تقرير / الاستاذ احمد الامين قسومة
يُحتفى باليوم الدولي للمتطوّعين في 5 ديسمبر من كل عام، وهي مناسبة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1985 تقديرًا لدور المتطوعين في تعزيز التنمية، وترسيخ قيم التضامن، وبناء مجتمعات أكثر قدرة على التكيّف والصمود. ويحمل يوم المتطوّعين لعام 2025 أهمية خاصة، إذ يشهد الإطلاق الرسمي للسنة الدولية للمتطوعين من أجل التنمية المستدامة (2026) تحت شعار «كل إسهام يصنع فارقًا»، تأكيدًا على أن التطوع ليس نشاطًا ثانويًا، بل قوة محركة للتغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة.
أهمية اليوم الدولي للتطوع عالميًا
يمثل هذا اليوم منصة عالمية للاعتراف بجهود أكثر من مليار متطوع حول العالم يساهمون بطرق رسمية وغير رسمية في دعم مجتمعاتهم. ويعمل المتطوعون عادة في ظروف صعبة، لكنهم يقدّمون إسهامات جوهرية تشمل:
تعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن بين الأجيال؛
دعم برامج التنمية المستدامة؛
تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة الأزمات؛
سد الفجوات التي تعجز الحكومات أو المؤسسات الرسمية عن تغطيتها.
أهمية اليوم الدولي للتطوع بالنسبة للسودان في الوقت الراهن
تأتي أهمية هذا اليوم في السودان مضاعفة نظرًا للظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. فقد تعطلت مؤسسات الدولة الخدمية، وانهارت قطاعات الصحة والتعليم والإغاثة، ما جعل جهود المتطوعين شريانًا رئيسيًا لبقاء ملايين المواطنين.
1. سدّ الفراغ الإنساني والخدمي
مع توقف العديد من المؤسسات الحكومية والمنظمات الأجنبية عن العمل في أجزاء واسعة من البلاد، لعب المتطوعون السودانيون دورًا محوريًا في:
توفير الغذاء والمياه للمحتاجين؛
تشغيل مراكز الإيواء؛
تنظيم حملات الإسعاف والدعم الطبي؛
إيصال الدواء للمرضى وكبار السن
2. تعزيز التضامن الاجتماعي
لدور المتطوعين أثر كبير في ترميم النسيج الاجتماعي الذي تضرر بفعل النزوح والانقسام. فقد عملوا في مناطق النزاع والمناطق المستقبِلة للنازحين على:
دعم الأسر المضيفة؛
تنظيم مبادرات التعليم الطارئ؛
مساعدة الأطفال والنساء على التأقلم مع ظروف الحرب.
3. دعم صمود الاقتصاد المحلي
من خلال مبادرات تمويل صغيرة، وجمع موارد محلية، وتشغيل مطابخ مجتمعية، ساهم المتطوعون في خلق حلول محلية في وقت شحّت فيه الموارد الرسمية.
4. حماية الشباب من آثار الحرب
أتاحت المبادرات التطوعية مساحة لآلاف الشباب للانخراط في عمل إيجابي، مما خفف من مخاطر الفراغ، والعنف، والصدمات النفسية.
نماذج من الأعمال التطوعية في السودان خلال الحرب
رغم الأوضاع بالغة الصعوبة، قدّم المتطوعون في السودان مبادرات ملهمة، أبرزها:
لجان المقاومة ولجان الخدمات بالأحياء
قامت بتسيير مطابخ جماعية لإطعام النازحين والأسر الفقيرة.
نظمت حملات نظافة وصيانة للمرافق العامة.
ساهمت في تشغيل نقاط مياه بديلة بعد تعطل الشبكات.
مبادرات “المستجيبين الأول” (First Responders)
فرق تطوعية شبابية أنقذت آلاف العالقين في مناطق الاشتباكات.
قدمت خدمات إسعاف أولي وإخلاء طبي بمعدات بسيطة وبخطورة عالية.
مبادرات دعم المستشفيات والمراكز الصحية
توفير الدواء والمحاليل عبر حملات تمويل مجتمعية.
تشغيل أقسام الطوارئ في بعض المناطق التي توقف فيها الطاقم الطبي الرسمي.
مبادرات تطبيب متنقل لدعم كبار السن والحوامل.
مطابخ ومراكز الإيواء المجتمعية
“مطبخ الخير”، “مطبخ الأمل”، “سواعد الخير” وغيرها قدمت آلاف الوجبات يوميًا.
مراكز إيواء تطوعية استقبلت نازحين من الخرطوم ودارفور وكردفان.
مبادرات التعليم الطارئ
مجموعات معلمين متطوعين قدموا دروسًا مجانية للأطفال النازحين.
إنشاء فصول بديلة داخل مراكز الإيواء والمساجد.
مبادرات الدعم النفسي الاجتماعي
جلسات دعم للأطفال الذين تعرضوا للصدمات؛
مبادرات للنساء لمساعدتهن على تجاوز آثار فقدان العمل أو النزوح.
مبادرات توثيق وجمع البيانات
فرق شبابية جمعت معلومات ميدانية عن الاحتياجات الإنسانية، لتساعد المنظمات الدولية لاحقًا في التخطيط.
إن العمل التطوعي ليس مجرد نشاط اجتماعي فحسب، بل هو عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ويجسد معاني الإيثار والرحمة التي دعا إليها الإسلام. قال الله تعالى:
{وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}
— مما يدل على أن كل مبادرة تطوعية، صغيرة كانت أو كبيرة، هي طريق للبركة في الدنيا والآخرة.
فالتطوع يعكس جوهر الدين الإسلامي الذي يقوم على العطاء، والنية الصالحة، وخدمة الآخرين، وتحقيق الخير العام، وهو خُلُق رسّخه النبي ﷺ عمليًا بقوله وفعله
يمثّل اليوم الدولي للتطوع فرصة لتقدير الجهود البطولية لآلاف المتطوعين السودانيين الذين حملوا مسؤولية حماية المجتمع في إحدى أحلك الفترات في تاريخ البلاد. وفي ظل إطلاق السنة الدولية للمتطوعين من أجل التنمية المستدامة 2026، يصبح من الضروري الاعتراف بدور المتطوعين السودانيين وتعزيز قدراتهم، ودمج العمل التطوعي ضمن خطط التعافي وإعادة البناء.
إن التطوع في السودان لم يكن مجرد فعل خيري، بل أصبح شبكة أمان إنسانية أنقذت ملايين الأرواح، وجسّدت أسمى قيم التضامن والإنسانية في زمن الحرب.
التطوع عالميا :
ايكوسودان نت التنمية مستقبلنا