د. عمر محمد سعيد
على هامش مبادرة و خطاب دولة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك
رحم الله رحمة واسعة الدكتور الموسوعي منصور خالد صاحب الكلمة الرصينة و الانيقة و المؤثرة و الصادقة رغم اختلافي معه في اتجاهاته العامه لكن سوف استعير عنوان كتابه الضخم النخبة السودانية و ادمان الفشل. لم استعر عنوان هذا الكتاب الرائع الذي يحكي التاريخ السياسي و الاجتماعي لحقبة تاريخية كان يمكن لها أن تكون ذات تأثير كبير في إحداث نهضة شاملة للوطن و بناء مؤسسات ديمقراطية راسخة بالسودان و قفل الطريق امام أي انقلاب عسكري، فاستعارتي لهذا العنوان لم تكن من فراغ، و انما رددها دولة رئيس الوزراء عبدلله حمدوك في مبادرته عندما ذكر أن بلادنا تشهد أزمة وطنية شاملة منذ الاستقلال و لم يكن لها مشروع وطني تتفق عليه كل القوى السياسية بالحد الأدنى من اليمين و يمين الوسط و اليسار للنهوض بهذا الوطن و ارساء مؤسسات حكم ديمقراطي يتساوى فيه الجميع بالمواطنة. و لكن يبدو ان فيروس عدوى الفشل ينتقل من جيل لجيل من حكومة عبدالله خليل الأولى سنه 1954 الى حكومة دولة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لكن هذه المرة الفشل قد يكون له تداعيات لا قدر الله أقلها التقسيم و الحرب.
رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ينقر ناقوس الخطر بوضوح (الفوضى، الهشاشه الأمنية، التشظي، الانقسام، ترويع المواطنين و سلب الممتلكات) كل ذلك حدث للخلافات الحادة بين مكونات الثورة، قد نختلف في الرؤى و الأسلوب و الوسائل و العقائد و لكن لا نختلف على السودان الواحد الموحد، ولا زلنا نتذوق مرارة فقدنا لجزء عزيز علينا من بلادنا حنظلاً في أفواهنا.
المبادرة التي طرحها السيد رئيس الوزراء قد أحدثت غلياناً أكثر في المرجل مما هو حادث عند رفع الدعم عن المحروقات و تحرير السوق ، و خلقت اصطفافاً من خلال ما كتب في الجرائد السيارة أو في السوشيال ميديا و للأسف الاعلام المضلل لفلول النظام وجدها فرصة لبث سمومه و حقده الدفين على ثورة ديسمبرالمجيدة من خلال هرطقات بعض الكتاب و شماتتهم و نسج الاشاعات المغرضة حتى الاساءة المباشرة للرمز الذي وضعته الثورة في الموقع الأول. يراودهم الحنين لدولتهم التي ذهبت و هم يعلمون تمام العلم أنهم يخدعون أنفسهم و يعرفون بأنهم هم المسؤولون عن تدمير السودان، و ما كان انتماءهم لحكومتهم المسماة اسلامية زوراً و بهتاناً إلا مطية لجمع متاع الدنيا و تحصيل المال و العقار و اللاستمتاع بشهوة السلطة .
بدأ دولة رئيس الوزراء خطابه مستشعراً بالخطر الذي تنسج حباله من الداخل و الخارج، و أنا لا اود الخوض كثيراً فيما قاله لكن في تقديري الخاص هذا الخطاب و هذه المبادرة موجهه الى حاضنته السياسيه بالدرجة الأولى القادرة على توفير الدعم الكامل له ولا سياج له غير القوة الحية في المجتمع و الشارع الذي يمثلها. و يبدو ان الانتلجنسيا التي حوله لم تكن قادرة على رؤية الواقع بشكل صحيح و تشخيصه سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً لغربتها الطويلة في الخارج كما كانت تراه قوى اعلان الحرية و التغيير قائدة ثورة ديسمبر المجيدة و التي تعرف ميكانيزم الشارع عندما يعبر عن نفسه في كل وقفة او تظاهر او مسيرة.
شعب قام بثلاث ثورات اكتوبر 1964، أبريل 1985، و اخر ثوراته اقتلع نظاماً دموياً حديدياً كان يظن البعض بأنه لا يمكن هزيمته و لكن هزمه الشارع و قواه الحية، و الثورات كانت سلمية تحدث عنها العالم بفخر و اعجاب.
سعادة دولة رئيس الوزراء الأزمة عميقة و كما قلت لا تؤثر على السودان فقط و انما تؤثر على السلام و الأمن الدوليين ولا اعتقد بأن العالم يرضى بأن يحدث ذلك في السودان، السودان ذلك المحور الجغرافي السياسي المهم صاحب الموارد الهائلة، استراليا و كندا و السودان مصدر غذاء العالم في العقدين القادمين على أكثر تقدير.
السيد دولة رئيس الوزراء اضع أمامك حلولاً اعتقد يناصرني فيها كل وطني غيور :-
اولاً: أن تواصل مشاوراتك مع قيادة السلطة الانتقالية، السيادية، التنفيذية، القوى السياسية، منظمات المجتمع المدني الحية، و تنسيقات لجان المقاومة.
ثانياً: المحاولة الجادة و الجسورة لترميم التصدع في الحاضنه السياسية (قوى اعلان الحرية و التغيير) و ضرورة رجوع حزب الأمة و الحزب الشيوعي إلى حاضنة الثورة التاريخية الممثلة في قوى اعلان التحرية و التغيير.
ثالثاً: ضرورة اللقاء مع جناحي قوى تجمع المهنيين، هذا الصراع العبثي الذي صورته فلول النظام السابق بأنه أول اختبار ديمقراطي تفشل فيه قوى الثورة و ضرورة توحيد ذلك الجسم المهم لحركة الثورة و سياجها المنيع.
رابعاً: الدعم الكامل للجنة تفكيك نظام الانقاذ و التي تعتبر الشعلة الوحيدة المضيئة في سماء الثورة و التي يرى فيها شباب الثورة بأنها تحقق جزءاً مهماً من مطلوبات ثورتهم و التي من أجلها سالت الدماء الطاهرة الذكية لتعبد الطريق لسودان الديمقراطية و سيادة القانون.
خامساً: ضرورة ردع كل من يحاول بث خطاب العنصرية و الكراهية المتنامي في الفترة الأخيرة، و القانون وحده هو القادر على الوقوف في وجه كل من يحاول التلاعب بالنسيج الاجتماعي لهذا الشعب العظيم.
سادساً: مخاطبة كل قوى الكفاح المسلح أن تعمل جاهده لمحاربة كل التوجهات العنصرية والقبلية و الجهوية والمناطقية لسد الباب على المتربصين لتمزيق هذا الوطن.
سابعاً: و هو الأهم، معاش الناس، على دولة رئيس الوزراء أن يراجع بعقل مفتوح ما دفعت به اللجنة الاقتصادية لقوى اعلان الحريه و التغيير و البرنامج الاسعافي للخروج من أزمتنا الاقتصادية، و قد اكدتم في خطابكم مما جاء في البرنامج الاقتصادي لقوى اعلان الحرية و التغيير الاعتماد على الموارد الذاتية، الثروة الحيوانية و المنتجات الزراعية، و أيلولة الذهب بالدولة، و بعض الشركات الأمنيه لولاية وزارة المالية، و الشروع فوراً في ارجاع شركات القطاع العام (شركة الصمغ العربي، و المؤسسة العامه لللحوم و الماشية، و مؤسسة الاقطان، شركة و الحبوب الزيتية).
نحن نعلم تماماً بعد فك العزلة الدولية و المرتقب من اعفاء جزء من الديون لا مناص من التعامل مع صندوق النقد الدولي و البنكك الدولي، بنك التنمية الافريقي، و بعض البيوتات التمويليه الأخرى ضمن شروطنا لا شروطهم، لأن العالم كله اصبح ضمن منظومة التجارة العالمية صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و بنك التنمية الافريقي و كل البنوك التجارية الاخرى جزء من هذه المنظومة.
السيد رئيس الوزراء كثير من الناس تعرف أن هنالك انجازات قد تمت، منها: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب و محاولة العالم اعفاء جزء من الديون التي على السودان و انهاء العزلة الدولية، لكن قليل من الناس يعرف أين كان يذهب الدعم المقدم من الدولة في ظل النظام السابق ، كان يذهب لجيوب مافيا و عصابات موردي الوقود و القمح، و يعملون اكثر بأن الوقود الذي كان يأتي في ظل النظام السابق من اردء انواع الوقود و كذلك القمح، و لكن تظل الاغلبية من شعبنا السوداني تعاني في المأكل و المشرب و الملبس و التعليم و العلاج و الخدمات. فبرنامج ثمرات لا يحل المشكلة تماماً، المشكلة يكمن حلها في الاعتماد على مواردنا الذاتية و حسن استغلال التمويلات الخارجية و خصوصاً في البنية التحتيه لجذب الاستثمار و خلق فرص للعمل. و نعلم أن الاصلاح الهيكلي للاقتصاد لا يتم بين ليلة و ضحاها و لكن السير في الطريق الصحيح و المكاشفة يقنعان هذا الشعب -الذي لا زال حارساً لثورته و لحكومته- رغم التضليل الاعلامي من فلول النظام السابق.
ثامناً: المجلس التشريعي، ليس هنالك ضرورة لوضع سقف زمني لتكوينه حيث تأخر في الأساس على حسب الوثيقة الدستورية قرابة العام و نصف. الضرورة في الجدية لانشائه و قيامه لأنه هو المراقب و المحاسب و المشرع و الواضع لمؤسسات الانتقال الديمقراطي.
تاسعاً: ضرورة اكمال مستحقات عملية السلام في جوبا، خصوصاً الترتيبات الأمنية و نحن نعلم بأن هنالك دولاً و منظمات راعية و مراقبة قد تعهدت بدفع أموال استحقاقات السلام، جزء منها تملص و جزء منها دفع اليسير فعلينا كحكومة أن نقوم بدفع استحقاقات السلام رغم الضائقة الاقتصادية التي يمر بها السودان لأنها سوف تحل مشاكل كثيرةً. و السلام لا يكتمل إلا بالوصول مع الحركة الشعبية شمال و حركة تحرير السودان عبدالواحد ليكتمل عقد السلام و يصبح سلاماً مستداماً.
عاشراً: لا تستقيم علاقاتنا الخارجية و نصبح دولة يحترمها الاخرون إلا اذا ابتعدنا عن المحاور باستخدام الدبلوماسية الهادئة في حل خلافاتنا مع الدول الأخرى و مراجعة سفاراتنا بالخارج و الاتفاق على السفارات المهمة. و كما معروف في العرف الدوبلوماسي بأن السفير يمكن ان يتابع علاقات دولته مع اكثر من دولة، مع ازالة التمكين في السفارات الخارجية.
اخيراً: السودان في مفترق الطرق اما أن نكون أو لا نكون، فالفشل هذه المرة يعني الكثير و قد ذكرت ذلك في خطابتك و مبادرتك و العالم انت تعلم قبل غيرك لا يقبل الفوضى و الحرب و الاقتتال في السودان،و الفصل السابع ينتظر الاشارة من مجلس الأمن لا قدر الله.
لكنني في نهاية مقالي أقول أن بيننا حكماء، في حزب الأمة حكماء، في حزب البعث الأصل حكماء، بالاتحادي حكماء، بقوى الكفاح المسلح حكماء، بالشيوعي حكماء، بالمنظومة الامنية جميعها حكماء، و بالادارة الاهلية حكماء، و بالطرق الصوفيه حكماء، هؤلاء صمام أمان لوحدة هذا السودان العظيم.
Check Also
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …
cheap priligy Mentrikoski, M
And if NSA did not know about them, and it did not bother to look, they would sit in NSA repositories, unmarked, and unminimized buy priligy paypal omega 3 carboxylic acids, enoxaparin