الإثنين , سبتمبر 16 2024
أخبار عاجلة

17 يوليو يوم من أيام السودان

في مثل هذا اليوم 17 يوليو من عام 1963م احتشد بميدان الحرية بمدينة الأبيض عاصمة مديرية كردفان تلميذات وتلاميذ وطالبات وطلاب 43 مدرسة من كافة المراحل بالمديرية، وهم يحملون شتول الأشجار ويسيرون في موكب ضخم في مقدمته ثلاث فرق موسيقية، هي فرقة موسيقى الهجانة وفرقة موسيقى الشرطة وفرقة موسيقى مدرسة خور طقت الثانوية، وهي تصدح بالألحان الحماسية، فيتجاوب معها آلاف المواطنون الذين فاضت بهم جنبات الميدان، الذي توسطه صيوان ضخم امتلأ عن آخره بكبار الشخصيات السياسية والرموز الوطنية وقيادات العمل العام والخاص.
كانت المناسبة هي الاحتفال بأول عيد شجرة في السودان، والذي استهل بتلاوة مباركة من آي الذكر الحكيم، ثم كلمة رئيس المجلس التنفيذي بالمدينة ورئيس لجنة الاحتفال السيد سليمان وقيع الله الذي تحدث عن نشأة فكره عيد الشجرة والتخطيط لحاضرها ومستقبلها، بعد أن قام بإسناد الفكرة للمرحوم الدكتور الفاتح النور الذي كان قد جعل في 5 يونيو 1963 العنوان الرئيس لصحيفته كردفان “إن لم تزرع شجرة … فلا تقطع شجرة”. أعقبت ذلك كلمة السيد محافظ غابات كردفان عبد الرازق الجاك الذي تحدث عن أهداف عيد الشجرة وأهمية التشجير وقيمة الشجرة.
كانت ضربة بداية الغرس من نصيب الأميرال عمر ابراهيم العوض الحاكم العسكري للمديرية وقائد القيادة الوسطى الذي غرس أولى الأشجار معلناً ذلك بقوله: باسم الله، وعلى بركة الله، وباسم الإنسان في كل مكان، وباسم الأمة السودانية، وباسم مواطني كردفان، أغرس هذه الشجرة في عيد الشجرة الأول”. وانهالت بعد ذلك برقيات التهاني بالاحتفال، وفي مقدمتها برقية الناطق الرسمي لحكومة الفريق إبراهيم عبود، ونصها: “سرنا كثيرا قرار مجلس المديرية بتشجير إقليم كردفان وأسعدنا احتفالكم العظيم بعيد الشجرة.. إنها حقا فكرة جيدة وعمل كبير.. وحسب إقليمكم فخراً أن يسهم جيله الجديد في عمل جماعي لخير المجموعة.. إن ذلك لأصدق دليل على وعى شعبنا برسالته الحضارية.. وعلى عظمة أبناء كردفان الذين يتصدون دائما لكل عمل عظيم”.
بعد ذلك شرع عمال الغابات في تشجير الميدان حيث أقيم الاحتفال، ثم تحرك طابور الطلبة تقوده الفرق الموسيقية ليطوف شوارع المدينة، وقام الطلبة في الأثناء بغرس عشرة آلاف شتلة في المدارس والمساجد والميادين العامة. وفى نفس ذلك اليوم انتظمت المدن والمراكز الحضرية بإقليم كردفان نفرات تشجير كبرى. وفي عصر اليوم أقيم مهرجان رياضي كبير أمه كل سكان الأبيض والقرى المجاورة. واختتم اليوم بليلة ساهرة كبرى بدار الرياضة. وفي اليوم التالي وصفت الصحف اليومية القومية وقائع الاحتفال بيوم عيد الشجرة، الأول وـشادت به وبفكرته وبالقائمين عليها.

تواصلت الاحتفالات بعد ذلك سنوياً بهذه المناسبة في إقليم كردفان والأقاليم المجاورة حتى العام 1991م حين أصدر مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني وقتها قراراً بالرقم 268/1991 تحولت بموجبه المناسبة إلى مناسبة قومية يحتفل بها سنوياً في كافة ولايات السودان مع الالتزام بإدخال البيئة في كل مناهج التعليم بشتى مراحله. وبناءً عليه أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بتخصيص الحصة الأولى من اليوم الثاني من أكتوبر كل عام بكل مدارس السودان لتبصير التلاميذ بأهمية الشجرة وفوائدها وسبل حمايتها والمحافظة عليها.

وجدت المناسبة الرعاية والاهتمام من رئاسة الجمهورية إذ قادها رئيس الجمهورية في مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض ومدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، ونائب رئيس الجمهورية بمدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الازرق. وأولاها وزراء الزراعة والغابات وولاة الولايات رعايتهم وعنايتهم إشرافا وتشريفا في كافة الولايات تحت شعار “نحو سودان أخضر” وذلك من خلال مشاريع: “الغابات الشعبية”، “شجرة التلميذ”، “شجرة الفداء” “مخلاية الراعي” “إحياء سنة السواك” مسابقات المدارس “الأشجار ظلال ثمار وجمال”، الخ.
من المبادرات المبتكرة التي تم الإعلان عنها في مناسبات أعياد الشجرة مشروع “غابات-غاز” بهدف تقليص استهلاك حطب الوقود بنسبة 50% في خلال 5 سنوات من خلال تشجيع استخدامات الغاز الطبيعي الذي كان يحرق في الهواء عند بدء المشروع واستخدام بدائل الطاقة الأخرى كذلك. وصحب الإعلان عن المشروع قرار بخفض فئات الرسوم الجمركية على مواعين الغاز وملحقاتها من 30% الي 6%.
من الجوائز والحوافز التشجيعية التي كانت تطرح في أعياد الشجرة جائزة بمسمى “درع الجمهورية للغابات” لتتنافس عليه الولايات، وجائزة وزارة الزراعة والغابات باسم دكتور الفاتح النور ليتنافس عليها أصحاب الغابات الشعبية، وجائزة الهيئة القومية للغابات ليتنافس عليها أصحاب الحدائق والمشاتل المنزلية من الإفراد والمؤسسات.
من آثار الإيجابية لأعياد الشجرة الإسهام في رفع نسبة التشجير الشعبي إلى 40% من متوسط التشجير السنوي الكلي (الرسمي والشعبي) بالبلاد. ومن الأحداث التي وافقت احتفالات أعياد الشجرة صدور أول حكم قضائي في 3 أغسطس 2003 الذي وافق مناسبة عيد الشجرة رقم 40، من محكمة البيئة عند إنشائها والذي قضى بإعادة غرس أشجار بديلة لأشجار التي تم قطعها والغرامة 20 مليون جنيه سوداني عن كل شجرة.
من بعض دروس أعياد الشجرة، غرابة الطبيعة البشرية، كعدم تقبل الناس بجدية لأي خدمة تقدم لهم مجاناً وبلا مقابل. فعندما كانت أقسام الإرشاد الغابي تويع شتول الأشجار مجاناً، لم يكن أحد يولي عناية بتلك الشتول، وكانت نسبة نجاح المغروس منها لا يتجاوز نسبة 20%، ولما صار توزيع الشتول بأسعار رمزية، ازداد الطلب على الشتول وازدادت معه نسبة نجاح المغروس كذلك، وصار الناس يتسابقون على اقتناء الشتول بحر مالهم.
من طرائف عيد الشجرة، كان وزير الزراعة والغابات جديداً في موقعه ولم تمض عليه سوى أسابيع فيه حين دخل في مواجهة مع وزارة المالية التي امتنعت عن تمويل زراعة محصول القطن بإعلانه في المقابل تجميد زراعة المحصول ذلك العام، فتصاعدت الأزمة بعد أن أنجرت إليها وزارة الصناعة واتحاد المزارعين وأعلن مجلس الوزراء عقد جلسة طارئة لمناقشة الأزمة، في تلك الأجواء تقدمنا له بالدعوة لقيادة نفرة تشجير عيد الشجرة بالقضارف ذلك العام فكان رده: شوفو الناس في شنو وناس الغابات في شنو.
أخيراً، من وصاياه في الحروب عليه السلام: “لا تقطعوا شجرة..”. وإذا قامت القيامة (كما هي قائمة الآن ومنذ فترة) وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل. وأن من استن سنة حسنة (كالتي استنها الدكتور الفاتح النور) له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين. وأن الدال على الخير كفاعله، وبما أن الهيئة القومية للغابات قد دلت على الخير الذي فعله المرحوم الفاتح النور حتى تم منحه وسام النيلين تكريماً له، فلها هي أيضا ولكل من غرس شتلة في مناسبة عيد الشجرة التي تنطلق في الثالث من أغسطس من كل عام، أجراً كأجره بإذن الله وإلى يزم القيامة.
لا تفوتكم مناسبة هذا العام، أغرسوا فسائلكم.
تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

الجوافة وسر الحياة ( الجوافة سرها باتع )

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال قبل نحو عقد من الزمان وكنت حينها اعيش فى بريطانيا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا