كتب د محمد عبدالله الريح
ابوزبد المدينة التي ولدت فيها ، ذات وضع فريد . أهلها يشيرون لها بكثير من الفخر والاعتزاز وهم يصفونها ( ابوزبد المرين .. خريف بقارة وصيف أم سعين ) . في الخريف يأتي البقارة بأبقارهم فارين من بعوض جنوب كردفان من لقاوة ودميك وكيلك متخذين من رحابة قوز ابوزبد واتساع مراعيه ووفرة مياهه في تردته أو ترعته الشهيرة مرتعا لهم وفي رحابة أهله وكرم استقبالهم حيث يجد الجميع منافع لهم وهم لا يخشون الا هجوم المرافعين والسمع على دوابهم .
في الصيف تأتي مجموعات من قبائل الحمر والشنابلة إلى ابوزبد بعد أن يجلوا عنها البقارة عائدين الى مناطقهم في جنوب كردفان . تأتي قبائل دار الريح لتقضي فترة الصيف بالقرب من ( تردة) ابوزبد حيث الماء متوفر والمرعى خصب ورحابة صدر أهل أبوزبد وحسن ضيافتهم .
هذا الوضع الفريد أعطى أبوزبد مكانة مميزة إداريا في زمن الادارة البريطانية فكان فيها المركز حتى عشرينيات القرن الماضي. ولكن المركز انتقل الي مدينة النهود وأصبحت أبوزبد تابعة اداريا لريفي حمر .
ولكن الانجليز الذين أتقنوا فنون الادارة في السودان
جعلوا في الوحدة الادارية مكتبا للمسيرية يدير أمورهم ويستقبل ضرائبهم وعشورهم وكان الضباط الاداريون الذين يتبعون للمسيرية في طوافهم على المنطقة يديرون أمور المسيربة من ذلك المكتب الذي كان فيه صرافا دائما هو المرحوم الحاج سعيد محمد احمد والد الدبلوماسي يوسف سعيد متعه الله بالصحة والعافية .
المسيرية كانت لهم محكمة أهلية يديرها الناظر عزالدين حميدة ناظر المسيرية الزرق . وأذكر اليوم الذي تم فيه تنصيب الناظر عزالدين رحمه الله بحضور المفتش الانجليزي الذي وافق على اختيار العمد والمشائخ للناظر عز الدين والد المرحوم الحريكة عزالدين في زمن لم يعرف الناس فيه معنى الديموقراطية. وتتبع نظارة المسيرية الزرق للناظر المرحوم بابو نمر علي الجلة في المجلد.
ابوزبد وبما أنها كانت تتبع لمركز النهود كانت لها محكمة أهلية تتابع على رئاستها الناظر ابراهيم ناصر محمد الشيخ والشرتاي حسن احمد عديل رحمهما الله وتقع تحت نظارة عموم حمر برئاسة الناظر المرحوم منعم منصور محمد الشيخ . وظل هذا الوضع قائما الى إلغاء الادارة الاهلية.
ابوزبد تعد مدينه تنصهر فيها عدد كبير من الاثنيات كبوتقة انصهار Melting Pot . فهناك المقيمون فيها من اهل المنطقة من جوامعة وبديرية و نوبة وغيرهم وهناك الوافدون من الشمال لأغراض التجارة . فمن ارض الجموعية السروراب والدي عبدالله الريح ومحمد الخليفة الحسن ابوعركي ومحمد الامين أنس ومن الجعليين بالمتمة احمد مختار ومحمد ابراهيم هدية وبابكر سعد وذويهم ومن الجعليين شندي آل الظاهر الأسطى وآل ابو ورقةومن شعديناب الرصيرص آل العمدة العوض ومن الحضور الطريفي الفضل وخبير احمد خبير وأصهارهم ومن الجوابرة آل عبدالرحمن شيبون ومن الدناقلة حسين السيد وحسن السيد وذويهم ومن أم جر الجعافرة حامد وصالح موسى ومن الشايقية عمر وبشير الشايقي ومن الجبلاب الامام احمد وذويه وآل عوض كوراك ومن المحس نصر قاسم وابوزيد البربري ومن مصر من كوم امبو وامبابة آل عبدالمجيد سرور ومن الجزيرة من المسلمية عبدالرحمن البقاري وآل سنهوري ومن اليمن صاحب القهوة والمطعم العم قايد اليماني . ولربما نسيت الكثيرين لأننا لم نكن نأبه لجنسيات الآخرين لأن الجميع تصاهروا وصاروا كينونة واحدة . ولعله من الوضع المعقد أن أذكر هنا أننا كنا نزور قرية في شرق ابوزبد نصفها كان يقع في ادارة المسيرية والنصف الآخر كان يقع في ادارة حمر وقد اطلقت عليها برلين الكردفانية . فكان نصفها يسدد معاملته في الجانب الذي ينتمي إليه بينما يسدد الآخر معاملاته في الجانب الثاني .
ابوزبد كانت تمثل لنا قمة التسامح والتعايش وطيلة هذا الوقت الطويل لم يحدث أي احتكاك بين المسيرية والحمر وكانت أحيانا تحدث بعض المناوشات بين بطون قبيلة المسيرية كالغزاية وأولاد هيبان لكنها كانت تحل محليا . ولكن بين المسيرية وحمر وفي ابوزبد هذا لم يحدث أبدا إلا هذه المرة .
غير أني لم أندهش عندما حدث لأن دعوات الاستقطاب العشائري والنكوص نحو القبلية الذي ظل خامدا أيقظ تلك النزعات الكريهة المسمومة . وانتظم السودان كله نداء قبيح خطير يدفع بالناس في ظل غياب الدولة والقانون الى أن ينشدوا السلامة داخل قبائلهم وإثنياتهم .
وبالنسبة لي ومثل غيري من أبناء السودان الذين كنا ننعم بالإخاء والمساواة والايمان بشعب واحد وتصاهرنا مع جميع القبائل لم يخطر ببالنا أن نقف في منطقة رمادية .
أختى الكبرى نفيسة تزوجها المرحوم الشيخ ابراهيم ناصر محمد الشيخ إبن عم منعم منصور محمد الشيخ زعيم قبيلة الحمر رحمه الله وله منها ذرية صالحة وبنت خالي فائزة هي زوجة المرحوم حسن عزالدين حميدة أخ المرحوم الناظر الحريكة عزالدين حميدة زعيم المسيرية وله منها ذرية صالحة .. فمع من أقف ؟ مع الحمر آباء ذرية أختي وأنا في مقام خالهم ؟ أم مع المسيرية آباء ذرية أختي بنت خالي وأنا في مقام خالهم كذلك؟ والخال والد .. ألا يقولون ذلك؟ الإنشطار الذي تحمله الأمة السودانية أحمله في داخلي حزنا وأسى وقلة حيلة ولم أكن اتوقع أن يضعنا اطفال السياسة على مزجر الكلب ونحن نلعق جراحا لن يكتب لنا مصالحة سكينها .
بلادنا تنزف .. وأنا انزف والرمال عطشى للمزيد من الدماء وتقول هل من مزيد.
الوسومأبوزبد المرين برلين كردفان حساس
شاهد أيضاً
كلمة معهد جنيف لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للطفل.
في العام 1954 أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء بتخصيص يوم عالمي للأطفال …