ايكوسودان. نت دكتور/عمر محمد سعيد
في البدء لا بد أن نقول ونؤكد دوماً اذا لم نعتمد على مواردنا الذاتية والتي يتميز بها السودان وخصوصاً القطاع الزراعي لا يمكن لنا الخروج من عنق الزجاجة،وهنا لا بد ان نصحح بعض المفاهيم لكثير من الذين يتناولون موضوع القطاع الزراعي.
أولاً:لا نعني بالزراعة الإنتاج النباتي فقط وانما هنالك مصطلح يستخدم دوماً عند كثير من الاقتصاديين وهو مصطلح القطاع الزراعي.فالقطاع الزراعي بمفهومه العالمي الحديث هو الإنتاج النباتي والحيواني والمائي،وتلك مقومات أساسية في البحث عن الغذاء للبشرية التي تتزايد يوماً بعد يوم.فالإنتاج النباتي والحيواني والمائي دائماً في حالة تكامل وانسجام وخصوصاً فيما يرتبط بالأجهزة التنفيذية التي تقوم على أمر الزراعة في كثير من دول العالم،فهذه المحاور الثلاث هي جسم واحد يؤدي كل منها مهامه من أجل تحقيق الهدف المطلوب وهو إنتاج الغذاء والوصول إلى مستويات محكمة في تحقيق الأمن الغذائي للشعوب.
فالسودان يتمتع بقاعدة زراعية هائلة(أراضي زراعية خصبة صالحة للإنتاج الزراعي،مراعي طبيعية،ثروة خيوانية ضخمة ومتنوعة،غابات طبيعية ضخمة،مصادر مياه متعددة ومختلفة(نيلية ـ بحرية ـ عذبة ـ مالحة….الخ) بالإضافة إلى ثروة سمكية ضخمة جداً).فالسودان في نظر الإقتصاديين العالميين هو تابع لمنظومة الإقتصاديات الزراعية المعتمدة في نموها وتقدمها على إنتاجها في القطاع الزراعي(نباتي حيواني مائي).وهذا القطاع الزراعي دائم وأساسي ومهم لأنشطة أخرى فرعية كمثال لذلك التعدين،ولهذا فالقطاع الزراعي هو الوحيد الذي يمتلك موارد طبيعية متجددة وعطائها لا ينفذ والمحرك الأساسي لبقية قطاعات الإقتصاد السوداني الأخرى مثل الصناعة،التجارة الداخلية،والتجارة الخارجية،والنقل والخدمات.
هذا القطاع للأسف الشديد يفتقد للمخطط الإقتصادي الإستراتيجي والذي يمتلك العلم والخبرة والمعرفة والإرادة بكيفية معالجة هذا القطاع من الأمراض المزمنة الذي طالته في العقود السابقة وخصوصاً فترة النظام السابق،واذا تعافى هذا القطاع وأدى دوره بصورة كاملة كسب السودان اقتصاداً حياً متحركاً ومتجدداً وملبياً لحاجات شعبه وشعوب العالم.
هنالك دول في العالم لديها ميزات نسبية في بعض أنشطتها الإقتصادية تملك على الأغلب أجهزة تنفيذية وإدارية قوية وإرادة لتحقيق أهدافها.فمثلاً دول الخليج العربي تملك ميزة إنتاج البترول على مستوى العالم نجد لديها أجهزة تنفيذية وإدارية مسلحة بالعلم تضطلع على مهامها بمسؤولية ووطنية عالية جداً وتتفوق على نفسها أحياناً في إنتاج البترول والغاز والبتروكيميائيات والأمثلة كثيرة على ذلك في كل أنحاء العالم.
قياساً على ذلك السودان يملك أكبرالإمكانات في القطاع الزراعي على المستويين الأفريقي والعالمي ولا تنافسنا في ذلك المضمار غير كندا وأستراليا،والعالم بأسره ينتظر من هذه الدول الثلاث السودان وكندا وأستراليا ينتظر منها تلبية حاجة البشرية من الغذاء الذي يوفره القطاع الزراعي وللأسف لا نملك الجهاز الذي يدير هذه الميزة بكفاءة.
ومن هنا في تقديري على المخطط الإقتصادي الإستراتيجي أن يكون أكثر شجاعة واعترافاً بواقع الأوضاع في هذا القطاع ويكون مدخل لإتخاذ سياسات وتشريعات قوانين وخطط وقرارات إدارية داعمة في هذا الاتجاه من أجل إيجاد قطاع زراعي معافى.وإن هذا القطاع في الفترات السابقة كانت تضطلع بالأمر فيه إدارات تنفيذية ضعيفة وما يستتبع ذلك من ضعف وقلة البرامج والخطط الحقيقية الرامية إلى إصلاح هذا القطاع،بالإضافة إلى أن النظام السابق أهمل هذا القطاع مما أثر على فعاليته في دعم الإقتصاد الوطني،وخلق أجهزة رديفة لذلك القطاع تغدق عليها الدولة الميزانيات المهولة التي تصرف على برامج غير ذات أثر ملموس على هذا القطاع.كمثال لذلك برامج النفرات الزراعية الكثيرة وغيرها من البرامج.
ولا يمثل القطاع الزراعي في السودان في الفترات السابقة خصوصاً في ظل النظام السابق هم الدولة الأكبر وإستراتيجتها الأهم رغم ما يبذل ويصرف عليه غير شعارات تطلق هنا وهنالك ولا تستتبعها سياسات وقرارات قوية نافذة وداعمة لتفعيل هذا القطاع.
وزارات القطاع الزراعي رغم أهميتها تأتي في ذيل الخيارات عند تشكيل أي وزارة جديدة فيرمى لها بفضل القسمة،فنقول للذين يتبوأون الكراسي في قطاعنا الإقتصادي الآن،إن قوة القتصاد السوداني تأتي من قوة القطاع الزراعي واستغلال موارده المتاحة بصورة كفؤة ورشيدة وكاملة،والقطاع الزراعي هو العمود الفقري الذي ترتكز عليه الدولة في نهضتها وتفوقها،والذي بمعافاته يتعافى الإقتصاد وينصلح حال الدولة.فعلى القائمين على أمر الاقتصاد في بلادنا إجراء جراحات بالغة لهذا القطاع،وإيلائه الأهمية القصوى في سلم أولوياتهم بعد قضايا الدفاع والأمن والسلام،بعيداً عن الشعارات والبرامج الزائفة التي لا تخدم هذا القطاع من قريب أو بعيد.
ونوجه ونقول دائماً على الدولة أن تقوم بتوجيه ميزانيتها إلى تنمية هذا القطاع وإيقاف الصرف على الأجهزة الغير منتجة وتوفير الأطر المؤسسية وأسس الرقابة والمحاسبة على أدائه بعد بذل الإمكانيات كافة في سبيل انفاذ برامجه ومراميه والعمل على الإستقرار الإداري لهذا القطاع ممثلاً في استقرار أجهزة وزاراته المختصة لتضطلع بمهامها الموكلة اليها.
فالقطاع الزراعي النباتي والحيواني والمائي هو القادر وحده على انقاذ اقتصاد البلاد،فالخطط البديلة المرتجاء لمواجهة الوضع الإقتصادي كزيادة المظلة الضريبية والجمارك وتعويم الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات والخبز ومحاولة تنشيط إيرادات المغتربين والاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبيوتات المالية الإقليمية والعالمية لا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تكون تلك الخطط البديلة هي الماعون لتوفير العملات الصعبة وحل لمشكلاتها الإقتصادية.
فالإعتماد على مواردنا الذاتية في ظاهر الأرض وباطنها واستغلالها ضمن خطط علمية مدروسة وخصوصاً في ذلك القطاع وصناعته التحويلية كما يعبر عنه بالقيمة المضافة هو المخرج الحقيقي من عنق الزجاجة.
ونواصل في الحلقة القادمة عن مجالات الاستثمار في القطاع الزراعي النباتي والحيواني والمائي ان شاء الله.