الجمعة , مايو 17 2024
أخبار عاجلة
شعار ايكوسودان.نت

التيارالصناعات الإبداعية ام الشرطة المجتمعية ؟

مصعب الريح رشاش Rushash72@gmail.com

خلال.الايام الماضية تصدر قرار إعادة نشاط.الشرطة المجتمعية قائمة الاخبار الأكثر تداولا بالبلاد . و قد صدر القرار على خلفية انتشار عدد من الظواهر المجتمعية السالبة و.الأنشطة المخلة بالنظام العام و الأمن المجتمعي . غير أن استخدام أسلوب المكافحة المادية و يد السلطة الباطشة في علاج المشكلات و الظواهر السلوكية غير الحميدة هو مجرد حل آمني ينم عن قصر نظر رسمي مزمن ظللنا نعانيه لعقود طويلة . و هذا الأسلوب عادة ما تنتهجه الدول التي تسيطر فيها العقلية العسكرية و.ثقافة المجتمع التقليدي المحافظ على مطبخ القرار الوطني . فمثل هذه الحلول غالبا ما تكافح الأعراض بينما يظل المرض آمنا كامنا في باطن الجسد . فرحلة علاج الأمراض المجتمعية تبدأ بدراسة جذور العلة و معرفة أسباب المرض قبل كتابة الوصفة العلاجية . إن أسباب الأزمة فيما أرى تتلخص في محورين . المحور.الأول يمثله الوضع الاقتصادي المتردي . ففي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية و تفشي البطالة و.اشتداد الفقر تصبح الأنشطة الهدامة و الظواهر الإجتماعية.المخالفة للقانون الرسمي و الأخلاقي ، وسائل لكسب العيش لبعض فئات المجتمع الهشة رقيقة الحال .فعندما تصبح حياة الكائن البشري على المحك يلجأ إلى استخدام أية وسيلة متاحة من أجل حفظ حياته و.تجنب الموت . فالبقاء من الوجهة البيولوجية يمثل أولوية قصوى لكل كائن حي . علاوة ذلك فإن المجتمعات الفقيرة تمثل بيئة مثالية لتجار المخدرات و الممنوعات الذين عادة يستثمرون جو الإحباط و مناخ اليأس و البطالة.و التسكع و الخمول و.غياب الضمانات و ضعف شبكات الضمان الاجتماعي لصالح تجارتهم القاتلة و مضاعفة أرباحهم . أما المحور الثاني لأسباب الأزمة فهو المحور الثقافي كما سنبين فيما يلي من سطور : اسال نفسك عزيزي القارئ ، أين يقضي الناس أوقات فراغهم في مدينة مثل العاصمة القومية ؟ ماذا يفعل الشباب تحديدا في غير أوقات العمل و التحصيل العلمي ؟ بالطبع لا مكان للفراغ في الطبيعة .فإذا لم تصمم الأمة برامج جادة و صحية يمضي فيها.المواطنون أوقات فراغهم فإن الفراغ يصبح صيدا سهل الوقوع في شباك. ( الفارغة و المقدودة ) . و لذلك عادة ما تلجأ المجتمعات ذات التخطيط الاجتماعي المتين إلى تشجيع ما بات يعرف بصناعة الترفيه . و.صناعة الترفيه صارت من الصناعات الحديثة.ذات العائد الاقتصادي الكبير . و هي تهدف إلى تغيير صور المجتمعات و تحويلها إلى مجتمعات تستقطب. الأجانب ، ما يرفع قدر الدولة و أهميتها و مكانتها الدولية بالطبع و الترويج لمنتجاتها الاقتصادية و الثقافية و تزيد من ترحيب المواطنين بوطنهم و تفضيلهم فكرة.الاستقرار بداخله و تحد من الهجرة و النزوح . و صناعة الترفيه تشمل السينما الأوبرا ، الرياضة ، المسرح ، الألعاب ، الحفلات الموسيقية و الغنائية .و قد بلغت مساهمة صناعة الترفيه في الاقتصاد العالمي 1.8 تريليون دولار. و متوقع ان تصل قريبا إلى 2.2 تريليون دولار . و هي توظف مئات الملايين من الناس و تؤمن عيش ملايين الأسر بالطبع فتأمل !!! . و إلى جانب عائدها الاقتصادي الهائل فإن صناعة الترفيه تساهم في رفع مستوى جودة الحياة و صنع فرص عمل متزايدة . و بالتالي بات مصطلح صناعة الترفيه يطابق مصطلح صناعة المستقبل . و جاء في دراسة حديثة نشرتها مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية بعنوان ( اتجاهات المجتمع السعودي .نحو أهمية الترفيه و علاقته بالتماسك الاجتماعي ) ان ممارسة الترفيه تساهم فى استقرار المجتمع من خلال توجيه الشباب نحو أنشطة تفرغ طاقتهم السلبية بطرق مدروسة من أجل أمن و وحدة المجتمع . كما يساعد الترفيه على بناء أفراد ذوي روح عالية و متعاونين . و الترفيه يزيد معدل إنتاج الفرد في العمل و يدعم روح الانتماء و التواصل و التماسك الاجتماعي . و يساعد الترفيه على تقليل فرص انتشار.الأفكار المتطرفة و تقليص عدد الأفراد العدوانيين و الناقمين على المجتمع . و بحسب منظمة اليونسكو فإن الصناعات الثقافية و الإبداعية غدت من اسرع الصناعات نموا في العالم . و قد ثبت أنها خيار انمائي مستدام . و ذلك لانها تعتمد على مورد فريد و متجدد هو الإبداع البشري . و يقصد.بالإبداع البشري قدرة.الإنسان على وضع حلول و أفكار جديدة مبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار . هل تصدق عزيزي الشاب ان السودانيين كانوا قبل خمسين عاما يرتادون السينما ، الكازينوهات ، مدن الملاهي ، الأندية الثقافية و الاجتماعية، المكتبات العامة ، المنتديات الأدبية ، و.المسرح في كل مدن السودان تقريبا ؟ هل تصدق أن الأسر كانت تدخل السينما بشكل جماعي لحضور افلام مأخوذة عن الروايات الادبية الخالدة مثل البؤساء ، الحرب و السلام ، موبي ديك ، اوليفر تويست ، الجذور و الأفلام التاريخية العظيمة مثل الرسالة و عمر المختار ؟ الآن لا فضل لمدننا على قرانا إلا بالتقوى . و لا فرق بين حضرنا و باديتنا إلا بالخضرة و الماء و النسيم العليل و الوجه الطيب . فنحن نعيش اليوم ردة إبداعية و غربة ثقافية مزمنة في عالم بات يطوع الملكات الإنسانية المتفردة و وقت الفراغ و يحولهما إلى مورد اقتصادي غني و منتج ثقافي نفيس . فوزارة الثقافة و الإعلام السعودية قدرت مساهمة قطاع السينما في الناتج المحلي باكثر من 90 مليار ريال . و.سيوفر القطاع 30 ألف وظيفة دائمة و 130 ألف وظيفة مؤقتة قبل حلول عام 2030 . أما في مصر فقد كشف المركز.المصري للدراسات الاقتصادية أن إيرادات صناعة السينما بلغت العام الماضي 72 مليون دولار في مقابل 42.5 مليار دولار في الولايات المتحدة و 2.4 مليار دولار في الهند . الآن يكاد الجفاف الابداعي يقتلنا . و نكاد نموت من شدة العطش الترفيهي الإيجابي . و في ظل بؤس الصناعات الإبداعية يعيش.المبدعون في سودان الخير و الطيبة هذا ظروفا مهنية و إقتصادية مؤلمة . يحدث هذا في وقت يحتل فيه المبدعون المصريون مواقع متقدمة في قوائم الأثرياء و ميسوري الحال . بل تمثل تبرعات و مساهمات الفنانيين المصريين المادية عماد عدد كبير من المشروعات الإجتماعية التكافلية و الإنسانية مثل مستشفى سرطان الأطفال . و كثيرا ما نسمع عن ممثل وهب كل ثروته لأعمال الخير و البر . فالصناعة الإبداعية و الثقافية عادة ما تضع روادها في مصاف فئات المجتمع الأكثر تأثرا بآلام الناس و أوجاع المجتمع و الأكثر إدراكا للحقيقة الإنسانية العارية . الصناعات الإبداعية من المهن الإنسانية التي تهذب النفوس . تعمر الوجدان ترقق القلوب كما نرى في الأعمال الأدبية الإنسانية الخالدة . التحدي الذي يهددنا الآن في كل شؤون حياتنا العامة يتمثل فى البحث عن حلول إبداعية للمشكلات الاجتماعية . و وضع حلول تخضع لدراسات علمية رصينة و عصف ذهني عميق . فتكثيف الحلول الأمنية و القمعية لا يعني غير تبديد الطاقة و الوقت و المال مقابل حقن المزيد من التوتر و الإحباط و اليأس و إشاعة مناخ ينذر بالانفجار في كل لحظة .

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

الطيور المهاجرة.. بالدولار

بقلم/ منى مصطفى مجهودات مقدرة من شرطة الحماية البرية يقوم بها سعادة اللواء شرطة عصام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا