تعد الذرة من أعرق وأهم المحاصيل الغذائية في السودان، وتلعب دورًا محوريًا في تشكيل الأمن الغذائي للمجتمع السوداني، خصوصًا في الأقاليم الريفية والمناطق الزراعية المطرية والمروية على حد سواء. وقد عرفت الزراعة السودانية أصنافًا عديدة من الذرة، تمايزت من حيث الحجم واللون، وتعددت خصائصها الزراعية والغذائية، بما يعكس غنى التنوع البيئي والثقافي للبلاد.
أولًا: الذرة حسب حجم الحبة ولونها
في هذا التصنيف، نجد الذرة السودانية تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين هما:
المُقد: وهي ذرة ذات حبات كبيرة الحجم، وتتنوع إلى:
المقد البط (ذو اللون الأصفر)
المقد الفرهيدة (ذو اللون الأبيض)
المقد الأحمر (يتميّز بطول الساق وانحناء قندوله)
العَكر: وهو نوع ذو حبات صغيرة، ويُستعمل عادة كعلف للحيوانات. وله أيضًا أنواع:
العكر الأبيض
العكر أبو غباشة
العكر الأحمر، الذي يعرف بساقه القصيرة وطعمه الحلو المفضّل للماشية
ثانيًا: الأصناف الشائعة في الزراعة والاستهلاك
من بين أكثر الأصناف انتشارًا نجد:
الطابت: ذرة بيضاء بحبات كبيرة وساق طويلة، تعتبر من أكثر الأنواع استهلاكًا.
الدبر: يزرع في المناطق الجافة ويتنوع إلى الدبر العادي، دبر طابت، ودبر ألفا (1 و2).
الحِجيري: يُعرف بلونه الأبيض الشفاف وقندوله الصغير.
الذِّريزيرة: حبها أبيض وساقها طويلة، وتُستخدم في العصيدة.
الفيتريتة: صنف ذو حبات كبيرة، منه نوعان: الفيتريتة العادية والعريانة.
فكي مستحي: اسم طريف لصنف يمتاز بقندوله الكبير المنحني وساقه الطويلة.
عجب سيدو والكوروكولو: من الأصناف السريعة النمو والغزيرة الإنتاج.
ثالثًا: أصناف ذات خلفيات تاريخية أو خصائص مميزة
توجد أيضًا أنواع دخلت السودان عبر الإغاثات أو انتشرت بفضل خصائصها الزراعية الخاصة، منها:
كير: نوع ارتبط باسم منظمة “كير” التي أدخلته في فترة الجفاف عام 1984، وتنوعت ألوانه بين الأبيض والأحمر والأصفر.
باسفك: صنف لا يمكن إعادة زراعته أكثر من مرة، رغم إنتاجيته العالية.
ود باكو: ذو ساق طويلة وقندول صغير، يتميز بحبته الصغيرة البيضاء.
ارفع قدمك وعرفة: تسميات شعبية تعكس العلاقة الحميمة بين المزارع والمحصول، وتدل على طابع محلي في التسمية والتذوق.
رابعًا: أهمية الذرة في السودان
تمثل الذرة حجر الزاوية في غذاء معظم السكان، كما تدخل في صناعة الخبز التقليدي والكسرة والعصيدة، بالإضافة إلى كونها مكونًا أساسيًا في علف الحيوانات، ما يربطها بشكل مباشر بالثروة الحيوانية في السودان. وبفضل تنوع أصنافها، فإنها تلبّي احتياجات المناطق الجافة والمروية، كما تسهم في الاقتصاد الريفي والمعيشي لشرائح واسعة من السكان.
…
إن تنوع أصناف الذرة في السودان ليس مجرد تباين زراعي، بل هو مرآة للتنوع الثقافي والمناخي في هذا البلد الغني. من “فكي مستحي” إلى “عجب سيدو” و”كير”، تحمل كل حبة ذرة حكايةً من الأرض، وذاكرة من الصبر والإبداع في وجه التحديات المناخية والزراعية. واليوم، ومع تنامي الجهود في تطوير الأصناف المحلية والهجينة، تبقى الذرة — أو كما يسميها أهل السودان “العيش” — غذاءً للمستقبل، وجسرًا نحو الاكتفاء الذاتي.