الأحد , أبريل 28 2024
أخبار عاجلة
تنظيم قطر لكأس العالم ٢٠٢٢م الأدهاش بعينه
تنظيم قطر لكأس العالم ٢٠٢٢م الأدهاش بعينه

مشروع الدستور الإنتقالي- وإجندة الإفشال

بقلم : د. كمال محمد الأمين عبد السلام

(أن الكلمات الكاذبه ليست شرا في حد ذاتها ، ولكنها تصيب الروح بالشر)
سقراط

يسود الإعتقاد ، سيما في دول نظام التقنين المدني، بأن المحامي الكفء يمكنه صياغة مشروعات القوانين دون صعوبة ، فإن هذا الإعتقاد في دول نظام القانون العام. Common law هو أن الصياغة القانونية فن متخصص له أصولة وقواعدة وأسلوبه ، ولايستطيع مزاولته سوي من شخص متخصص . بالرغم من ذلك نجد أن في بريطانيا العظمي ، يقوم بهذه المهمة جهاز مستقل مكون معظمه من المحاميين يسمي ( مكتب الصائغين البرلمانيين ) Parliamentary counsel office أما في الولايات المتحدة رغم أنه لايمكن عرض مشروع القانون علي الهيئة التشريعية لإقراره إلا بواسطة أحد أعضائها، لكن من الناحية النظرية يمكن أن يكون صاحب فكرة المشروع أحد أعضاء البرلمان ، أو مواطنا عاديا أو جماعة عادية ؛ مثل إحدي النقابات ، أو جماعات الضغط ؛ أو مجموعات بحثية عامة مثل احدي اللجان التشريعية أو الحكومية أو مسؤولا حكوميا فإنه نادرا مايكون ذلك العضو هو الشخص الذي يقوم بصياغة مشروع القانون . وتكون تلك الجهات هي التي تولت فكرة مشروع القانون Bill proponentولكن لايمكن عرض المشروع علي الكونجرس. إلا بواسطة عضو برلماني ،
ما من شك في أن الصياغة فن متخصص يحتاج الي خبره خاصة بل أن الصياغة القانونية علم له أصوله وأسلوبه ومعاييره أو ينبغي أن يكون كذلك حتي يسهل المهمة للهيئة التي تضع الدستور . حاول أحد الزملاء الذين إنتقدوا قيام نقابة المحاميين ممثلة في اللجنة التسييرية بوضع مسودة الدستور وطرحها علي الرأي العام بأن يكرر ذلك في أكثر من مناسبة أنه ليس من مهام النقابة فعل ذلك وهي ليست الجهة التي تضع الدستور- هذا الكلام من الناحية النظرية يبدو للقاري صحيح ولكن قصد الزميل المحترم بذلك التضليل والتغبيش لخدمة أجندة الإنقلاب لأن الجهة التي تصيغ المشروع كما أسلفت ممكن أن تكون لجنة أو فرد عادي مثل اللجنة الفنية لأصدار دستور 1998م برئاسة دفع الله الرضي أو لجنة التطور الدستوري لسنة 1961 برئاسة أبورنات أو لجنة خلف الله الرشيد وغيرها . وهذا الزميل يعلم أن هذه المسودة في نهاية المطاف ستذهب الي الجهة التي تضع الدستور وهي بلاشك إما جمعية تأسيسية أو نحوها.
تابعت معظم الذين هاجموا هذه المسودة المطروحة الآن للجمهور لم أجد من وجه نقدا واضحا للنواحي الموضوعية التي حوتها المسودة التي تناولت بالفعل كل أساسيات الدساتير فعلي سبيل المثال لا الحصر يقول اللورد دينج رئيس القضاء الأسبق في بريطانيا والقاضي الإنجليزي الأشهر في التاريخ : ( أن أعظم وثيقة دستورية في كل العصور وهي وثيقة الحقوق Bill of Right لأنها تشكل الأساس لحرية الأفراد ضد السلطات الإستبدادية ) .
يقول روسكو باوند في كتابة ضمانات الحرية في الدستور الأمريكي علي صفحة (117) أن فكرة كتابة الدساتير ليست غريبه علي رجال القانون ، فقد إعتادوا عليها عن طريق المواثيق التي درسوها في كتب القانون وعن طريق النظم التي كانت تحدد وسائل الحكم في المستعمرات ، وقد تضمنت ستة من دساتير الصادرة قبل عام 1787م وثائق الحقوق كاملة وكان أولها دستور فرجينيا ، وعندما عدل الدستور الإتحادي في العام 1791م تم الحاق وثيقة الحقوق به وأصبحت نهج كل دساتير الولايات المتحدة الأمريكية – ترجع هذه المواثيق الي مقالات الإشراف والميثاق الكبير وملتمس الحقوق ووثيقة الحقوق الإنجليزية الصادرة في العام 1688م كما تعود الي إعلان الحقوق الصادر عن الكونجرس الأمريكي للعام 1774م.
قامت لجنة الصياغة بوضع وثيقة الحقوق في المقدمة وإعتبرت أن حقوق الإنسان جزء لايتجزأ من الكرامة الإنسانية المتأصلة في البشر كافة وتعتبر الحقوق والحريات في هذه الوثيقة ركنا أساسيا لهذا الدستور وتشكل حجر الأساس لتحقيق العدالة وأن التشريعات لايمكن أن تصادر هذه الحقوق بأي حال من الأحوال وإنما تنظمها في إطار مجتمع ديمقراطي . وأضافت حقوق جديدة لم تكن موجوده في كل الدساتير السابقة كحق الوصول للإنترنت .
مسودة الدستور المقترح جاءت مختصرة وذات قيمة لأن العبرة بالكيف وليس بالكم فهنالك دساتير من حولنا تتكون من مئات المواد وليس لها قيمة في الحياة العملية كالدستور النيجيري الذي يتكون من 320 مادة وملحق به سبع جداول – أما في الولايات المتحدة الأمريكية التي تميز وتفرق كحالنا في السودان بين الجهة التي تقدم المقترح وطريق إجازة الدستور فمثلا في الولايات المتحدة تشكلت لجنة سميت بالجمعية الدستورية الأمريكية لوضع الدستور الأمريكي في 5 مايو 1787م وإنتهت من مهتمها في 1789م وكان ذلك بموجب إتفاقية سميت ( Convention Philadelphia) وبعد توقيع كافة أعضاء الجمعية عليه تم إرسال مسودة الدستورالي تسعة ولايات للتوقيع عليه وهو يتكون من 7 مواد فقط لأن هذا الذي يمثل الحد الأدني المطلوب لتصبح معه وثيقة الدستور نافذه.
دون الخوض في الحديث عن لجنة ابورنات رئيس القضاء الأسبق التي تم تشكيلها بعد مرور عام من إنقلاب 17 نوفمبر 1959م برئاسة الفريق عبود والتي أسماها لجنة ذات إختصاصات محدودة مهمتها وضع توصيات حول كيفية إشراك المواطنين في الحكم للوصول لوضع دستوري يلائم الطبيعة السودانية ويجنبها سوءات النظم المستورده . أصبح أبورنات مستشار نظام 17 نوفمبر بل قيل أنه الرجل الثاني بعد عبود- صدر بناء علي تقرير لجنته ( قانون المديريات لسنة 1960م.) وفي 18 ديسمبر 1961م قرر المجلس الأعلي للقوات المسلحة تكوين لجنة أخري برئاسة أبورنات لدراسة إدخال نظام الإنتخابات النسبي وتكوين مجالس الحكومات المحلية وتحديد نسب الأعضاء المنخبين لكل مجلس هذه اللجنة سميت ( لجنة التطورات الدستورية).
عندما تم تشكيل اللجنة الفنية للدستور برئاسة دفع الله الرضي رئيس القضاء الأسبق والمحامي لم يخرج علينا الزميل الذي إنتقد ذلك علي النقابة ويقوك بأن هذه اللجنة هي ليست جمعية تأسيسية وأذكر هنا طرفة للراحل دفع الله الرضي عندما كان النقاش منصبا علي وضع القوات المسلحة وإعتبارها أنها (حارسة الدستور) كما هو الحال في الدستور التركي فرد عليهم دفع الله الرضي بقوله ( كيف نطالب من الذئب أن يحرس الشياة).
اود أن اشير هنا أن مسودة الدستور الإنتقالي المقترح عندما تناولت مبدأ الفصل بين السلطات كان الهدف الأساسي هو حماية الشعب السوداني من الحكم المطلق عن طريق الإستعانة بتوزيع السلطات الحكومية علي ثلاثة هيئات .
لقد واجه جيل الثورة الحالي صعوبات جمه في تطبيق شعارتطبيق العدالة علي القتلة ومحاكمتهم بسبب وجود عناصر كيزانية في الجهات العدلية ليس لديها القدرة أو الرغبة في تطبيق العدالة – ولعل جل الملاحظات وجهت لطريق إختيار رئيس القضاء والمحكمة الدستورية والنائب العام في هذه المسودة- وهنا أو د أن أقول صحيح ومنذ القرن التاسع عشر جرت محاولات كثيرة في عدد من دساتير العالم لوضع فواصل مطلقة بين السلطات ؛ وكان الإفتراض أن كل سلطة وكل عمل من أعمال الحكومة يجب أن يدخل في نطاق إحدي السلطات الثلاثه ، بحيث لايمكن أن تمارسه سلطة أخري.
لم تؤثر الفاسفة السياسية في نشأة مبدأ الفصل بين السلطات خاصة وهو مبدأ قديم استمد من نبوءة أطلقها أرسطو؛ بقدر تأثير الحقوق التي كفلتها وثيقة الحقوق ، فلقد نشأ هذا المبدأ نتيجة للتجارب وعضدته آراء مونتسكيو. وسواء نظرنا الي تلك الحقوق بإعتبارها حقوق مكتسبه للمواطن السوداني العادي ، أو بإعتبارها حقوقاً طبيعية ، فإن الحريات التي حاولت مسودة الدستور الإنتقالي المطروحة تأكيدها ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك وجود مبدأ الفصل بين السلطات . لآن السلطة التنفيذية التي ستتشكل بعد وضع الدستور الإنتقالي لن تستطيع التدخل لتعيين لرئيس القضاء وبالتالي لاتملك أن تؤثر عليه . وعندما طلبنا في هذه المرحله أن يتم تعيين رئيس القضاء من السياسيين هذا المقترح جاء بعد تجربة حقيقية علي الوضع القائم لمعالجة وضع قائم بالفعل لاتصلح معه المضادات الحيوية وهو حل مرحلي لقضية العدالة الغائبة .

تحياتي

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1

رسائل بين يدي تشكيل وزاري مرتقب

في العام 1958م انعقد مؤتمر السافنا بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم، القاعة العامة الوحيدة آنذاك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا