الأربعاء , يوليو 3 2024
أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان
الضحك

30 يونيو: يوم له تاريخ 1 – 2

في مثل هذا اليوم، 30 يونيو من عام 1936م، وقف رجل أسود اللون نحيل البنية يرتدي بزة سوداء أمام عصبة الأمم في جنيف، وبدأ حيثه بتعريف نفسه أولاً: أنا هيلا سيلاسي الأول، امبراطور اثيوبيا، أنا هنا اليوم لأطالب بالعدالة التي يستحقها شعبي، وبالمساعدة التي وعدته بها خمسون دولة قبل ثمانية أشهر مضت، حينما أكدت لكم أن عدواناً قد ارتكب في حقه. إنني أدعو الله أن يجنب الأمم والشعوب ويلات المعاناة التي أصابت شعبي وأمتي. وإنه من واجبي أن أبلغ الدول المجتمعة هنا في جنيف، وهي المسؤولة عن حياة ملايين الرجال والنساء والأطفال، بالخطر الماحق الذي يتهددهم، وأن أصف لهم الكارثة التي حاقت ببلادي.
ففي أوائل عام 1936م بدأت المقاتلات الإيطالية في قذف قواتنا بالقنابل المسيلة للدموع. وقد كان لذلك تأثير طفيف على جنودنا، إذ تغلبوا عليه بالانتشار وإتاحة الفرصة للرياح لتفريقها. فعمدت المقاتلات الإيطالية بعد ذلك إلى استخدام غاز الخردل، براميل من السوائل صبت على الجنود. هذه الوسيلة أثبتت أيضاً عدم جدواها، إذ لم تصب السوائل سوى عدد محدود من الجنود، فقام الإيطاليون إثر ذلك بتركيب رشاشات خاصة على مقاتلاتهم تعمل على تبخير السائل وتحويله إلى رذاذ قاتل يتناثر كالمطر على مساحات شاسعة وواسعة. وحتى يكون القتل منظماً وجماعياً وشاملاً يعم الحياة والأحياء جعلت القيادة الإيطالية طائراتها تتابع في تشكيلات من تسعة أو خمسة عشر أو ثمانية عشرة طائرة، التشكيلة تلو الأخرى، حتى كوَّن الضباب المنبثق منها طبقة متصلة على الأرض.
وهكذا، منذ نهاية يناير 1936، صارت المراعي والأنهار كلها مشبعة بهذا المطر المميت على نحو متواصل. وقد جعل هذا المطر كل من لامسه يصرخ من الألم، وكل الذين شربوا المياه المسمومة أو تناولوا المأكولات الملوثة ماتوا بعد معاناة مريعة. عشرات الآلاف من الجنود والرجال والنساء والأطفال والحيوانات سقطوا ضحايا غاز الخردل الإيطالي السام. ولأجل تبليغ العالم المتحضر مقدار هذا البلاء الذي حاق بشعبي الإثيوبي عزمت على أن آتي اليوم لجنيف.
في أكتوبر 1935، تعهدت إليَّ الدول الاثنتان وخمسين التي تستمع إليَّ الآن، أن المعتدي سوف لن يفلت بجريمته، ولاعتمادي على هذه التعهدات، وثقتي المطلقة في عصبة الأمم، وجهت مقاومة شعبي ضد المعتدي في صراع غير متكافئ؛ بين دولة تحت إمرتها أكثر من اثنين وأربعين مليون مواطن، وتحت تصرفها موارد مالية وصناعية وفنية وفيرة وكميات مهولة من أسلحة الموت والدمار؛ وبين شعب صغير قوامه أثنا عشرة مليون مواطن فقط، ولا يملك من السلاح والموارد إلا أقله، ولا سند له إلا عدالة قضيته ووعد عصبة الأمم بمساعدته. فما هي المساعدات الحقيقية التي قدمتها مجموعة الدول الاثنين وخمسين لأثيوبيا؟ وهل فعلت كل دولة عضوة في هذه المجموعة التي سبق لها أن أعلنت أن حكومة روما آثمة لخرقها البند 16 من الاتفاقية الدولية؟ لقد وضعت كل آمالي في هذه التعهدات المتكررة التي ظلت تصدر من هذا المجلس، والتي أكدت في كل مرة أن القوة سوف تجبر على الانحناء أمام الحق. فماذا كان مصير التعهدات والوعود التي قدمت إليِّ منذ أكتوبر 1935؟
لقد لاحظت بحزن ولكن من غير اندهاش، أن ثلاثة من القوى الكبرى قد اعتبرت تعهداتها التي تقدمت بها إلينا بموجب الاتفاقية لا قيمة لها إطلاقاً. وقد كانت خيبة أملي عميقة حين تيقنت أن دولاً معينة، كانت على الدوام تؤكد التزامها الصارم بالمعاهدة، في حين ظلت على الدوام تحول دون الالتزام بها.
إن الحكومة الأثيوبية لم تكن تتوقع أبداً أن تقوم حكومات أخرى بإراقة دماء جنودها دفاعاً عن الاتفاقية عندما لا تكون مصالحها الخاصة المباشرة مهددة. إن المقاتلين الإثيوبيين لا يطالبون سوى أن تتاح لهم وسائل الدفاع عن أنفسهم. وفي مناسبات عديدة كنت أطالب بمساعدات مالية للحصول على السلاح. وقد ظللنا على الدوام محرومون من هذه المساعدة. فما هو إذن الأثر العملي للبند 16 من الاتفاقية؟
فيما عدا “مملكة الرب” ليس هناك أمة على وجه البسيطة تتميز على أي أمة أخرى، فإذا عنَّ لحكومة قوية أن تقهر أناساً ضعفاء، فقد حان الوقت لأن يطالب هؤلاء الضعفاء عصبة الأمم بالحكم العادل في هذا الأمر. الله والتاريخ وحدهم سوف يشهدون على حكمكم هذا، فما هو الرد الذي يمكنني أن أحمله لشعبي وأرجع به إليه؟
كانت تلك محاولة لترجمة بعض ما جاء في خطاب الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول أمام عصبة الأمم بجنيف في 30 يونيو 1936، بعد مرور ستة سنوات على اعتلائه عرش بلاده، وبضعة أشهر فقط من الغزو الإيطالي لها دون الإعلان عن الحرب عليها باعتبار أنها دولة لا تستحق هذا الشرف.
عد الإمبراطور هيلا سلاسي الأول أول رئيس دولة يلتمس إنقاذ بلاده من موجات اعتداءات الدول الكبرى التي أوشكت أن تبتلع العالم آنذاك. وبالطبع لم يرجع الإمبراطور لبلاده من جنيف حاملاً شيئاً مما وُعِد به. ولكنه حينما عاد لجنيف مرة أخرى بعد حوالي ثلاثة عقود من ذلك التاريخ ذكر منظمة الأمم المتحدة التي خلفت عصبة الأمم بخطابه السابق، بقوله إنه كان قد خاطب الضمير العالمي حينها وتحدث بلسانه، وحذر العالم أجمع من مغبة التطلعات التوسعية للدول الكبرى آنذاك، ولكن كلماته ذهبت من دون أن يؤبه لها. ولكن التاريخ شهد على صحة تحذيراته تلك التي أطلقها حينذاك.
مما هو معروف أنه لم يمض سوى وقت وجيز على خطاب الإمبراطور هيلا سلاسي حتى حدث ما كان قد حذر منه، بعد أن استبانت للعالم حقيقة النوايا الإيطالية التوسعية الاستعمارية، بوالتي كانت قد ضمت إليها ليبيا واحتلت ألبانيا وصارت تؤمل في تحويل حوض البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إيطالية، وإنشاء إمبراطورية تمتد من أثيوبيا إلى ساحل غينيا الغربي، قبل أن تحيق بها الهزيمة في واقعة “كرن” التي وقعت أحداثها بين يومي 5 فبراير و1 أبريل 1941، تلك الحادثة التاريخية التي أبلى فيها الجنود السودانيون بلاء حسناً، خلده الغناء السوداني في أغنية “يجو عايدين ضباطنا المهندسين الفتحو كرن باينين يا الله”.
تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

لرفاق ما بعد الستين أوصيكم بالضحك

كثيرة هي الوصايا والنصائح الإرشادية اللازمة لمن تجاوز الستين قبل أن يتقدم أكثر في العمر. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا