ثالثة الاثافى
د. عبد الماجد عبد القادر
السودان بلد واسع مساحته كبيرة جداً لدرجة الإزعاج حيث تعادل مساحته أكثر من عشر دول من دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة … وعلى الرغم من أن الرقم الذي يقول بأن مساحة السودان “القديم” هي مليون ميل مربع إلا أن هذا الرقم مشكوك فيه حيث أنه حدثني بعض من لا أشك في صدق روايتهم أن مساحة السودان أكبر بكثير من مليون ميل مربع وأن “المسَّاحين” عندما أرسلهم الخواجات للمساحة وعندما كان الصراع محتدماً بين الأوروبيين المستعمرين حيث كان الفرنسيون يحاولون احتلال دول غرب إفريقيا والإيطاليون يحاولون التوسُّع في شرق إفريقيا فقد كان الإنجليز يحاولون السيطرة على وسط إفريقيا وقاموا باحتلال السودان ” أبو من غير جنوب” ثم ضموا إليه الجنوب تحت مظلة المناطق المقفولة.. ويبدو أن المسَّاحين (زهجوا) من المأمورية الطويلة وحسبوا الأميال حتى كلوا وملوا وملت الدواب والحمير وكل وسائل النقل الحديثة والقديمة… وبعض المسّاحين “اشتاقوا” لأولادهم فقرروا أن مساحة السودان هي مليون ميل مربع لا تزيد بوصة ولا تنقص بوصة… وبالطبع كان هذا الرقم في ذات نفسه هو أحد الأرقام التي تجبرك على الاعتقاد بأن هناك “حاجة ما صاح” …. والخلاصة أن مساحة السودان القديم أكثر من مليون ميل مربع…. وحتى بعد ذهاب الجنوب والحمد لله فإن المساحة تقارب مليون وتسعمائة ألف كيلو متر مربع ..
ومع كل تلك المساحات (الفاضية) فإن وزارة الاستثمار أو وزارة الزراعة عندما تقوم بالتصديق لأحد المستثمرين بقطعة أرض لاستزراعها بعد استصلاحها تقابله الكثير من العقبات منها أن هذه الأرض تتبع أو مسجلة بأسماء أشخاص ماتوا وفاتوا عن هذه الفانية… ومنها أن هذه الأرض “تركة” لمجموعة من النساء والرجال والأطفال وهؤلاء (تزوجوا وولدوا وطلقوا وعرسوا تاني وولدوا تاني) وبالتالي (تفرِّق دم) هذه المساحة بين القبائل… وعندما يأتي المستثمر لاستغلال الأرض في أي “خلاء” أو أي مكان “فاضي” وعندما يُحضر الآلات والبلدوزرات يقابله الناس من كل فج عميق وهم يحملون (العكاكيز والعصي والهراوات والنبوت) وبعضهم يهلل ويكبر وبعضهم يصيح ويقول “دخلوها وصقيرها حام” وآخرون يقولون “وروني العدو وأقعدوا فرَّاجة” وعندها بالطبع يرجع المستثمر لأهله ويترك حاجة اسمها استثمار بالسودان وتظل الأرض قاعاً صفصفاً إلى يوم يبعثون. وأخونا البروف محمد عبد الله الريح روى القصة الخاصة بالمستثمر الذي تحصل على تصديق الجهات المختصة… وأحضر المال والدولارات واستورد الطلمبات والعربات والجرارات وبدأ في إقامة الترعة الكبيرة من النيل وحتى أقصى الصحراء مروراً بالمنطقة الحجرية التي ظلت “قاعدة ساكت” منذ عهد عبد الله التعايشي وحتى الإنقاذ…. ولكن اعترضه ” الجمهور الكريم” …. وبعضهم ادعى أن جدهم كان “يبول” تحت الشجرة الكبيرة “ديك” وأحدهم قال إن العظام المنثورة هي عظام الحمير التي كان يملكها جده الرابع عشر…. وبعضهم قال إن جده الثالث تصادف أنه كان مسافراً و”قضى الحاجة” في هذه المنطقة قبل مائة وتسعين عاماً…. والمستثمر عرض عليهم أن يُعطي كل واحد منهم عشرين فداناً ليزرعها مجاناً ويقسم معهم الأرباح ويقيم لهم المدارس والمساجد والمستشفى ثم بعد ذلك يترك لهم الأرض لصالحهم بعد ثلاثين عاماً ولكنهم رفضوا رفضاً باتاً… والمستثمر رجع إلى أهله ولم يتمكن من إرجاع الجزء الذي استثمره. والآن نقول إن على الحكومة أن تقوم “بقلع” الأراضي ومصادرتها بغرض الاستثمار قبل تخصيصها ومن يعترض “يشيل شيلتو.
ولا يهمنا إن كان جدهم أو جدتهم قد بال أو قضى الحاجة في هذه الأرض أو تلك…