أخبار عاجلة
شعار ايكوسودان.نت

التيارالصناعات الإبداعية ام الشرطة المجتمعية ؟

مصعب الريح رشاش Rushash72@gmail.com

خلال.الايام الماضية تصدر قرار إعادة نشاط.الشرطة المجتمعية قائمة الاخبار الأكثر تداولا بالبلاد . و قد صدر القرار على خلفية انتشار عدد من الظواهر المجتمعية السالبة و.الأنشطة المخلة بالنظام العام و الأمن المجتمعي . غير أن استخدام أسلوب المكافحة المادية و يد السلطة الباطشة في علاج المشكلات و الظواهر السلوكية غير الحميدة هو مجرد حل آمني ينم عن قصر نظر رسمي مزمن ظللنا نعانيه لعقود طويلة . و هذا الأسلوب عادة ما تنتهجه الدول التي تسيطر فيها العقلية العسكرية و.ثقافة المجتمع التقليدي المحافظ على مطبخ القرار الوطني . فمثل هذه الحلول غالبا ما تكافح الأعراض بينما يظل المرض آمنا كامنا في باطن الجسد . فرحلة علاج الأمراض المجتمعية تبدأ بدراسة جذور العلة و معرفة أسباب المرض قبل كتابة الوصفة العلاجية . إن أسباب الأزمة فيما أرى تتلخص في محورين . المحور.الأول يمثله الوضع الاقتصادي المتردي . ففي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية و تفشي البطالة و.اشتداد الفقر تصبح الأنشطة الهدامة و الظواهر الإجتماعية.المخالفة للقانون الرسمي و الأخلاقي ، وسائل لكسب العيش لبعض فئات المجتمع الهشة رقيقة الحال .فعندما تصبح حياة الكائن البشري على المحك يلجأ إلى استخدام أية وسيلة متاحة من أجل حفظ حياته و.تجنب الموت . فالبقاء من الوجهة البيولوجية يمثل أولوية قصوى لكل كائن حي . علاوة ذلك فإن المجتمعات الفقيرة تمثل بيئة مثالية لتجار المخدرات و الممنوعات الذين عادة يستثمرون جو الإحباط و مناخ اليأس و البطالة.و التسكع و الخمول و.غياب الضمانات و ضعف شبكات الضمان الاجتماعي لصالح تجارتهم القاتلة و مضاعفة أرباحهم . أما المحور الثاني لأسباب الأزمة فهو المحور الثقافي كما سنبين فيما يلي من سطور : اسال نفسك عزيزي القارئ ، أين يقضي الناس أوقات فراغهم في مدينة مثل العاصمة القومية ؟ ماذا يفعل الشباب تحديدا في غير أوقات العمل و التحصيل العلمي ؟ بالطبع لا مكان للفراغ في الطبيعة .فإذا لم تصمم الأمة برامج جادة و صحية يمضي فيها.المواطنون أوقات فراغهم فإن الفراغ يصبح صيدا سهل الوقوع في شباك. ( الفارغة و المقدودة ) . و لذلك عادة ما تلجأ المجتمعات ذات التخطيط الاجتماعي المتين إلى تشجيع ما بات يعرف بصناعة الترفيه . و.صناعة الترفيه صارت من الصناعات الحديثة.ذات العائد الاقتصادي الكبير . و هي تهدف إلى تغيير صور المجتمعات و تحويلها إلى مجتمعات تستقطب. الأجانب ، ما يرفع قدر الدولة و أهميتها و مكانتها الدولية بالطبع و الترويج لمنتجاتها الاقتصادية و الثقافية و تزيد من ترحيب المواطنين بوطنهم و تفضيلهم فكرة.الاستقرار بداخله و تحد من الهجرة و النزوح . و صناعة الترفيه تشمل السينما الأوبرا ، الرياضة ، المسرح ، الألعاب ، الحفلات الموسيقية و الغنائية .و قد بلغت مساهمة صناعة الترفيه في الاقتصاد العالمي 1.8 تريليون دولار. و متوقع ان تصل قريبا إلى 2.2 تريليون دولار . و هي توظف مئات الملايين من الناس و تؤمن عيش ملايين الأسر بالطبع فتأمل !!! . و إلى جانب عائدها الاقتصادي الهائل فإن صناعة الترفيه تساهم في رفع مستوى جودة الحياة و صنع فرص عمل متزايدة . و بالتالي بات مصطلح صناعة الترفيه يطابق مصطلح صناعة المستقبل . و جاء في دراسة حديثة نشرتها مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية بعنوان ( اتجاهات المجتمع السعودي .نحو أهمية الترفيه و علاقته بالتماسك الاجتماعي ) ان ممارسة الترفيه تساهم فى استقرار المجتمع من خلال توجيه الشباب نحو أنشطة تفرغ طاقتهم السلبية بطرق مدروسة من أجل أمن و وحدة المجتمع . كما يساعد الترفيه على بناء أفراد ذوي روح عالية و متعاونين . و الترفيه يزيد معدل إنتاج الفرد في العمل و يدعم روح الانتماء و التواصل و التماسك الاجتماعي . و يساعد الترفيه على تقليل فرص انتشار.الأفكار المتطرفة و تقليص عدد الأفراد العدوانيين و الناقمين على المجتمع . و بحسب منظمة اليونسكو فإن الصناعات الثقافية و الإبداعية غدت من اسرع الصناعات نموا في العالم . و قد ثبت أنها خيار انمائي مستدام . و ذلك لانها تعتمد على مورد فريد و متجدد هو الإبداع البشري . و يقصد.بالإبداع البشري قدرة.الإنسان على وضع حلول و أفكار جديدة مبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار . هل تصدق عزيزي الشاب ان السودانيين كانوا قبل خمسين عاما يرتادون السينما ، الكازينوهات ، مدن الملاهي ، الأندية الثقافية و الاجتماعية، المكتبات العامة ، المنتديات الأدبية ، و.المسرح في كل مدن السودان تقريبا ؟ هل تصدق أن الأسر كانت تدخل السينما بشكل جماعي لحضور افلام مأخوذة عن الروايات الادبية الخالدة مثل البؤساء ، الحرب و السلام ، موبي ديك ، اوليفر تويست ، الجذور و الأفلام التاريخية العظيمة مثل الرسالة و عمر المختار ؟ الآن لا فضل لمدننا على قرانا إلا بالتقوى . و لا فرق بين حضرنا و باديتنا إلا بالخضرة و الماء و النسيم العليل و الوجه الطيب . فنحن نعيش اليوم ردة إبداعية و غربة ثقافية مزمنة في عالم بات يطوع الملكات الإنسانية المتفردة و وقت الفراغ و يحولهما إلى مورد اقتصادي غني و منتج ثقافي نفيس . فوزارة الثقافة و الإعلام السعودية قدرت مساهمة قطاع السينما في الناتج المحلي باكثر من 90 مليار ريال . و.سيوفر القطاع 30 ألف وظيفة دائمة و 130 ألف وظيفة مؤقتة قبل حلول عام 2030 . أما في مصر فقد كشف المركز.المصري للدراسات الاقتصادية أن إيرادات صناعة السينما بلغت العام الماضي 72 مليون دولار في مقابل 42.5 مليار دولار في الولايات المتحدة و 2.4 مليار دولار في الهند . الآن يكاد الجفاف الابداعي يقتلنا . و نكاد نموت من شدة العطش الترفيهي الإيجابي . و في ظل بؤس الصناعات الإبداعية يعيش.المبدعون في سودان الخير و الطيبة هذا ظروفا مهنية و إقتصادية مؤلمة . يحدث هذا في وقت يحتل فيه المبدعون المصريون مواقع متقدمة في قوائم الأثرياء و ميسوري الحال . بل تمثل تبرعات و مساهمات الفنانيين المصريين المادية عماد عدد كبير من المشروعات الإجتماعية التكافلية و الإنسانية مثل مستشفى سرطان الأطفال . و كثيرا ما نسمع عن ممثل وهب كل ثروته لأعمال الخير و البر . فالصناعة الإبداعية و الثقافية عادة ما تضع روادها في مصاف فئات المجتمع الأكثر تأثرا بآلام الناس و أوجاع المجتمع و الأكثر إدراكا للحقيقة الإنسانية العارية . الصناعات الإبداعية من المهن الإنسانية التي تهذب النفوس . تعمر الوجدان ترقق القلوب كما نرى في الأعمال الأدبية الإنسانية الخالدة . التحدي الذي يهددنا الآن في كل شؤون حياتنا العامة يتمثل فى البحث عن حلول إبداعية للمشكلات الاجتماعية . و وضع حلول تخضع لدراسات علمية رصينة و عصف ذهني عميق . فتكثيف الحلول الأمنية و القمعية لا يعني غير تبديد الطاقة و الوقت و المال مقابل حقن المزيد من التوتر و الإحباط و اليأس و إشاعة مناخ ينذر بالانفجار في كل لحظة .

عن المحرر العام

موقع ايكوسودان نت موسسة السموءل حسن بشري بدوي موقع لخدمة الإعلام التنموي والاقتصاد الرقمي

شاهد أيضاً

يوفر مليارات الدولارات.. قمح خارق يُحدث ثورة في الزراعة العالمية

رضا أبوالعينين البيان طور علماء من جامعة كاليفورنيا في ديفيس نوعا جديدا من القمح قادرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البيئة بيتنا