الأحد , يونيو 23 2024
أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1
غابات السودان الأشجار

قراءة في مذكرات ملك

في عام 2011 كنت في زيارة للعاصمة الأردنية عمان، ودأباً على العادة التي درجت عليها منذ أن عرفت دروب السفر للخارج، فقد قمت باقتناء بعض الكتب من مكتباتها، ودونت اسم المدينة وتاريخ الزيارة على صفحات أغلفتها الداخلية تخليداً لها.
من بين الكتب التي وقع عليها اختياري مذكرات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ملك الأردن “فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر”. كان الكتاب قد صدر في بداية العام 2011باللغة الإنجليزية، في حين صدرت طبعته العربية بعد ذلك، قبل حوالي أسبوعين فقط من زيارتي للأردن. وكان من المقرر أن يصدر الكتاب تباعاً بعد ذلك في ثماني لغات أخرى بجانب اللغتين العربية والإنجليزية.
حمل غلاف الكتاب، الذي يقع في نحو 450 صفحة، تعليقات كل من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، والجنرال تومي فرانكس (عسكري أمريكي شارك في حرب أفغانستان 2001م وفي غزو العراق 2003م)، والسيد وارِن بافت (خبير أمريكي ورجل أعمال ومستثمر). والكتاب موجه بالدرجة الأولى للقارئ الأجنبي قبل القارئ الأردني أو العربي.
ما حفزني على اقتناء الكتاب حب استطلاع معرفة لماذا نشر جلالته هذه المذكرات؟ ولماذا اختار أن ينشرها وهو لا يزال في رأس الدولة وسدة الحكم؟ في العادة يلجأ الناس لتدوين مذكراتهم أو سيرهم الذاتية لتبرير بعض مواقفهم، أو لما يجدونه من لذة في تدوينها من استرجاع ذكريات زمن ماض جميل أو للهرب من واقع مرير، أو من باب التحدث بنعمة الله والتعريف بأعمالهم. فما هي الأسباب أو السبب الذي دفع جلالته لنشر هذه المذكرات؟
السبب -يقول جلالته- هو محاولته سد بعض الفراغ في أوساط الرأي العام العالمي على الصعيدين المعرفي والمعلوماتي حيال عالمنا العربي والإسلامي. أما عن لماذا اختار جلالته وهو في رأس الدولة وحدة الحكم أن يكتب مذكراته؟ فقد قال جلالته : “ما أكثر الأسباب التي قد تجعل أمراً كهذا يفتقر إلى الروية والحكمة ذلك أن إدارة شؤون الدولة حتى الدولة الصغيرة هي عمل لا يبقى لصاحبه متسعاً من الوقت أضف إلى ذلك ضرورة الحفاظ على العلاقات الطيبة مع دول في الجوار وخارجه، قد يشعر العديد منها بالإساءة جراء عرض الحقائق بصد كما تراها دولة أخرى. ثم استطرد جلالته قائلاً: لقد قررت أن أضع جانباً كل هذه الاعتبارات وأن أسير على بركة الله في كتابة هذه المذكرات. وكان من بين ما شملته الاعتبارات التي وضعها جلالته جانباً وتوكل فيها على الحي الذي لا يموت وسار فيها على بركة الله كل ما يلي أمر السودان من اعتبارات كما سنرى ذلك بعد قليل.
استعرض الكتاب مسار السنوات العشرة الأولى من حكم جلالته، ورؤية جلالته لأحوال الأردن ونظرته الإصلاحية لشئون الحكم فيه منذ توليه مقاليد الأمور. وكشف جلالته عن بعض دقائق سيرته الذاتية، وخفايا الأحداث السياسية التي مرت بعهده وعهد والده الملك حسين. وعن كيف ولد ولياً للعهد من أول يوم في حياته، وعن تنحيته عن ولاية العهد وهو في الثالثة من عمره وتعيين عمه الأمير الحسن بدلاً عنه بعد أن تكررت محاولات اغتيال والده الملك حسين والتي بلغت ثماني عشر محاولة. وحكي عن كيفية إعادة تعيينه ولياً للعهد مرة أخرى بدلاً عن عمه الأمير الحسن، وعن كيف صار ملكاً وحياته في الحكم. ومدى إعجابه وتأثره بشخصية والده الملك حسين ومدى حرصه على تقفى سيرته.
أما فيما يلي السودان، فلم يرد من ذكر له في مذكرات جلالته، سوى ما جاء عرضاً في الفصل الثاني الذي تحدث فيه جلالته عن حرب 1976 و”لآءات” الخرطوم الثلاث. أما الموضع الثاني فقد كان بالفصل الخامس عشر وعنوانه “على طريق الإصلاح والتحديث”، حيث تعرض جلالته لزيارة له للسودان، مهد لها بالقول: “في العام 2003 استضاف الأردن منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي دُعيت رانيا –الملكة- للانضمام إلى عضوية مجلس إدارته. وقد كانت العضو الوحيد من العالم العربي”. ثم واصل جلالته مضيفاً: “هل هناك أجمل من دافوس مكاناً يلاحق فيه المرء كبار قادة الاقتصاد في العالم محاولاً إقناعهم بالاستثمار في الأردن؟ لكن هذه الأجواء الطبيعية والحضارية الرائعة لم تكن دائماً الأجواء التي أحاطت بي خلال تلك السنة الأولى من تولي الحكم، فبعد بضعة أشهر قمت بزيارة للسودان وكان التناقض لافتاً بالفعل”.
اللافت بالفعل في مذكرات جلالته أولاً، أنه لم يذكر الأسباب التي قادته إلى تكبد المشاق وتحمل معاناة زيارة السودان أو ما جرى في هذه الزيارة من مباحثات أو ما تمخض عنها من تفاهمات أو اتفاقيات إن كانت هناك، وهي زيارة رسمية يفترض أن تكون معد لها بين زعيمي بلدين بينهما مصالح. فقد انصب تركيز المذكرات كله في شأن زيارة جلالته للسودان على شكل الاستقبال الذي لقيه في مطار الخرطوم وحالة العربة التي اقلته صحبة الرئيس السوداني لوسط الخرطوم، ثم الهدية (العربة) التي أهداها جلالته للخرطوم عقب عودته سالماً لبلاده من الخرطوم وهدية السودان له. أما فيما عدا ذلك فلا شيء ذكر من أمر عذه الزيارة في المذكرات وكأن الزيار لا هدف لها ولا من ذكرها في المذكرات سوى توظيفها في الربط بينها وبين حادثة استضافة الاردن لمؤتمر دافوس، على طريقة “ضدان لما استجمعا حسنا … والضد يظهر حسنه الضد”، هي رسالة لا يخفى مضمونها على أحد.
لقد استدعى أمر هذه الزيارة غير ذات المضمون والمعنى فيما يبدو لي، استدعى لمخيلتي ما سبق أن ساقه الديبلوماسي السفير والوزير السعودي السابق غازي القصيبي في مؤلفه “حياة في الإدارة”، من قول: “أحياناً، كنت أشعر أن الشعوب العربية لو أدركت ما يدور في بعض اللقاءات، سواء كانت لقاءات قمة أو لقاءات وزارية، لأصيبت بما يشبه الصدمة العصبية. حضرت مرّة مؤتمر قمة عربية، تحول إلى ما يشبه المحاكمة. وحضرت أكثر من مرة مؤتمر قمة عربية، كان من الواضح جداً أن بعض المشاركين فيه لم يقرأوا جدول الأعمال فضلاً عن استيعابه. أذكر خلال لقاء قمة، أن أحد الرؤساء كان بمجرد أن ينتهي المؤتمر من الموافقة على قرار ما، يلتفت إلى وزير خارجيته، ويسأله: “على ماذا وافقنا؟” ويشرح الوزير للرئيس القرار الذي وافق عليه دون أن يعرف مضمونه. وأذكر في لقاء قمة آخر، أن عدداً من رؤساء الدول هاجموا مشروعاً سياسياً كان مطروحاً على الساحة وقتها، واعترفوا بعد الهجوم أن الفرصة لم تتح لهم لدراسة المشروع والتمعن فيه”.
هكذا بدا لي شأن هذه الزيارة التي قام به جلالته للسودان أنها لم تخرج من ذلك الإطار الذي وصفه القصيبي كشاهد عيان.
لكم تمنيت لو أن جلالته لم يزر السودان ولو أن مذكراته كانت خلوا من ذكر السودان.

تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

تجربتى العملية في السبعينات فى كردفان ودارفَور

بروفسير النور عبدالله الصديق، كلية الغابات ج خ. كانت تجربتى العملية في كردفان ودارفور خلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا