الإثنين , أبريل 29 2024
أخبار عاجلة

يالله حوِّل لي رصيد !!؟

ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر
من الكوارث التي جاءت بها شركات الاتصال خلاف أنها صارت جزءاً من مشكلة سحب السيولة وتجفيفها من أيدي المواطنين بحكم الخدمة المغرية التي تقدمها للناس وهي خدمة “الكلام الفاضي”… أنها في ذات الوقت صارت بديلاً للجهاز المصرفي ونافست البنوك وبيوت التمويل في عمل من أهم واجباتها وهو تحويل الأرصدة النقدية …
وقد بدأ تعرف الناس على مسألة التحويل عن طريق التلفون السيار في بادئ الأمر متأخراً بعض الشيء ذلك لأنه في فترة نهاية التسعينيات وبداية الألفية “2000”، “2001”، “2002” كانت كل التلفونات المحمولة عبارة عن خطوط خدمة BUSINESS Line ويتم دفع قيمة المحادثات بعد فترة محددة أو عند وصول المحادثات إلى سقف محدد… ولكن بعد عام 2002 دخلت ما يعرف بالشرائح المدفوعة مقدماً ومعها جاءت ثقافة جديدة اسمها “عليك الله حوِّل لي رصيد”… وبدأت تنتشر عادة تحويل الرصيد من مكان إلى آخر… وانحصرت في تحويلات محدودة القيمة تتراوح ما بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألف جنيه “قديم” وقامت شركات الاتصال بالتفنن في إصدار “الصكوك” و”الكروت” ذات “القيم الكبيرة” فظهر الكرت أبو خمسين والكرت أبو مائة… ثم ظهرت الماكينات التي وزعت على الأكشاك والدكاكين لتحول أي مبلغ وأفرغت البنوك من معاني رسالتها الأساسية الخاصة بتحويل النقد …
ومرة أخرى تفننت شركات الاتصال في ابتداع كل الوسائل لامتصاص الأموال من بين أفواه التلاميذ والأطفال فظهر الاسكراتش “أبو جنيه واحد” والاسكراتش “أبو جنيهين”.. وهذا بالطبع أدى إلى أن يهتم تلاميذ المدارس وأطفال الروضة بتوفير قيمة الاسكراتش على حساب الفطور في المدارس.. وظهرت حكاية التلاميذ الذين يجوعون أو يظلون بدون فطور، وحكى زميلنا الظافر في وقت سابق عن قصة التلميذة التي كانت دائماً تحتفظ بزجاجة بلاستيك وتحرص على حفظها في شنطة المدرسة وكانت هذه القارورة مملوءة بالكسرة الناشفة وعندما تحين ساعة الفطور تقوم هذه التلميذة بإضافة الماء على الكسرة الناشفة في القارورة وترج الزجاجة رجاً شديداً وتشرب المحتويات بدلاً من تناول وجبة الإفطار…
ومن المؤكد أن هذه التلميذة من الذين يفضلون أن يأكلن الكسرة الناشفة في قزازة البلاستيك ليستطيعوا توفير قيمة الألفين جنيه بتاعة الاسكراتش… ونواصل في كارثة إحلال شركات الاتصال محل البنوك في أن هذه الشركات صارت تقدم خدمة التحاويل المصرفية لكل السودان… مثلاً إذا أردت أن أحول مليون جنيه أو حتى عشرة ملايين جنيه إلى أخي الموجود في القضارف فما عليَّ إلا أن أذهب إلى أقرب كشك أو دكان ثابت أو دكان في ركشة متحركة وأدفع المليون جنيه ليقوم بتاع الركشة بتحويل المبلغ ويأخذ مني خمسة وعشرين جنيها.. وهناك يصل المبلغ إلى أخي ناقصاً 10% لأن أخي سوف يبيع الرصيد إلى صاحب الكشك في القضارف “بالملص” وهذه العملية أضاعت على البنوك كثيراً من الخدمات والعائدات التي كان يمكن أن يقدمها للجمهور.. واستأثرت بها شركات الاتصال.. وبالطبع أدى هذا إلى انحسار أنشطة البنوك في مجال التحويلات ثم أتت الطامة الكبرى بعدم مقدرتها على الإيفاء بحقوق المودعين وأصحاب الحسابات الجارية وحتى حسابات المرتبات…
وسيظل تحويل الرصيد أحد أهم العوامل المؤدية إلى إيجاد بديل عن الجهاز المصرفي والبديل الأمثل للتحويل المصرفي والعدو الأكبر للبنوك مما يؤدي إلى فنائها واضمحلال تأثيرها … وذلك لأن مساهمة البنوك في تمويل التنمية ضعيف جداً وموجه نحو الاستهلاك ولا يزيد عن 5% من المطلوبات ..

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

مدير “الفاو” يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة

الرباط وكالات ايكوسودان.نت من الرباط، لم يتوان شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا