أظهرت أحدث البيانات الدولية أنّ الجزائر رسّخت موقعها كأحد المنتجين الأساسيين للتفاح في المنطقة. بعدما حلّت الثالثة عربيًا والرابعة إفريقيًا والخامسة والعشرين عالميًا. بإنتاج بلغ 540 ألف طن سنة 2022، أي ما يعادل 0.57% من الإنتاج العالمي. هذا الترتيب يعكس تحوّلًا لافتًا في موقع الجزائر داخل أسواق الفاكهة العالمية. ويكشف ديناميكية مستمرة في قطاع يعتمد على الجغرافيا والمناخ والاستثمارات طويلة المدى.
وأثبتت أرقام الفاو التي اطّلعت عليها تادامسا نيوز أنّ الجزائر أصبحت جزءًا محوريًا من ثلاثي الإنتاج العربي الذي يقود شعبة التفاح في المنطقة. إذ حلّت مباشرة خلف كل من مصر والمغرب. فقد جاءت مصر في المرتبة الأولى عربيًا بإنتاج يناهز 934 ألف طن. تليها المغرب بـ923 ألف طن ثم الجزائر في المرتبة الثالثة بإجمالي 540 ألف طن. وبعد هذا الثلاثي. ينخفض الحجم الإنتاجي بشكل واضح لدى باقي الدول العربية. حيث تسجّل سوريا نحو 332 ألف طن، ولبنان 248 ألف طن، وتونس 127 ألف طن. ثم العراق بـ78 ألف طن، واليمن بـ35 ألف طن، فالأردن بـ16 ألف طن، وأخيرًا ليبيا بـ10 آلاف طن فقط. ويبرز هذا التوزيع أنّ مركز الثقل الإنتاجي العربي يتمركز فعليًا في شمال إفريقيا. وهو ما يضع الجزائر في قلب هذا المحور خلف مصر والمغرب، ومتقدمة على دول ذات تاريخ زراعي طويل في زراعة التفاح مثل سوريا ولبنان
هامش توسّع جزائري داخل سوق تفاح إفريقية رباعية القطب
كما يعزز هذا التموضع العربي حقيقة أنّ الجزائر، رغم اعتمادها على مناطق جبلية تقليدية في ولايات مثل البويرة، باتنة، خنشلة، المدية، تيبازة وسيدي بلعباس. ورغم محدودية شبكات الري الحديثة وغياب صناعة تخزين وتصدير متطورة. نجحت في الاقتراب من مستوى إنتاج بلدين استثمرا بكثافة في إعادة هيكلة منظوماتهما الفلاحية. فالمغرب اعتمد على توسع كبير في الري الموضعي وربط الإنتاج المباشر بالأسواق الأوروبية. بينما استفادت مصر من مساحات واسعة للأراضي المسقية ومن سوق داخلية ضخمة تعد عنصرًا حاسمًا في امتصاص الإنتاج. وفي المقابل، حققت الجزائر مرتبتها بمنظومة أقل حداثة وأقل ارتباطًا بالسوق الدولية. ما يبيّن أن هامش التطور المستقبلي لديها لا يزال واسعًا.
وعلى المستوى الإقليمي، تتصدر جنوب إفريقيا المشهد، الأمر الذي يعيد إبراز مكانة الجزائر داخل القارة. فوفق بيانات الفاو، تنتج جنوب إفريقيا نحو 1.23 مليون طن من التفاح، لتحتل المرتبة الأولى بفارق كبير عن بقية الدول، تليها مصر في المرتبة الثانية، ثم المغرب، فيما تأتي الجزائر الرابعة بإنتاج يبلغ 540 ألف طن. وبعد هذا الرباعي. يتراجع الإنتاج بشكل حاد لدى تونس التي لا تتجاوز 127 ألف طن، ثم ليبيا بـ10 آلاف طن، ومدغشقر وزيمبابوي بـ7 آلاف طن لكل بلد، ومالاوي بـ3 آلاف طن، وأخيرًا كينيا بـ2 ألف طن فقط. وتُظهر هذه الخريطة أنّ سوق التفاح الإفريقية ترتكز فعليًا على أربعة أقطاب رئيسية هي: جنوب إفريقيا، مصر، المغرب، والجزائر، بينما تبقى مساهمات الدول الأخرى محدودة وغير مؤثرة في ميزان العرض القاري.
ويسهم هذا الموقع في إعادة تعريف منافسة الجزائر داخل فضاء لا تحكمه الاعتبارات الجغرافية العربية وحدها. بل تحدده قدرة الدول على تطوير سلسلة إنتاج متكاملة. فجنوب إفريقيا تستند إلى بنية فلاحية وتجارية ناضجة، وإلى خبرة طويلة في التصدير، بينما تستفيد مصر والمغرب من منظومات ري وعمليات ما بعد الجني ذات فعالية عالية. أما الجزائر، فتظل سوقًا داخلية في المقام الأول، مع إمكانات تصديرية لم تُستثمر بعد بالشكل المطلوب. ومع ذلك، يمنحها حجم إنتاجها موقعًا قابلًا للتطوير، خاصة تجاه أسواق الساحل الإفريقي ودول الجوار التي تعتمد بشكل واسع على واردات الفواكه من منافذ أوروبية ومغاربية.
حضور عالمي معتبر وفجوة فيما بعد الجني
وعلى الصعيد العالمي، تتّضح الصورة أكثر من خلال هيمنة القوى الزراعية الكبرى على سوق التفاح. فالصين تستحوذ بمفردها على نحو نصف الإنتاج العالمي، بإجمالي يفوق 47.5 مليون طن، تليها تركيا بـ4.8 ملايين طن، ثم الولايات المتحدة بـ4.4 ملايين طن، فبولندا بـ4.26 ملايين طن، ثم الهند وروسيا وإيطاليا وإيران وفرنسا وتشيلي وأوزبكستان وجنوب إفريقيا. وضمن هذا الترتيب، تأتي الجزائر في المرتبة الخامسة والعشرين عالميًا بنسبة 0.57% من الإنتاج العالمي. ورغم أن هذه النسبة تبدو محدودة مقارنة بالدول الكبرى، إلا أنها تعكس وجود الجزائر في قائمة المنتجين المعترف بهم عالميًا، ومتقدمة على عشرات الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية التي فقدت وزنها النسبي في هذا القطاع.
وتؤكد المعطيات الميدانية أن هذه الأرقام ليست معزولة عن واقع إنتاجي يتوسع عامًا بعد عام. فقد تحولت ولايات مثل البويرة وباتنة وخنشلة والمدية وتيبازة وسيدي بلعباس إلى أحواض إنتاج رئيسية، بفضل المناخ الجبلي أو شبه الجبلي الذي يسمح بإنتاج أصناف متعددة. ومع ذلك، لا يزال القطاع يعاني من فجوة واضحة بين حجم الإنتاج وإمكانات المعالجة والتسويق؛ إذ لم يواكب هذا التوسع تطور مماثل في شبكات الري العصري، أو في قدرات التخزين والتبريد والنقل، ولا في بنية الصناعات التحويلية الموجهة للتفاح، وهو ما يفسر محدودية حضور الجزائر في أسواق التصدير.
نموذج جزائري أقل استنزافًا…
وفرص توسّع تنافسية واعدة
كما تفتح المقارنة المباشرة مع مصر والمغرب بابًا أوسع للتحليل لصالح النموذج الجزائري. فمصر تعتمد، وفق بيانات الفاو نفسها، على وفرة الموارد المائية المسخرة للزراعة وعلى سوق محلية ضخمة تمتص جزءًا معتبرًا من الإنتاج. أمّا المغرب، فيستند إلى استراتيجية فلاحية تقوم على توجيه جزء كبير من موارده، وعلى رأسها المياه الجوفية، إلى زراعات موجهة للتصدير مثل التفاح والطماطم، في إطار سياسة تسويق خارجي مكثفة، رغم ما يثيره هذا الخيار من انتقادات متزايدة تتعلق بكلفة استنزاف الموارد المائية على المدى الطويل، وانعكاساته على الفئات الهشة التي تعيش أوضاعًا اجتماعية صعبة.
في المقابل، تعتمد الجزائر على نموذج إنتاج جبلي وتقليدي أقل استنزافًا للموارد. مع توجيه الغالبية الساحقة من الكميات نحو السوق الوطنية، ورغم غياب مشاريع كبرى مهيكلة للتصدير حتى الآن. إلا أن تموضعها في المرتبة الثالثة عربيًا والرابعة إفريقيًا يؤكد أن القطاع يمتلك هامش نمو واسعًا. خاصة إذا تم الاستثمار في تحديث المنظومة التقنية والتسويقية، وتوسيع الرقعة الجغرافية للإنتاج نحو الهضاب العليا، بما يضمن تعظيم العائد الاقتصادي مع الحفاظ على توازن الموارد الطبيعية.
ويطرح الترتيب العالمي سؤالًا مركزيًا يتعلق بكيفية المحافظة على هذا الموقع في ظل بنية لوجستية لا تزال في طور التطوير. وتكمن الإجابة في ثلاثة محاور أساسية: تحسين عمليات ما بعد الجني من فرز وتوضيب وتغليف، وتوسيع شبكة التخزين البارد لتقليص الضغط الموسمي. وتوجيه الإنتاج نحو أصناف مطلوبة دوليًا من حيث المعايير والجودة. وبذلك يتحول رقم 540 ألف طن من مجرد مؤشر إحصائي إلى قاعدة قابلة للبناء عليها. خصوصًا إذا ارتبطت بإنشاء وحدات تحويلية قادرة على رفع القيمة المضافة قبل دخول الأسواق الخارجية.
كما تؤكد بيانات الفاو في النهاية أن موقع الجزائر في هذه المراتب المتقدمة عربيًا وإفريقيًا وعالميًا يعكس مسارًا إنتاجيًا تصاعديًا. ناتجًا عن تراكم خبرات فلاحية ممتدة في المناطق الجبلية والهضابية، رغم محدودية الدعم اللوجستي. ويضع هذا المسار الجزائر أمام فرصة حقيقية للانتقال من إنتاج موجّه للاستهلاك المحلي إلى إنتاج قابل للتنافس إقليميًا ودوليًا، بشرط تعزيز البنى التحتية، وتحسين سلاسل القيمة. وربط الزراعة بالصناعة الغذائية والتجارة الخارجية بشكل أوثق.
ايكوسودان نت التنمية مستقبلنا