أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان
كاتب راي في مجال البئة والغابات

ين العدل والادعاء: تشريعات الغابات في ضوء جلسة التحالف الوطني لليوم التصحر العالمي

• حتى هوميروس يخطئ أحيانًا، كما تقول أمثال العجم، ولكل جوادٍ كبوة، ولكل صارمٍ نبوة، ولكل عالمٍ هفوة، كما جاء في مأثور العرب.
• ولعل في هذا التذكير ما يهيئ النفوس لتقبّل النقد البناء إذا جاء من موضع احترام وتقدير، إذ إنّ العمل الجاد لا تُنقِص من قيمته الإحاطةُ الواعية والتبيين المنصف.
• في جلسة حوارية اتسمت بثراء النقاش وتنوع الرؤى وحرارة التفاعل، شارك فيها طيف واسع من أصحاب الخبرة الطويلة إلى شباب الباحثين والناشطين من نجوم الغد، واستمرت زهاء ثلاث ساعات، ولولا صرامة إدارتها وحُسن ضبطها، لامتد الحوار لساعات إضافية دون أن يفتر حماس المشاركين أو يتسلل إليهم الملل.
• نظم الجلسة “التحالف الأخضر السوداني، وقد ورد فيها – عرضاً – ما يستدعي التصحيح والتوضيح، حرصاً على الدقة، واحتراماً لسياق النقاش المهني الذي طبع الجلسة.
• فقد ورد – وعلى غير بيّنة – أن قانون الغابات والموارد الطبيعية المتجددة لسنة 2002 يُمثل نموذجاً للفوضى التشريعية، وهو توصيف لا يستند إلى أساس موضوعي، ويتنافى مع ما شهده إعداد هذا القانون من منهجية واضحة ومراجعات مؤسسية مدروسة.
• كما نسب إلى هذا القانون – خطأً – أنه يجيز للهيئة القومية للغابات إنشاء مجلس مهني للموارد الطبيعية، وهو ما لا يسنده نص في القانون.
• والأكثر مدعاة للاستغراب أن الجلسة وجهت اتهاماً للهيئة بأنها كانت أول من تنكر لهذا القانون، دون إيراد شواهد أو وقائع تبيّن كيف حدث ذلك، مما يجعل الزعم بحاجة إلى مراجعة وتدقيق.
• أولاً، يجدر التأكيد على أن قانون الغابات والموارد الطبيعية المتجددة لسنة 2002، الذي يتألف من ستة فصول وواحد وستين مادة، لا يتضمن أي نص يجيز إنشاء مجلس مهني مستقل للموارد الطبيعية.
• ثانيًا، وبالرجوع إلى القواعد الدستورية والمبادئ القانونية العامة، لا يجوز لجهاز تنفيذي مثل الهيئة القومية للغابات أن ينشئ مجلسًا مهنيًا يتمتع بسلطات تنظيمية أو استقلال وظيفي.
• وعليه، فإن الهيئة لم تُقدم من تلقاء نفسها على إنشاء مثل هذا الكيان، بل إن ما صدر في هذا الصدد كان قرارًا وزاريًا، لا ينسب إنشاؤه إلى الهيئة مباشرة، كما أنه لا يستند إلى نص في قانون الغابات لسنة 2002.
• صحيح أن التجربة لم تكن خالية من التحديات أو الإخفاقات، شأنها شأن أي جهد بشري. لكن وصف القانون الذي أُنجز بتوافق وطني واسع بالعشوائية، أو اتهام الهيئة بالتنكر له، يغفل كثيراً من الحقائق ويجافي ما تحقق فعلاً على الأرض من منجزات مؤسسية ومجتمعية.
• ومن باب تعزيز النقاش المهني البنّاء، أقترح أن نرجع إلى الكيفية التي تم بها إعداد هذا القانون، وإلى ما تلا ذلك من جهود لتطبيقه، حتى نقيّمه بموضوعية وتجرد: هل يمثل فعلاً نموذجاً للعشوائية في التشريع كما زُعم؟
• وأود أن أوضح أنني ما كنت لأخوض في هذا التوضيح لولا أن ما ورد من اتهام موجّه للهيئة – والذي نُشر على نطاق واسع – قد تضمّن إشارة إلى شخصي، تمسني مهنياً، فرأيت أنه من واجبي أن أوضح الأمر بكل احترام وموضوعية.
• وبما أن الجلسة كانت بصدد الحوكمة الرشيدة، فإنه من المناسب أن نحتكم إلى بعض مبادئ هذه الجوكمة —مثل المشاركة وإشراك المجتمعات المحلية—لاتخاذها معياراً في تقييم عملية إعداد هذه التشريعات وتطبيقها.
• أُعدّت هذه التشريعات – التي وُصِفت زوراً بالعشوائية – في إطار برنامج تعاون فني مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) بالرقم (TCP/SUD/2903).
• وجاءت هذه التشريعات ضمن مراجعة شاملة بمناسبة مرور قرن على تأسيس أول إدارة للغابات، وقد تناولت بالمعالجة السياسة القومية، والإصلاح المؤسسي، وتحديث الإطار التشريعي.
• قاد العملية من جانب الفاو خبير مختص من قسم السياسات ودعم الحوكمة، والسيد هندريك كوتسي المدير الأسبق لغابات جنوب أفريقيا، إلى جانب فريق من الخبراء الوطنيين.
• بدأت العملية بحوار وطني واسع، شمل استطلاعاً شارك فيه أكثر من 700 من ولاة وأكاديميين ومواطنين، وأسفر عن بلورة مبادئ حاكمة، ورؤية مستقبلية، وتطلعات وأهداف قومية واضحة.
• استندت التطلعات القومية (8 تطلعات) إلى أولويات المعنيين التي كشفتها نتائج المسح الوطني، إلى جانب الأجندة السياسية والتنموية والقضايا البيئية الدولية.
• وقد تركزت هذه التطلعات، نذكر منها لأغراض هذا المقال، تعزيز الحكم الرشيد في قطاع الغابات، تحسين سبل العيش، توسيع المشاركة الشعبية، وتطوير فرص التوظيف والدخل.
• تهدف الأهداف المباشرة (8 أهداف) إلى ترجمة التطلعات القومية الثمانية إلى مشروعات وأنشطة عملية. ومن بين هذه الأهداف التي نختصرها لأغراض هذا المقال: تحديد مهام الهيئة وتعزيز قدراتها المؤسسية، ضمان الاستدامة في إدارة الغابات، تأمين حقوق حيازة الأراضي، وتطوير المنتجات الغابية غير الخشبية.
• ولأن الأهداف وحدها لا تكفي، فإن فاعلية السياسة مرهونة بتحويلها إلى برامج تنفيذية على الأرض
• وقد جسدت الهيئة القومية للغابات هذا الالتزام باتباع نهج منظم في إعداد السياسة وتفعيلها، دون أن تتنكر لتشريعاتها أو تخرج عن إطارها القانوني.
اللسؤال المطروح هو: ما الذي حققته تجربة إعداد هذه التشريعات من حيث مدى المشاركة في إعدادها، وتطبيق مبدأ المشاركة الشعبية؟ وهما المعياران المعتمدان لدينا لتقييم تشريعات الغابات في ضوء مبادئ الحوكمة الرشيدة في هذا المقال.
• من حيث الإعداد، فيُعد إعداد عذع التشريعات نموذجاً جيداً نسبياً للحوكمة الرشيدة، خاصة من حيث مدى المشاركة، الشفافية، الرؤية الاستراتيجية.
• أما من حيث التطبيق، فتُظهر التجربة الممتدة منذ إعداد هذه التشريعات اتساقاً واضحاً مع التطلعات القومية لباس اخذناها معياراً في هذا المقا، وهي المشاركة الشعبية وتتحسين سبل العيش، مما ينفي عن هذه التشريعات أي شبهة بالعشوائية.”
• فمنذ العام 2002 اتبعت الهيئة القومية للغابات نهجاً تعاونياً مثلاً في تنظيم صغار منتجي الصمغ العربي عبر جمعيات محلية، ساهمت في تقنين الحيازة، وتمكين المجتمعات من إدارة مواردها الغابية وخدمة نفسها ذاتياً.
• قد أثمرت هذه التجربة عن نتائج ملموسة، تمثلت في زيادة إنتاج الصمغ بنسبة 65%، ورفع العائد النقدي من 15% إلى 50% من سعر الصادر. كما أسهمت الجمعيات في تنفيذ مشروعات خدمية شملت البنية التحتية،
• كما أحدث المشروع تحولاً ملموساً في نمط حياة المجتمعات المحلية، حيث تراجع الاعتماد على مياه الأمطار والآبار التقليدية لصالح مصادر مياه نظيفة من الخزانات، وانتشرت المباني حول هذه المنشآت، وتغيّرت أنماط البناء من المواد التقليدية إلى الجالوص والبلك.
• تطورت تجربة جمعيات منتجي الصمغ العربي بشكل لافت منذ بدء تنظيمها عام 2002، إذ ارتفع عددها من 22 إلى 4223 جمعية تضم نحو 432 ألف منتج، ما يشكّل قاعدة اجتماعية تقارب مليوني مواطن من الفئات المهمشة.
• ولئلا يُظن أننا نجمل التجربة برؤية ذاتية، نُحيل إلى شهادة موثقة للخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، المرحوم إبراهيم منعم منصور، الذي أشار في مذكراته إلى أن تماسك المنتجين وتدخل الهيئة القومية للغابات بقيادة عبد العظيم، وبدعم من الأب الروحي للغابة السودانية كامل شوقي (هكذا وردت في ص 336–337 من المذكرات)، كانا عاملين حاسمين في إنقاذ قطاع الصمغ العربي من مصير الحبوب الزيتية.
• ووصف خبير الفاو هندريك كوتسي تجربة الهيئة في المشاركة الشعبية بأنها من أنجح النماذج في تنمية المجتمعات المحلية بالغابات الإفريقية، وعدّها إحدى الدرر النادرة في هذا المجال.
• أحدث قانون الغابات والموارد الطبيعية المتجددة لسنة 2002 نقلة نوعية بتوسيع صلاحيات الهيئة القومية للغابات، وتعزيز دور الولايات، وإشراك الإدارة الأهلية. كما نصّ على ضم إدارة الموارد الطبيعية للهيئة وشدد العقوبات على المخالفات البيئية.
• غير أن تنفيذ القانون تعثر في بعض جوانبه بسبب قانون الهيئات الحكومية لسنة 2003، الذي أخضع الهيئات العامة لوزارة المالية، مما أدى إلى تجميد إنشاء الهيئة السيادية المشرفة على الغابات والموارد الطبيعية المقترحة في الغابات، وتعطيل قيام شرطة غابات متخصصة.
• هكذا عطل التعارض بين القانونين تنفيذ الهيكل المؤسسي الذي بشر به قانون 2002. فهل كان ذلك تنكراً من أهل الغابات لتشريعاتهم، أم تجسيداً لتناقض بين الإرادة التشريعية والقيود الإدارية والمالية المفروضة لاحقاً؟
• يعد العدل والإنصاف في إصدار الأحكام من ركائز الحوكمة الرشيدة، وأحسب أن جلسة التحالف الأخضر حول الحوكمة البيئية قد التمست هذا النهج، حين فتحت الباب لنقاش متوازن. وهكذا ينبغي أن يكون تناول قضايا الغابات وتشريعاتها: بميزان الإنصاف لا بسطوة الانطباع.
• تشريعات الغابات لعام 2002 قامت على أسس الحوكمة الرشيدة، وجاءت عبر عملية تشاركية شاملة. وما يُظن أنه عشوائية أو تنكر إنما هو نتيجة لتعقيدات مؤسسية لاحقة حالت دون التنفيذ الكامل، وليس عيباً في أصل التشريع ذاته.
• حتاماً، إن أردتم نموذجاً واضحاً للعشوائية، فأنظروا إلى قانون التصحر لسنة 2009. فقد نشأ في بدايته عن حوار وطني واسع، لكنه تعرض لاحقاً في العام 2020 للتعديل والاختزال بطريقة أحادية، معزولة عن الرأي الجماعي، كما هو معلوم للكافة، خاصة والتصحر هو موضوع ومناسبة الجلسة في ذات الوقت.

آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع ايكوسودان نت موسسة السموءل حسن بشري بدوي موقع لخدمة الإعلام التنموي والاقتصاد الرقمي

شاهد أيضاً

يوفر مليارات الدولارات.. قمح خارق يُحدث ثورة في الزراعة العالمية

رضا أبوالعينين البيان طور علماء من جامعة كاليفورنيا في ديفيس نوعا جديدا من القمح قادرا …

البيئة بيتنا