عاصم الطيب قرشي
١)
في الريف الأخضر الجميل، صوت الطبيعة يسحر مسامع الأرض و يشنف آذانها بألحانٍ شجيةٍ مؤلفةٍ من دوِيّ الرعودِ و خرير المياه و نقيق الضفادع و حفيف الشجر و زقزقة العصافير.
٢)
بينما في المدينة الصاخبة، هدير السيارات و أبواقها النحاسية المختلطة بأزيز الماكينات تعزف نشاذا يصك الآذان. الناقلات الكبيرة تتقاطع من هنا و هناك مثقلة بالبضائع من الريف للمدينة.
٣)
أما في مزرعة الوزير الواقعة في منتصف الطريق الواصل بين القرية و المدينة، فقد اجتمعت كل الحيوانات لمناقشة فساد صاحبهم.
٤)
قالت النعامة قبل أن تدفن رأسها في الرمال:- إن صاحبنا إشترى هذه المزرعة بأموال مسروقة، يسمد البرسيم و الخضروات بأسمدة كيميائية مسرطنة.
٥)
قال الثور الأسود:- إن جرائم صاحبنا ضد الأرض و إنسانها و حيواناتها و نباتاتها تشين سمعتنا.
ردت بقرة:- جرائمه تكفي تماما لسجنه مدى الحياة و عتقنا من هذه المزرعة المأفونة.
قالت بقرة أخرى:- حتى عهد قريب، كنا نستمتع و نأنس لجندبة الجنادب و صرصرة الصراصير. الآن قتلها صاحبنا بمبيد الدمار الشامل.
٥)
تكلمت النباتات لأول مرة:- أسراب الجراد و الكعوك تمر على السنابل و السماسم في ليلة واحدة، يقطع فيها الجراد عيشنا و الكعوك يطلع زيتنا.
٦)
بعد أن تمطى ممشوقا و رفرف بجناحيه، صاح ديك الدولة المكلف بشؤوون الدجاج:-
بيوت الناس كسرووووها
……………………………
خزينة البلد سرقوووووها.
٧)
ردت عليه زوجته الدجاجة الحمراء و قاطعته: كااااك، جٍد جٍد جٍد جٍد يا ديك. ألم تكن شريكهم في التكسير و التدمير؟.
٨)
سمعهما حمار الخفير الذي أيقظوه من نومه لحضور الإجتماع فنهق مستغرباً: متين متين متين؟
٩)
خار الثور الفريزيان الفطن الذي كان يجتر ذكرياته حين وقعت كل الجرائم و أجاب على سؤال الحمار بخوار واحد و واصل اجتراره: أُمبااارح.
١٠)
رغم أن الحصان كان لا يخاف من شياطين الإنس و البغال و الحمير لفرط حصانته الدبلوماسية إلا أنه كان يبارك كل الجرائم بصهيل واحد: ماشاءالله ماشاءالله.
١١)
بالقرب من الحصان وقفت حسناء الغنم الشقراء و رددت في حسرة: ميع ميع ميع، كانت تقصد بيع بيع بيع، لكن نطق حرف الباء تعذر عليها لعدم وجوده في لوحة الحروف الغنمية.
١٢)
أكد خروفٌ أملحٌ أقرنٌ على رأي المعزة و وقَّت شهادته مع وقوف عربة صاحب المزرعة امام البوابة و هتف: باع باع باع.
١٣)
لم يبق إلا الكلب الوفي لمناصرة صاحبه و مؤازرة حصان الدولة. لكنه هزم كل توقعات الحيوانات حين نبح و هو يتضور جوعاً: يا هوووو هو هو هووو. كان نباح الكلب ضربةً قاضيةً لصاحبه الوزير و تشييعا للصوصيته.
١٤)
بالرغم من كل تلك الحيثيات، وقف تيسٌ أشقرُ اللونِ مصبوغ اللحية مدافعاً عن الوزير، ليفسِّر نِباحَ الكلبِ بأنه قسم ببراءة الوزير من سرقة قوت شعب الغنم.