محمد سليمان الشاذلي
2-
لهثت عقارب الساعة، في هذا الأحد، فنبعت ثم علت من آبار الصمت أصداء صوته تسألني بغتة “لكن قل لي! ما هو هذا الشيء الذي اسمه السودان؟”.
“…”.
سكت طويلا، احتشد الأحد بالقلق، ثم عبر خطوط البي تي، عاد صوته فانطلق حزينا كسيرا يعلن أن السودان ليس إلا وهما كبيرا، يعلن أنه لم يعد هناك من رقعة اسمها الوطن، يعبر كتيما حسيرا عن المعاناة الحياتية لفقراء السودان، يعبر عن المنبوذين من أبناء الأصقاع القصية، أبناء الأحياء الشعبية في المدن التي لم تعد مدنا.
سألني مجددا “ما هو هذا الشيء الذي اسمه السودان؟”
“…”.
عاد فأجاب “إنه الحب والحقد والفقد والخيبة والهجرة المسكونة برذاذ النيل الأزرق، المسكونة بسكون النيل الأبيض، المسكونة بخشخشة الشباك المخبأة في مراكب الصيادين، إنه الألم المغطّى بهموم أولئك الذين اكتشفوا أخيرا أنهم يعيشون في العراء مسلوبين من يقين كان اسمه الوطن”. سكت. سعل طويلا ثم أردف “لقد أضاع السودانيون السودان”، غمغم ثم سكت مجددا. سمعت صوت القداحة وهي تقدح، لا بد أنه يشعل الآن سيجارته المفضلة: سيلكت. ساد الصمت لوهلة عنَّت لي وكأنها دهر. ثم علا صوته وعقارب الساعة تأز ثم تطن طنينا “قلت لك من قبل إن السودانين لا يحبون السودان”.
“…”.
“لقد كف السودانيون عن حب السودان”.
“…”.
“هل تسمعني؟ “.
“نعم”.
“لم يعد هناك من وطن. أوَ ليس كذلك؟”.
“…”.
“لمَ لا تجبني؟”، ساعتئذٍ لمعت نبرة صوته في خط الهاتف، في أمتار المسافات، لمعت نبرة سؤاله مثل ماسة محمرة من أثر الدم، بل أشبهت ريحا عاصفا يضرب في الفؤاد! حيث الطمأنينة بالكاد تستقر. حيث الجواب يظل عسيرا. ارتعشت عقارب الساعة. عاد الصمت ليملأ يوم الأحد. وفي الصمت، لم تنفذ الكلمات إلى قلبي فقط! بل نفذت إلى الأحشاء! نفذت نفاذ الرصاص إذ أردف “لم يفلح السودانيون في أن يصيروا إلى أمة واحدة. ما نحن إلا قبائل، شيع، فخوذ وبطون، سحن كثيرة وأهواء شتى، نحن في يومنا هذا، تماما، كيوم غزانا محمد علي باشا “.
عاد الصمت. وساد.
Check Also
«اليوم العالمي للسكري»: جهود مملكة البحرين للارتقاء بجودة الحياة للمتعايشين مع السكري
كشفت البروفيسور دلال الرميحي استشاري الغدد الصماء والسكري بمستشفى العوالي أستاذ مشارك للطب الباطني في …