خاص ايكوسودان. نت د. أحمد سمي جدو محمد النور
أن العلاقة السياسية والاجتماعية بين السودان ودولة تشاد ذات خصوصية.لأنهما بلدان متجاوران،وبينهما حدود مشتركة وامتدادات جغرافية مؤثرة، مثلت فيما مضي ولا زالت تشكل مناطق طرد وتخلخل سكاني أسهم في خلق نطاقات للتداخل اللغوي والعرقي والثقافي علي طول الحدود بين البلدين . جعلت من السودان عرضة لتدفقات بشرية من تشاد باتجاه السودان،بسبب موقعه الاستراتيجي المهم بالنسبة للجارةوالشقيقة تشاد .خاصة وأن تشاد بلد مغلقة علي نفسها وليس لديها منفذ علي البحر الا عبر السودان الذي يمثل وسطية سياسية جاذبة بحكم الاستقرار السياسي النسبي الذي يتمتع به ،وفرص العمل المتوفرة فيه، والمشاريع التنموية والشركات التي يمكن أن تستوعب أيدي عاملة كثيرة سواء من داخل البلاد أو عابرة للحدود . اذا علمنا بأن السودان قد ظل دائم التأثير بما يجري من أحداث مسرحها تشاد ممثلة في الكوارث الطبيعية،والمجاعات والحروب الأهلية المدمرة والصراع حول السلطة بين الدولة والحركات المسلحة التشادية التي ظلت تنطلق من عمق الأراضي السودانية لتغيير الوضع السياسي في تشاد .فقد انطلق حسين هبري من السودان للقضاء علي حكومة جكوني عويدي عام ١٩٨٢م.وكذلك إدريس ديبي اتنو من عمق الأراضي السودانية وبمساعدة عسكرية وأمنية واستخباراتية من حكومة الإنقاذ لتغيير الوضع في تشاد ، وقد نجح إدريس ديبي بالفعل في القضاء علي نظام حسين هبري في ديسمبر ١٩٩٠م.
أن مقتل إدريس ديبي وبتلك الصورة الهمجية وفي ميدان المعركة لديه دلالات اثنية وقبليةكبيرة بحسب ثقافة الكيانات القبلية المكونة النسيج الإجتماعي التشادي والذي سوف يجعل من الدولة التشادية ميدانا واسعا للتصفيات الجسدية التي كانت ستطال بعض الرموز التشادية ذات الصلة بمقتل الجنرال إدريس ديبي اتنو . الأمر الذي سوف يفاقم من خطورة الأوضاع بدرجة كبيرة وغير مسبوقة . ومما يزيد الطين بلة هو استعجال إنشاء المجلس الانتقالي المكون من ١٥ من جنرالات الجيش التشادي ذو التركيبة القبلية المحضة ،لإدارة الدولة لفترة انتقالية حددت ب ١٨ شهرا،تعقبها انتخابات تفضي الي ولادة نظام ديمقراطي حقيقي طال انتظار الشعب التشادي له .ألا أن الطامة الكبري قد تمثلت في قيام المجلس الانتقالي الذي أمر بحل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور التشادي ، في تجاوز صريح وواضح لفقرة في الدستور التشادي تقول (في حالة خلو منصب الرئيس بالموت أو العجز يتم اسناد الرئاسة الي رئيس البرلمان ولمدة ثلاثة أشهر تجري خلالها انتخابات لاختيار رئيس جديد ) . في إشارة الي أن نظام الرئيس إدريس ديبي مازال حاكما ومسيطرا ونافذا وأن شيئا لم يتغير . الأمر الذي يؤكد بأن الأوضاع السياسية في تشاد تسير بصورة متسارعة الي الأسوأ وفي طريقها الي التعقيد والتشبيك.بحيث تصبح الدولة التشادية عرضة لعملية فوضي خلاقة واستقطاب محلي واقليمي ودولي في مقبل الأيام .
اذا علمنا بأن الأوضاع الداخلية في تشاد هشة وغيرمتماسكة تماما . فقد تتفجر بين عشية وضحاها ، وذلك للطابع القبلي والاثتي للحركات المسلحة التشادية ،وانتشار السلاح ،وتعدد حركات المعارضة التشادية ، واختلاف أجندتها ، مما ينعكس سلبا علي الأوضاع الأمنية في السودان وخاصة إقليم دارفور المتاخم للأحداث، اذا أضفنا لها منطقة الجنينة الملتهبة أصلا ، والتي أعلنت بواسطة واليها محمد عبد الله الدومة منطقة منكوبة ،ليستقطب لها الدعم المادي والعيني المطلوب تقديمه للمواطنين الذين خرجوا من منازلهم ولا ذوا بمؤسسات الدولة،مما يزيد الحالة سوءا علي سوء باحتمال قدوم لاجئين جدد من الجارة تشاد هربا من من الحرب الدائرة في تشاد بين حركات المعارضة التشادية ونظام محمد إدريس ديبي ومجلسه الانتقالي.
وبقراءة فاحصة لما يجري من تطورات سياسية أعقبت مقتل الرئيس ديبي أتنو نجد أن دور فرنسا في تشاد قد تضاءل وانكمش في الآونة الأخيرة الي حد كبير فلم تعد تدعم نظام الرئيس ديبي كما كان في السابق،لأن إدريس ديبي قد أقحمها في صراع مصالح مع الصين عندما سمح لها بالتنقيب عن البترول في تشاد عبر شركة cnpc المنافسة للشركة الفرنسية total. مما يشيربوضوح بأن فرنسا قد تخلت عن حليفها القديم إدريس ديبي وأصبحت تبحث عن شخصية تشادية بديلة تتماشي وتتماهي مع مصالحها وأهدافها في منطقة السودان الأوسط أو حوض بحيرة تشاد .فلا أستبعد أن تكون فرنسا قد خططت للتخلص منه أو كانت وراء عملية مقتله بواسطة عناصر من الجيش التشادي مقربة من فرنسا وخاضعة لنفوذها الطاغي علي المؤسسة العسكرية التشادية .
وفي اعتقادي أن اغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي قد تم بواسطة مؤامرة تم التخطيط والترتيب لها بواسطة جنرالات نافذين في الجيش التشادي مما يوحي بأن انقلابا عسكريا قد تم ،ولتمويه الرأي العام العالمي والأقليمي والمحلي بإنشاء حكومة انتقالية برئاسة ابنه محمد إدريس لإرضاء بعض العناصر في الجيش التشادي المقربة من الرئيس الراحل المغدور .ريثما يتم تلافي الأمر بشكل أفضل . وفي نفس الوقت إرباك للحركات التشادية المسلحة التي ليست علي اتفاق فيما بينها وفي كيفية إزالة نظام الرئيس إدريس ديبي،الأمر الذي يتطلب خلق نوع من توحيد الإرادة السياسية لدي الحركات المعارضة التشادية علي كيفية إدارة الشأن السياسي في تشاد لتفويت الفرصة علي أصحاب الأجندة الخارجية الذين قد يعرضون أمن تشاد الي الخطر ؛ خاصة وأن تشاد دولة مفتاحية الي غرب أفريقيا ، ونافذة للتأثير علي مجمل الأوضاع في الدول المجاورة لها كالسودان وليبيا وأفريقيا الوسطي والكاميرون والنيجر .
وتجدر الإشارة الي أن الحركات المسلحة التشادية التي ظلت تناوئ نظام الرئيس ديبي تتكون من اثنيات مختلفة ليس بينها روابط دم وأواصر قربي مؤثرة فيما بينها بحيث نجد الدكتور محمد المهدي الذي يقود جبهة الوفاق من أجل التغيير من اثنية الكريدة(قرعان) يعاونه الجنرال محمد نوري المعارض التشادي المعروف بمعاداته السافرة لنظام الرئيس إدريس ديبي منذ العام ١٩٩٨م .والذي ينتمي الي قبيلة الأنكازة التي ينتمي إليها الرئيس التشادي السابق حسين هبري الذي أزاحه عن السلطة في تشاد إدريس ديبي اتنو في ديسمبر ١٩٩٠م بدعم ومساندة من حكومة الإنقاذ بالخرطوم . وكعادة حركات التمرد التشادية التي تنوي تغيير الوضع في تشاد أن تنطلق من عمق الأراضي السودانية ،فالسودان مرشح وبشكل مباشر لأحداث ومعارك شرسة قد تدور رحاها علي حدوده الغربية المتاخمة لدولة تشاد بحيث يدفع السودان فاتورة الانفلات الأمني في دارفور وعلي الحدود بين السودان وتشاد، وفاتورة إيواء اللاجئين التشاديين الذين سوف يتدفقون باتجاه إقليم دارفور المتاخم لتشاد .
أن ما يدعم ما ذهبت إليه من توقعات وقراءات هو تعدد الفصائل التشادية المتمردة علي الوضع السياسي في تشاد مثل الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد ،والتي قوامها من اثنية التوبو سكان جبال تبستي ،وهناك القوات الثورية من أجل الصحراء والتي أيضا تتكون من اثنيةالتبو ذات الصلة بدولة النيجر ، مضافا إليها المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية والذي يقوده أبكر شريف عيسي …بالإضافة إلي حركة تجمع القوي من أجل الحرية والعدالة التي يقودها تيمان أردمي من اثنيةالزغاوة.
وبالرغم من اختلاف أجندة وأهداف هذه الفصائل مجتمعة الا انها تتفق جميعها في رفض التجديد للرئيس ديبي لولاية سادسة والتي تمت بالفعل بإجراء الانتخابات في أبريل ٢٠٢١م والتي أظهرت نتائجها الفوز الكاسح للرئيس إدريس ديبي بالرغم من معارضتهم لها . الأمر الذي أعطي الصراع في تشاد طابعا اثنيا وقبليا صارخا سوف تكون نتائجه صادمة في مقبل الأيام، مالم تبادر حكومة السودان الانتقالية بشقيها العسكري والمدني لاحتواء الصراع التشادي التشادي في أضيق نطاق ممكن أو التقليل من آثاره بحيث تطلب من الأطراف الرجوع الي صوت العقل وضبط النفس وضرورة الجلوس علي مائدة التفاوض الذي من شأنه التوصل الي حكومة وطنية متفق حولها ، تمثل فيها المعارضة التشادية بشكل يدفع بالدولة التشادية الي أن تنعم بالاستقرار السياسي والتفرغ للبناء والتعمير ، والذي حتما سوف يجني ثماره السودان سلاما وأمنا وتنمية علي حدوده الغربية المتاخمة للشقيقة تشاد .
مع التحفظ علي أن الأحداث الجارية في الدولة التشادية سوف تسهم في خلق بعض المشاكل والأزمات التي سوف يعاني منها السودان والمتمثلة في طول الحدود المشتركة بين البلدين،والتي يبلغ طولها ١٣٠٠كيلو متر مربع ،في شكل انفراط أمني غير مسبوق ، علي طول هذه الحدود ،مما ينعكس سلبا علي التداخل السكاني المنتشر علي طول تلك الحدود، مثل مشكلة الخارجين عن القانون والسهولة التي يجدونها في الهروب والاختفاء عن أعين الرقابة الإدارية من الجانبين السوداني والتشادي ،والسبب في ذلك هو سهولة عبور هذه الحدود لعدم وجود العوائق والموانع الطبيعية من أودية وجبال وغابات ، بالإضافة إلي مساندة بعض العناصر والجماعات القبلية لأفرادها من المجرمين ، بل والعمل علي تضليل السلطات علي الجانبين التشادي والسودان ، مما يقلل من فرص العثور علي الجناة ومحاكمتهم .
خاصة وأن مساحة السودان يتضمنها شكل غير منتظم الي حد كبير وغير متناسق مع كل الأشكال التي تضمنت مساحات الدول المجاورة له،وبخاصة الجارة تشاد ،لأن الحد السياسي بينهما في أغلب حالاته يمر في الاتجاهات التي تمزق الكيان البشري ، بحيث تدخل بعضا من قبيلة أو جماعة أو اثنية محددة في إطار تشاد .وتبقي علي البعض الآخر وراء الحد السياسي داخل السودان ، بحيث أصبح السودان يمثل موقعا مهما لالتقاء وانتهاء تحرك الهجرات والموجات البشرية من خارج حدوده السياسية الغربية ،و تحديدا من الشقيقة تشاد من خلال التداخل السكاني الكبير المنتشر علي طول الحدود المشتركة بينهما . وتجدر الإشارة هنا الي أن مناطق التداخل الاهلة بالسكان علي طول تلك الحدود قد تمثل مجالات امتداد جغرافي من شأنها اضعاف الروابط الاجتماعية والحضارية والثقافية عند ظهور صورة من صور الصراع علي الحدود بشكل يؤثر علي الأمن والاستقرار في كلا البلدين، وخاصة إقليم دارفور ،وربما أدت الي قيام بعض المشكلات السياسية بين السودان وتشاد في المستقبل اذا لم تتم إدارتها وتوظيفها لخدمة المصالح المشتركة وتحقيق الجوار الامن.
وتفاديا لأي مهددات أو أخطار أمنية محتملة ،نري ضرورة العمل وبأعجل ما يكون علي طي الخلاف التشادي التشادي أولا ،ومن ثم العمل علي إعادة ترسيم الحدود بين البلدين من وقت لآخر،وتنشيط الدوريات والرقابة الإدارية وبشكل صارم ،ويمكن أن تضطلع بهذا الدور في مقبل الأيام أو في الوقت الراهن القوات المشتركة السودانية التشادية، حتي لا تصبح مشاكل الحدود بين البلدين عرضة لمؤثرات محلية وإقليمية ودولية يمكن استخدامها لبلوغ أهداف سياسية أو استراتيجية من شأنها الاضرار بمصالح البلدين السودان وتشاد .
وليكون السودان في مأمن مما يجري في تشاد من تطورات سياسية معقدة ومتلاحقة من جراء الصدام المسلح التشادي التشادي،لا بد من إجراء دراسات علمية نوعية رصينة حول التداخل العرقي واللغوي والثقافي الحادث علي طول الحدود بين البلدين لتتضح انعكاساته علي مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان ؛وعلي خطط وبرامج التنمية في كلا البلدين،ومن ثم محاصرة الأسباب الآنية وتقليل قوة تأثيرها ما أمكن علي العلاقة بين البلدين توطئة لإيجاد حلول مستندة الي نتائج بحث علمي رصين تجني ثمار غرسه دولتي السودان وتشاد .
د. أحمد سمي جدو محمد النور
كلية الإمام الهادي
الملازمين
الوسومالسودان انقلاب تشاء حركات مسلحة داوفور رفاق السلاح
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …