ان ازورها فى مراكش “مفاجأة” ..ووقف ” الطاكسى الصغير” امام محلها ..فنظرت بذهول: فخرالدين ..هل حقيقة ام خيال!؟
واسرع صبي يعمل معها لمساعدتى فى النزول من التاكسى ..وهى تسرع لحسابه ..ومن ثم معانقتى ببكاء … ذكرنى اهلنا زمان عندما تقول حبوباتنا وهن يشمن رائحتنا: احى يا ولد بطنى…
واجلستنى داخل المحل وهى تنظر الى وجهى وتمسك بيدى والدموع تغالبها ..واسرع العاملين معها ودون توجيه باكرامى ..لدرجة خلع الجزمة والشراب ..ومسح ارجلى بماء الورد. وتحضير الشاى بالنعناع ..والماء الزلال برائحة الورد ..
ِ وماهى الا لحظات وجاء الطاجن ..يسبقه دخانه ورائحته الشهية ..وشعرت وكأننى ملك فى قصره وحوله الصبايا والورود وفى فمها عنقود..
قلت لها: هونى عليك عزيزتى فانى قد افطرت فى الهوتيل ..فصاحت: ولما لم تخبرنى احضر لك المطار ..وبيتنا فى انتظارك وامك تشتاق لك ” والدتها” ..زعلت منك بزاااف ..
نظرت حولى فوجدت ثلاجات ورود ..وبعض العمال مستغرق فى تجهيز الباقات ..وفى كل ركن عمل ونشاط ..وليس هنالك من ينظف ..الكل يعمل كل شئ.. بجماعية متفردة وصمت وابتسامة..
محل تشتهى فيه كل شئ..عاطفة وحنان ..وشاى وطعم طاجن من الجنة ..وعمال وعاملات يلبسون بالطو ابيض عليه شعار المحل ..تماما كما اقترحته واضافت اليه اطارا خارجيا حرف F
وعندما اشرت الى الشعار/اللوغو ..قالت بحب وحنان: نعم فخرالدين ..هو الشعار الذى ارسلته انت وانا اضفت اليه اول حروف اسمك! وكأنى لحظتها اسمع ود الامين وهو يردد: حروف اسمك..
واصدقكم القول انى احببت اسمى فى شفاه المغربيات …فى غيرهن يخرج خشنا عنيفا ثقيلا لدرجة ان احد زميلاتى فى الجامعة وصفت اسمى بانه يشبه كلمة بذيئة جدا لان الخاء تنطق عندهم كاف ..لذلك اقترحت ان نقصره كما يحلو لهن مثلا اسم اليزابيث ..يصبح ليز ..ويسمونه شورت نيم short name
وتمت مؤامرة على اسمى فى الجامعة بمانشستر وتغير بفعل زميلتى الانجليزية ليز ومصادقة زميلتنا التركية المسلمة اسما ذينب ..تغير اسمى عندهم الى Faddy
وعاد لاسمى فى المغرب الزوين جماله وتميزه كما اراد له الوضئ والدى عليه رحمة الله ورضوانه وغفرانه ..وقد نقش الاسم فى جبل ام على قبل زواجه فى حلم يقظة ..تتوج بحقيقة عندما وصله تلغراف ميلادى من خالى حسين ادهم طيب الله ثراه ..ورحم وغفر لابن عمى محى الدين الذى استلم التلغراف من عامل البريد الذى طرق على باب بيت عمنا حسن الخليفة فى الموردة فى الزمن الجميل..
فى المغرب عاد لاسمى جماله ورونقه ودلاله كمان!! وخصوصا انه يتم نطقه كاملا: فخرالدين .. وبطريقة تكاد تجعلنى اطلب بمناداتى مرات ..او لا ارد حتى اسمعه مرات..واخاف ان تسحرنى مغربية بكل شئ فيها ..وليت شعراء الحقيبة عندنا تجولوا مابين فاس واغادير وطنجة وتطوان ..ولم يكتفوا بغزال المسالمة وصبية البان!!
وقبل قليل تضايقت عند مشاركتى فى برنامج الاسرة باذاعة امدرمان..عندما كان المذيع يوجه الى الاسئلة بقوله: د. فخرى!
قلمى عربيد وكثير السياحة ..والانتقال مابين الازاهر والورود ..فلكم العتبى على هذه الثورة ..فقد ولدت ثائرا ..وسأموت كذلك …انظر فى دهشة الى ثورة الياسمين وابا القاسم الشابي وهو ينشد للحرية ويغنى للحب والجمال:
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام
كالحن كالصباح الجديد
كالسَّماء الضَّحُوكِ كاللَّيلَةِ القمراءِ
كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
وانشد مع وردى وود الامين للحرية واغنى مع عركى للعمل والمسؤلية..
والجهنمية اليوم الهمتنى ..وتمنيت ان اراها سورا/سياجا لكل بيوتنا ..تحميها بشوكتها ” الحارة” ..وبالمناسبة هذه الشوكة الغليظة الحارة ..تلين وتضعف فى المناطق الباردة!!
وتقوى فى المناطق الاستوائية وهى تواجه طقس عربيد يطير سقف منزلك وانت فى سابع نومة!!
والجهنمية زهرة بديعة والوانها متميزة ومتفردة …واتمنى ان اراها فى بيوتنا كما اسلفت سياجا يشكل حماية وجمال ..وتحتها صباح الخير بالوانه الزاهية وهى تتفتح مع الاشراق وتقول لنا: صباح الخير ..
وداخل بيوتنا نزرع الجمال والخير من الملوخية والرجلة الى الجرجير ..عارفين اسمه بالانجليزى هو الصاروخ Rocket
ويقولون: لو علمت المراة ما فى الجرجير لزرعته تحت السرير!
واوصيكم ونفسى باكل الجرجير يوميا ..وقد كان المناضل الوطنى الاتحادى الراحل الخالد الحاج مضوى محمد احمد ..يبرنى يوميا بجرجير بلدى حار المذاق ( اورقانك) من مزرعته..
وقبل الختام ازيد من النصح بزرع المخملية ويسمونها ايضا المارى قولد ..وهى زهور رائعة ..ياريت نزرعها حول احواض الخضرات والاشجار لحمايتها من الحشرات لانها نبات صاحب!
وما أعز وأجمل الاصحاب
د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال