30 نوفمبر – 12 ديسمبر 2023
• أتيحت لي عدة مشاركات في مؤتمرات تغير المناخ السابقة، فكان من بعض ذكرياتي في تلك المناسبات مشاهدة أناس دواهي، يعرفون كيف يأكلون الكتف، ويحسنون معايشة الأحداث ويجيدون معالجة شؤون حياتهم باغتنام الفرص واستثمارها خير استثمار.
• كنت إذا ما استقليت مركبة عامة مثلاً لفت انتباهي إعلان يقول: “استعمالك للمركبات العامة يسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 85%”. وإن دخلت متجر أحذية وجدت عبارة: “نحن نستخدم خام لساتك العربات المستعملة التي أعيد تدويرها لتصنيع أحذيتنا، ونستخدم عجينة ورق تم تدويرها بنسبة 100% لتصنيع الصناديق التي نحفظ فيها الأحذية”.
• زإذا ما حللت ضيفاُ على أحد الفنادق وجدت دعوة رقيقة من إدارة الفندق على باب الحمام، نصها: “عزيزي النزيل، غسيل المناشف يومياً يستلزم استخدام المنظفات الصناعية التي قد تضر بالبيئة فإذا رغبت في استعمال المناشف مرة أخرى من أجل بيئة أفضل احرص على تركها معلقة في المكان المخصص لذلك”.
• كنت إذا ما دخلت مطعماً من تلك المطاعم التي تعمل بنظام الخدمة الذاتية أجد بطاقة تحث على المحافظة على البيئة، فحواها: “عزيزي الزبون، إذا ما رغبت في تناول طعامك بداخل المحل نرجو استخدام أواني الطعام المعتادة (أواني الصيني وخلافه)، ونرجو من أجل بيئة أفضل ألا تستخدم الأواني الورقية أو البلاستيكية إلا في حالات الضرورة القصوى التي تستدعي تناولك للطعام خارج المحل”.
• إزاء مثل هذه الرجاءات الملحة التي تدعوك للاقتصاد في استهلاك المواد الضارة بالبيئة لا يسعك إلا الاستجابة لداعي البيئة الذي دعاك. وإن ساورك شك في أنها دعوات حق أريد بها كسب تجاري، فما عليك إلا أن تعلل النفس بأن “من خدعنا في البيئة انخدعنا له”.
• أحدثت الظواهر المناخية القلق والمخاوف لدى الناس ودفعتهم للاهتمام بقضايا البيئة للحد الذي مكَّن البعض من استغلال هذه الظواهر واستثمارها بالكيفية التي تستهويه، لا يحدث ذلك على مستوى أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة كالمطاعم والفنادق فحسب، بل حتى على مستوى التعامل الدولي والجيو-بولوتيكي.
• في أمريكا مثلاً استغل السيد فرايدمان مخاوف الناس وقلقهم حيال التغيرات البيئية والمناخية كما استثمر هلعهم من احتمال تكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقام بصياغة قانونٍ أسماه “القانون الأول للبترو-سياسة”، نص فيه على الآتي: “تتجه أسعار البترول ومعدلات تسارع الحريات في البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيراً على عائدات صادرات النفط في اتجاهين متضادين على الدوام”.
• وادعى أنه استناداً على ملاحظة تحول كثير من الأمريكيين إلى جماعات “خضر” يستخدمون مصادر الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة بدلاً عن الجازولين. واستقراء للأحداث التي جرت في كل من السعودية وإيران في تسعينيات القرن الماضي حينما أنخفضت أسعار البترول آنذاك وأدت –كما قال- إلى إشعال جذوة حوار سعودي-سعودي حول تضمين القليل من القرآن والمزيد من العلوم في مناهج التعليم السعودية بل وحتى إلى تجريب انتخابات محلية؛ وبناءً كذلك على ملاحظة أنه ما إن ارتفعت أسعار البترول مرة أخرى حتى توقفت كل الأحاديث حول تلك الإصلاحات السعودية، الشيء ذاته الذي تكرر حدوثه –حسب زعمه- أيضاً في إيران؛
• خلص فرايدمان من كل ذلك إلى الدعوة لتبني عقيدة جديدة، شعارها (الأخضر هو الأحمر الجديد)، هدفها تعبئة كل القوى الأمريكية (الليبرالية والمحافظة والكنسية والملحدة) لمجابهة خطر الإرهاب السني والشيعي القادم –كما أسماه- والاستهداء بتجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية حينما توحدت أمريكا بكلياتها واحتشدت في مواجهة الخطر الأحمر الشيوعي وقتذاك.
• على صعيد هيئة الأمم ومجلس أمنها، حدث في 17 أبريل 2007م، في عهد رئاسة بريطانيا للمجلس أن تجاوزت رئاسة المجلس صلاحياته وسلطاته وقامت بإدراج قضية تغير المناخ في أجندة المجلس وطرحتها للنقاش بزعم أنها قضية أمنية في المقام الأول، من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين. ولولا تصدى مجموعة من الدول في مقدمتها السودان الذي كان يتحدث باسم المجموعة الأفريقية بجانب الصين وروسيا، لنجحت بريطانيا في مسعاها الذي وجد مساندة السكرتير العام للأمم المتحدة وبعض الدول الغربية كفرنسا وأمريكا.
• لا تقتصر المشاركات في مؤتمرات تغير المناخ في العادة على أولئك الذين يؤمنون بحقيقة هذه الظاهرة فحسب، بل يؤمها حتى أولئك المشككون في حقيقتها، مثال اللورد البريطاني كريستوفر مونكتون، الذي يعتقد بأن هذه المؤتمرات لا تعدو كونها مجرد حلقة في سلسلة تآمرية متعددة الحلقات تحيكها الأمم المتحدة من أجل إنشاء حكومة عالمية تدير العالم.
• وقد صرح اللورد لأحد مخبري صحيفة الجارديان البريطانية، قائلاً: “إن همي الرئيسي هم تلكم الملايين من البشر الذين يتضورون جوعاً ويموتون في كثير من أنحاء العالم بسبب تضاعف أسعار الغذاء جراء هجر أمريكا لمساحات واسعة من أراضيها المنتجة للغذاء تحسباً لتغير المناخ. فالناس في هاييتي –حسب تصريحه- يأكلون الطين ليبقوا على قيد الحياة، إنهم يتناولونه مع قليل من الزبد والملح. فنحن حين نتجادل حول ظاهرة تغير المناخ لا نتجادل حول نظرية علمية مجردة، معلقة في السماء، لا علاقة لها بأرض الواقع، ولكن نحن نتجادل في أمرٍ ذي بال وجاد وخطير يتعلق بحياة الناس، ومصائرهم”.
• كانت تلك بعض خواطر وذكريات على هامش مؤتمرات تغير المناخ السابقة، وبمناسبة المؤتمر (رقم 28) الذي انعقد قبل أيام.
تضرعاتي بحسن الخلاص وتحياتي؛
عبد العظيم ميرغني