الأحد , أكتوبر 6 2024
أخبار عاجلة

أصل البنفسج

عاصم الطيب قرشي
١)
جلست جميلةُ على صخرةٍ ملساءَ تحت شجرةٍ مورقةٍ خضراء جاورت شاطيء النيل. من فوقها شهقت صخرةٌ تحاكيها القباب قداسةً لتحول بينها و الكون كله.

٢)
وضعت قيثارتها بحيث قابل وجهها السماء ثم دوزنت قيثارة حبها مناجية و مخاطرةً حبيبها جلال.
قادت بوصلة الحب جلال لجميلته بأقصر الطرق حين أحدس مناجاتها فأسرج روحه و توجه نحو النيل.
وقف على أعتاب قلبها فحياها: الجمال عليكم و الرقة و النضار يا عبق الفل.
ردت عليه بلهفة المشتاق وجداً: و عليك الجلال و الهيبة و الوقار يا عطر الصندل، أطللت طلَّاً فأهلاً و سهلاً!.

٣)
وضع جلال علبة ألوانه و الفرشاة و الورقة البيضاء بالقرب من قيثارتها ثم جلس على الجانب الآخر من الصخرة و أدار ظهره لها.
خاطرته جميلة:- اليوم سأغنيك أغنيةً في الأصلِ هي الصفاء، رأيتُك فتحركت عجلة الأشياء. ماج الصوتُ غناءً وضوضاء، فكنت أنت أندى سبع أنغامٍ في الغناء.
خاطرها جلال قائلاَ:- حينها سأرسمك لوحةً جميلةً في الأصل هي الشفافية، رأيتُك فكان الضوء، أبان الأسود من الأبيض فخرجتِ أنت من حنايا الأبيض سبعُ ألوان طيفٍ كن أمهات رسمك.

٤)
ساد بينهما صمتٌ إكتمل فيه نصابُ اللوحتين، فتناثرت بلوراتُ الماء كالأنامِلِ حيناَ على أوتارِ القيثارةِ و أحياناً على صندوقها لحناً بإيقاعٍ أوقف التداعي. تناثرت بلوراتٌ أخرياتٌ على الورقةِ البيضاء أسلن الألوان عليها فارتسم وجهُ طفلةٍ لوحة.

٥)
إقتربا قرباً بلا مسافة و تعانقت أرواحهما بلا حركة فهمست جميلةُ: لا أحتمل هذا الجمال، خبئني فيك يا جلال، أريد أن أغوص في حنايا روحك.
قال: إنها رغبتي منذ التقيتك.
قالت: سأصغر حتى أكون كالنسم أتخللك.
قال: لا، سأصغر أنا.
قالت: بل أصغر أنا و تكبر أنت فتحتويني.

٦)
بصوتٍ واحد كأنما اتفقا عليه قالا: إذاً نصغر الإثنين معاً و نصغر فنصغر حتى نصير بحجم ذرتين. تحملنا الرياح بعيداً، فإذا ما لم يحتملنا الفضاءُ تنفجر الذرتان ليلج شعاعي في شعاعك و شعاعك في شعاعي. كانت رغبتهما أكبر من ناموس الكون فاتخذ لهيبته قراراً، صارت لهُ الصخرة القبة جلاداً حين انزلقت عليهما و أسدلت ستاراً.

٧)
يروي شهودُ نهاياتِ الحادثِ أنهم عندما هُرِعوا إليهما باستدعاءٍ من صوتِ وقع الصخرةِ، أنهم لم يجدوا شيئاً غير رنين قيثارةٍ كانت بلوراتُ الماءِ تمارسُ العزفَ عليها، و لوحةً سُرياليةً لم تجف ألوانُها لوجهِ طفلةٍ جميلة. بيد أنَّ طفلاً صغيراً ذكر أنه شاهد دخاناً ينبعث من تحت الصخرةِ باللونين الأزرق و الأحمر. حلَّق الدخان بعيدا ثم اعترك اللونان عراكاً لطيفاً حتى صار كرةً من البنفسج عبقت عطرا و عرجت للسماء.

٨)
إهتزت أغصانُ الشجرةِ إهتزازاً عنيفاً حين مرت بها كرةُ البنفسجِ فسقطت من بينِ الأغصانِ صفقةٌ عريضةٌ خُطَّ عليها بالحرفِ الكبيرِ نقشاً *أصلُ البنفسج*. قصيدة ردد الأفق صداها لحنا وغناء.

٩)
إلتقينا
رَحلُ سفَرٍ
في حواشينا نضارٌ فاض وردا
رفيقُ الدرب وادي النيل
و انضوينا
بيتُ شعرٍ
بين شطرينا سحاباتُ المودة
في قوافينا مدائنُ مستحيل
و مضينا فامتطينا
صهوة الإحساس خيل
و انتشينا فاستوينا
نرقص الزين و العديل
ننسجُ الأضواء جسراً بيننا
من سنا شمسِ الأصيل
أعذبُ الألحانِ سقفاً فوقنا
و سماءُ دهليزٍ طويل

نُهرَع
نُسرع الخطى
نستحيلُ النبضَ ناراً ثم نورا
تتراقصُ الأنوارُ قنديل
نركع
نرفعُ الدعاء
نستميحُ الله عُذراً ثم نُذراً
بتواصل الصلواتِ في الليل
نغوص في وئام
في لج بلا قاع و لا شطآن
يتموج الكلام
في عمقٍ سحيقٍ إلى هذيان
في الخطِّ الفاصلِ
بين الرؤيةِ والإظلام
نذوب شمعتان
و العشقُ الواصلِ
بين المطلق و الأحلام
يتقدمُ الركبَ دليل
دخان الإحتراق يسير أسرع من براق
تحجزه غمامات التحرر من خطايانا
و هالات الإنعتاق
تصير أجساداً تسيل
تلك دمعات الهوى
حين النوى
و حين عجزِ النطق و التعليل
تذرف العينان منها
كل لحظة ألف دمعة
تنداح حَبَّاً و شتاتُ حُبٍّ
يمتد درباَ
طولاً وعرضاً ألف ميل.

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

أشهر ثلاث شجرات في السودان ..!!

صديق السيد البشير siddigelbashir3@gmail.com (1) ٭… ويلتقي الشاعر اسحاق الحلنقي مع الموسيقار بشير عباس والزهرات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا