تجارب الهيئة القومية للغابات في مجال السياحة البيئية
“لا أحد بوســعه أن يكون بيئيا ببطن خاوية” كما يقول أبو الثورة الآسيوية الخضراء نورمان بورلاوق، وإدراكاً من الهيئة القومية للغابات، كهيئة ذاتية التمويل ومناط بها حجز ما لا يقل عن 20 %من مســاحة البلاد غابات وتشجيرها وحمايتها، وإجراء الدراســات ووضع الخطط واســتيعاب الكوادر وتأهيلها، فقد رأت في اقتحام مجال السياحة البيئية أحد الخيارات المتاحة لاستقطاب المزيد من الموارد المالية لتحقيق الأهداف والأغراض التي أنشئت من أجلها.
كاتن أولى تجارب الهيئة في مجال السياحية البيئية بدائرة غابات جبل مرة حيث أنشــأت ست وحدات ســياحية على أحدث طراز بالمواد المحلية وجهزت بأحدث الأجهزة وأفخم الأثاث لتؤجرها للســياح ومن يرغبون في قضاء الإجازات بمناطق الجبل الساحرة، في قلول ومارتجلو وفي قمة الجبل بباندونق.
تمثلت التجربة الثانية في إنشاء منتزه سياحي بغابة أم زبل على نهر الرهد بمنطقة الحواتة بولاية القضارف في عام 1996، يتكون من خمسة قرى سياحية، بينها قرية رئاسية أستضيف فيها الرئيس السابق عند زيارته للولاية في ذلك العام. وأنشئت القرى السياحية الأربعة الأخرى في شكل قطاطي بمواصفات الفنادق السياحية ذات الخمسة نجوم. وزود المنتزه بثلاثة قاعات للســمنارات وورش العمل ومعرض للتراث وســيوبر ماركت وكافيتريا ومولد كهربائي عالي الطاقة للخدمة المستمرة طوال اليوم، ومراكب ســياحية للتنزه على النهر الذي اصطفت على طول ضفته المواجهة للمنتزه مقاعد خشبية للجلوس والاسترخاء على حافة النهر. تم إنشاء هذا المنتزه على شكل “قلة”، حيث يضيق النهر عند مدخله الذي تحفه أشجار النيم الظليلة ليتسع النهر بعد ذلك ليحف المنتزه من على ذات اليمين وذات اليسار، حيث تستطيل أشجار المهوقني والجميز والدبكر في منطقة الجرف المتاخمة لحافة النهر بينما تشغل أشجار السنط المناطق المنخفضة التي تغمرها مياه النهر.
التجربة الثالثة لا زالت قيد الدراسة وتتمثل في مشروع سفاري باسم “الفيل القومي للقنص والسياحة البيئية، صمم على أن يكون شراكة بين الهيئة مع مركز سليمان السويد للإنتاج الزراعي والحيواني بتمويل مفتوح لفترة 40 عاماً قابلة للتجديد بنظام الإيجارة في مساحة 100 ألف فدان.
تتمثل الأهداف العامة للمشروع في إقامة مزرعة قنص داخل غابة الفيل المحجوزة بولاية القضارف بحيث تفي بالأهداف والوظائف التي من أجلها حجزت الغابة، مضافاً إليها تحقيق الأهداف السياحية البيئية والاستثمارية الخضراء للمشروع. وتتمثل الأهداف الخاصة للمشروع في الآتي:
إعادة إعمار الغابة باستزراع أنواع شجرية محلية ومستجلبة ذات قيمة غذائية عالية لزيادة انتاجية الحيوانات البرية في المساحات الخالية من الأشجار، مع اعادة توطين الحياة البرية بالغابة باستجلاب الحيوانات من داحل وخارج السودان لاقامة مناطق صيد للحيوانات والطيور المهاجرة وتنظيم رحلات الصيد لتشجيع السياحة الوافدة من الخارج خاصة من دول الخليج.
إنشاء مركز يعني بإنتاج الحيوانات البرية بما في ذلك الحيوانات النادرة، والطيور المرغوب في استيطانها في الغابة سواء كانت الطيور المراد صيدها أو طيور الزينة التي تضفي جمالية على الغابة. وإنشاء مركز للبحوث على أحدث طراز يعنى بأمراض الحيوانات والطيور وطرق علاجها مزود بأجهزة حديثة.
إنشاء ابراج مراقبة وتصوير الطيور وإقامة منتجع سياحي بمواصفات عالمية ونمط صديق للبيئة في موقع من الغابة متسق مع المناظر الخلوية والقيم الجمالية للمنطقة ومتصالح وأهداف وأغراض الغابة كمزرعة صيد. وتجهيز المنتجع بقاعات مؤتمرات ومطاعم، الخ. وتقديم خدمات فندقية وترفيهية متميزة للسياح لضمان جذب المزيد منهم.
إقامة منتجع وطني عام مفتوح للجمهور بمواصفات عالمية كمتنفس للولاية.
تعويض شح ونقص المياه بالمنطقة لأغراض المشروع بإقامة مراكز حصاد مياه (حفائر) أو أي تقنيات أخرى (حفر لآبار ارتوازية إن أمكن ذلك) أو مد أنابيب مياه من أقرب مصدر نهري.
توفير وسائل حركة وترحيل فاخرة وخدمات اتصالات وتواصل شبكي متطورة تمكن السائح من الاتصال الداخلي والخارجي.
إنشاء مخزن للأسلحة وتوفير الاسلحة والذخائر لأغراض الصيد وإنشاء وحدة دفاع مدني مزودة بأحدث الأجهزة لمكافحة الحرائق لضمان سلامة الغابة ومرتاديها، ووضع كواشف حرائق وربطها لاسلكياً بجهاز الدفاع المدني المسؤول عن الغابة، مع اتخاذ كافة الاحتياطات والوقائية اللازمة.
تسوير المنطقة بالكامل من جميع الاتجاهات بساتر ترابي عال وحفر خنادق عميقة تمنع عملية الدخول والخروج من الغابة إلا عبر بوابات الدخول والخروج التي تقام لهذا الغرض.
إقامة سواتر وارصفة ترابية مرتفعة ومشبكات حديدية على جانبي طريق الأسفلت (القضارف كسلا) وعلى كافة حدود المنطقة المخصصة للصيد ومناطق تواجد الحيوانات المفترسة أو الحيوانات النادرة داخل الغابة وكذلك مناطق إنتاج وإكثار الحيوانات، وذلك لضمان سلامة المواطنين والعابرين.
إقامة جهاز حراسة مستقل مزود بكافة المعدات اللازمة لحماية وتأمين الغابة (كاميرات مراقبة، أجهزة ليزرية تعين على الرؤية أو في حالة تعثر عمالية دوريات الحراسة بسبب الأمطار والأوحال، سيارات ومركبات بمواصفات خاصة للعمل في أصعب الظروف المناخية، الأسلحة الخاصة بتخدير الحيوانات للسيطرة عليها في حالة هيجانها أو خروجها من الغابة، الخ).
تقديم خطط وبرامج اعلانية ودعائية وترويجية للمشروع داخل وخارج السودان لجذب المزيد من السياح وتشجيع الاستثمارات الخارجية في المنطقة واقامة الندوات وتنظيم البرامج الترفيهية، كسباق الهجن وخلافه، ودعم الخدمات الشاملة قرب الغابة وانشاء كافة الخدمات فيها.
تنويع عائدات المشروع بفتح مزيد من النوافذ مثل انتاج وبيع المداخيل الثانوية (عسل النحل، النباتات الطبية والعطرية، توفير حطب الوقود وأخشاب البناء للمجتمعات المحلية).
من المتوقع أن يحدث المشروع مردوداً بيئياً اقتصادياً واجتماعياً إيجابياً بالمنطقة، يتمثل في تحسين البيئة الطبيعية وحماية الاراضي بالمنطقة ذات الهشاشة من التعرية والانحراف.
تنشيط السياحة بالمنطقة وتحسين اقتصادها المحلي من خلال الانشطة الترفيهية وحركة سوق المنتجات التقليدية اليدوية والفلكلورية وبيع المنتجات المحلية وتوفير فرص عمل جديدة تصل الي الفي وظيفة للعمالة المدربة وغير المدربة، ودعم ميزان النقد الاجنبي للبلاد من خلال النشاط السياحي الذي يوفره المشروع. وتخفيف العبء الإداري والمادي الذي تتكبده الهيئة القومية للغابات لحماية وإعمار المنطقة بالأشجار ورعايتها.
كان من المفترض أن يواصل الفريق الذي أعد مقترح المشروع والذي كان مكوناً من المرحوم الدكتور نادر محمد عوض والدكتور محمد عطا المنان عقيد وشخصي عبد العظيم ميرغني، يواصل إعداد الدراسة التفصيلية الشاملة التي تتضمن الصورة التخطيطية الكاملة للمحمية بعد الحصول على الموافقة النهائية، والذي يبذل الأخ وزير الزراعة والغابات السابق الدكتور عبد الله سليمان والذي كان قد تبنى مقترح المشروع إبان فترة ولايته مهام وزارة الزراعة الغابات الاتحادية، جهوده مع سلطات الولاية للحصول عليها.
هناك مقترحات مشاريع سياحة بيئية أخرى عديدة ظلت تتبناها الهيئة القومية للغابات من أمثلتها مشروع الغولف بالخرطوم وسلسلة مجموعة الغابات الحضرية، مثل مقترح مشروع تطوير غابة السنط بالخرطوم وغابة أبو جيلي بسنار وغابة الرميلة بكسلا.
لقد أصبحت السياحة البيئية أحد أهم أنواع الأنشطة التجارية والاستثمارية عالية الربحية على النطاق العالمي، حيث تشكل أكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول النامية، ونحو 3.5 تريليون دولار سنويا على نطاق العالم حسب احصائيات منظمة السياحة العالمية.
مقتبس من مذكراتي الشخصية “سنوات في الغابات: سيرة وذكريات مدير سابق للغابات”.
تضرعاتي بحسن الخلاص، وتحياتي؛
عبد العظيم ميرغني