تواجه السلطات الجزائرية معضلة كبيرة تتمثل في عدم قدرتها على إدارة إنتاج محاصيل القمح وكذلك ضعف البنية التحتية للتخزين حيث يشكل توفرهما معا أحد عوامل تحقيق الأمن الغذائي.وأقر وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبدالحفيظ هني خلال جلسة عامة بالبرلمان أن إحصائيات موسم 2020 و2021 تبين “عجزا في الكميات خاصة وأنه تم تجميع 135 ألف قنطار فقط من مادة الشعير مقابل احتياجات تفوق 8 ملايين قنطار”.ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى هني قوله إن “الكميات المجمعة من الحبوب على مستوى الديوان الوطني المهني للحبوب بلغت 13 مليون قنطار من القمح الليّن والصلب”.
وتعد إنتاجية الهكتار الواحد من الحبوب في الجزائر الأضعف حول العالم بحيث لا تتجاوز العشرة قناطير، بينما في بلد كأستراليا تصل إلى 70 قنطارا في الهكتار الواحد.وزادت موجة الجفاف التي تضرب منطقة شمال أفريقيا منذ عدة سنوات من تعقيد الأزمة التي انضافت إلى سوء إدارة الدولة للقطاع واعتمادها طيلة عقود على ريع النفط.وعجزت الحكومات المتعاقبة عن تحقيق قفزة زراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، فرغم الموازنات الضخمة التي استنزفها القطاع إلا أنه كان رهين البيروقراطية والفساد والسياسات العشوائية.والزراعة بالبلد النفطي من أسوأ القطاعات، حيث يقول تجار ومتعاملون إن الإنتاج تراجع كثيرا مقارنة مع السنوات الأولى للاستقلال، حيث كانت البلاد حينها مرشحة لفرض منافسة شديدة على دول منطقة حوض المتوسط.وأوضح هني أن الوضعية الراهنة أدت إلى المضاربة في إنتاج مادة النخالة، وهي القشرة الخارجية للحبوب، وتوفيرها للمربين، لاسيما وأن 40 في المئة منها فقط توجه مباشرة للقنوات الرسمية فيما توجه 60 في المئة للبيع بطريقة حرة.وعبّر الوزير عن رفضه لهذه الممارسات، حيث أكد على عمل القطاع بالتنسيق مع وزارة الصناعة للتوجه بصفة نهائية إلى بيع النخالة مباشرة للمصانع المنتجة لأغذية الحيوانات فقط ومنع بيعها بطريقة حرة خارج المطاحن.ولكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، إذ أن قدرات التخزين تبدو ضعيفة للغاية. وأكد الوزير أن القطاع يعمل على رفع قدرات تخزين الديوان الوطني المهني للحبوب البالغة حاليا 28 مليون قنطار فقط، من خلال مشروع لإنجاز 30 صومعة للتخزين تم إنجاز 16 منها، في حين شهدت 14 منها تأخرا في الإنجاز.وترفع الحكومة رهانا صعبا يتمثل في ضمان الأمن الغذائي، وحددت في أكتوبر الماضي سقفا زمنيا لتحقيق ذلك لا يتعدى 18 شهرا، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بنجاح خطتها في ظل استمرار ارتفاع التضخم وفقدان السيطرة على أسعار المواد الغذائية.وخلفت زيادة تكاليف الغذاء في جميع أنحاء العالم ضغوطا على الأسعار في الأسواق المحلية، وكان من المنطقي أن يرتفع المؤشر الرئيسي لأسعار المستهلكين إلى حد لا يحتمل بالنسبة إلى عدد كبير من الجزائريين.ولمواجهة التقلبات تبذل الحكومة جهودا مضنية من أجل إرساء أسس زراعية عصرية تتم بالنجاعة والفعالية والتنافسية تؤهلها لضمان الأمن الغذائي المنشود على المدى القصير.وتسببت القفزة التي سجلها التضخم في الجزائر خلال الأعوام العشرة الأخيرة في تراجع محسوس في القدرة الشرائية للسكان بنحو 50 في المئة بحسب تقديرات المختصين وسط ضعف كبير للدينار أمام مختلف العملات والطقس الجاف الذي أثر على المحاصيل.وفرضت قضية ارتفاع الأسعار على السلطات دخول معركة معقدة ضد المضاربين والمحتكرين بعد اضطرابات واسعة في الآونة الأخيرة أدت إلى تصاعد الغضب في الأوساط الشعبية بسبب التركة الثقيلة لفشل الحكومات السابقة في إصلاح الوضع.
وتحاول السلطات مع بداية العام الجديد بشتى الطرق والأساليب كسر هيمنة لوبيات التجارة بعد أن طلب الرئيس عبدالمجيد تبون من الحكومة في أكتوبر الماضي ضرورة سن تشريعات صارمة ضد من أسماهم بـ”المضاربين”.وفي أواخر الشهر الماضي أصدرت الجزائر قانونا يتعلق بمكافحة المضاربة غير المشروعة وتحديد مفهومها وآليات مكافحتها.وخلال اجتماع تنسيقي في وقت سابق هذا الأسبوع لمتابعة تموين الأسواق أمر وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق مدراء التجارة في كامل محافظات البلاد بمضاعفة جهودهم لوضع حد للمضاربة واحتكار السلع لاسيما من خلال تشديد الرقابة الميدانية.وتسببت موجة ارتفاع قوية للأسعار نتيجة تدهور سعر صرف العملة المحلية في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد الذي بلغ العام الماضي نحو 6.5 في المئة.وصنف صندوق النقد الدولي الجزائر في المرتبة الرابعة ضمن الدول العربية الأكثر ارتفاعا في أسعار الاستهلاك إلى جانب كل من السودان بتضخم يتجاوز 360 في المئة واليمن بنحو 40 في المئة وليبيا بنحو 21.1 في المئة.ورغم أن بعض الخبراء يرون أن السلطات قد تحتاج إلى وقت طويل حتى تعدل بوصلة السوق المحلية من خلال ضبط الأسعار في الوقت الذي كافح فيه البلد النفطي لتعديل أوتار الاقتصاد، إلا أن الأوساط التجارية الجزائرية ترى أنها خطوة أولى لحل أزمة الأسعار.