طرابلس: في مزرعة داخل بلدة القويعة على بعد 40 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس، أقام شابان ليبيان مشروع “الجنة الخضراء” للزراعة المائية، في خطوة مبتكرة في بلد تبدو تقنيات الزراعة التقليدية قاصرة عن تلبية احتياجات سكانه.
مع مطلع كل صباح، يزور المهندس الزراعي سراج بشيه وشريكه في المشروع منير المنشأة المعدنية التي أقاما فيها “الجنة الخضراء”، حيث يتفقدان الخضروات المغروسة في أنابيب بيضاء مجوفة معلقة، في منظرٍ غير معتاد في البلاد، ضمن مساحة 15 متراً بـ6 أمتار.
هذه المساحة صغيرة نسبياً لكنها تجسد مزايا هذه التقنية، إذ بالإمكان زراعة محاصيل مختلفة في حيز أضيق مقارنة مع الزراعة التقليدية، بمردود أعلى وفي مدة زمنية أقصر.
ويوضح المهندس الزراعي العشريني سراج بشيه لوكالة فرانس برس “تلقينا تدريباً على الزراعة المائية في تونس” قبل عامين، “وبعد عودتنا فكرنا بأهمية تحويله لواقع، وباشرنا فورا في التخطيط لمشروع (الجنة الخضراء) لزراعة الخضروات من دون الحاجة إلى التربة”.
وهما أطلقا المشروع قبل بضعة أشهر، و”باتت لدينا مساحة واعدة في هذا البيت الزجاجي والحلم صار أكبر، وسنواصل تطوير العمل بهذه التقنية”.
وأحدثت الزراعة المائية التي تقوم على خلط المياه بمجموعة من الأملاح المعدنية والمغذيات الأساسية، ثورة في مجال الزراعة خلال الأعوام القليلة الماضية. وباتت دول العالم تتجه بصورة متزايدة الى هذه التقنية المبتكرة.
نظراً لطبيعة ليبيا ومناخها شبه الصحراوي، لا تتجاوز الأراضي القابلة للزراعة 3% من إجمالي مساحة البلاد. كما أن هذه النسبة مرشحة للتراجع أكثر إذ إن القطاع الضيق للأراضي الزراعية الخصبة في شمال البلاد على سواحل المتوسط يدفع فاتورة باهظة جراء التمدد العمراني الزاحف.
ولا تزال الزراعة قطاعا هامشيا في ليبيا، حيث يهيمن النفط على الاقتصاد في بلد يحوي أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا.
لكن يمكن للزراعة المائية أن تكون خياراً استراتيجياً للاكتفاء الذاتي من المحاصيل في ليبيا، كونها توفر إنتاجاً سنوياً مستداماً وبالتالي أرباحاً أكبر، بخلاف الزراعة التقليدية التي توفر إنتاجاً موسمياً فقط، بحسب سراج بشيه.
ويسعى القائمان على المشروع إلى نشر استخدام هذه التقنية الزراعية على نطاق واسع، خصوصا لأنها تضمن مردودا جيدا على مساحات صغيرة، مع محاصيل زراعية خالية من المبيدات الحشية واستهلاك قليل للمياه، وفق بشيه.
وفي بلد يضم أكبر منظومة نهر صناعيّ في العالم، وهو مشروع ضخم أطلقه معمر القذافي قبل أكثر من ثلاثة عقود لنقل المياه من أعماق الصحراء إلى المدن الحضرية، تواصل ليبيا الاعتماد على مصادر مياه غير مستدامة.
ويجعل ذلك أزمة شح المياه تلوح في الأفق، بسبب الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية والعمليات العسكرية التي دمرت ثلثي قنوات نقل المياه عبر منظومة النهر الصناعي التي توفر نسبة 83% من إمدادات مياه للأغراض الزراعية.
رغم ردود الفعل المرحبة بهذا المشروع، لا تزال عقبات عدة تعترض استمراريته وتحديات كثيرة ينبغي للقائمين عليه مجابهتها.
ويقول سراج “مشروعنا يُصنَّف من المشروعات الناشئة، وطبيعي أن يمر بتحديات عدة، ونحتاج إلى الصبر والإيمان بالفكرة وتجاوز خيبات الأمل”.
ويوضح المهندس الزراعي أن التحدي الأكبر تمثل في “توفير المواد الاولية التي تدخل في تجهيز مشروعنا، واضطرارنا إلى شراء معظمها من خارج ليبيا” ما يرتب تكاليف باهظة.
ولعلّ مشاركة مشروع “الجنة الخضراء” ضمن معرض ليبيا للمشروعات الصغرى في نسخته الخامسة العام الماضي، كانت من أهم محطات نجاحه، خصوصا بعدما نال ثناء واسع.
ويرى الخبير الزراعي عبد الكافي العمروني أن المشروع الذي عمل عليه الشابان، يمثل “تحدياً” و”طفرة”.
ويقول لوكالة فرانس برس إن المشروع سيفتح الباب “أمام تقنية زراعية ليبيا بأمس الحاجة لها، خصوصا مع مناخها الصحراوي، وتراجع الإمدادات المائية”.
وتناسب الزراعة المائية ليبيا ذات التربة الرملية والتي صُنفت ضمن ست دول في منطقة الشرق الأوسط مهددة بالفقر المائي الحاد في السنوات القليلة المقبلة.
ويختم الخبير الزراعي “يجب على الحكومة الاهتمام بهذه المشروعات الناشئة ودعمها، وهي ستحقق فوائد عدة، من توفير غذاء نظيف وتشغيل الشباب” كما “يُتوقع من نجاحها سلب هيمنة زراعة التربة التقليدية”.