ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر
لما كان المسؤول عن المؤسسة في (إجازة عمل) خارج البلاد، عندما وصل الخبر بوفاة عمته فقد قام مدير مكتبه باللازم حيال هذا الموضوع (الهام جداً) وحاول إبراز كل مقدراته وإمكانياته الموروثة والمكتسبة حتى يتم (إخراج) هذه المناسبة بما تستحقه من (هيل وهيلمانة).
وقد قام مباشرة بعد سماع الخبر بإجراء الاتصالات التلفونية بكل زملاء وأصدقاء المسؤول في الداخل والخارج باحثاً عنهم في الوزارات والمؤسسات وفي الولايات البعيدة والمحافظات النائية، واستطاع مدير المكتب مستعيناً (بسرب) من السكرتيرات من أن ينفذ (مائة وثمانية عشر اتصالاً تلفونياً بالأقاليم، وتسعة وثمانين اتصالاً عالمياً شملت المعارف والأقارب بدول العالم الثالث وأمريكا اللاتينية وأوروبا الغربية ودول البلطيق وهلم جراً.
وكلف المدير الهمام من يقوم بنشر خبر نعي عمة المسؤول في كل الصحف المحلية وبصفحة كاملة تشتمل على صورة المرحومة (عمة المسؤول) ثم نشر نعي من جميع القطاعات التابعة للمسؤول وفي كل الصحف السيارة ولمدة أسبوع كامل تقوم فيه (الجهات التابعة) بتقديم واجب العزاء للمسؤول في وفاة عمته وتذرف الدمع الثخين على فراق (عمة المسؤول)
وفوق كل هذا تم إخطار المتعاملين مع المسؤول والذين (اجتهدوا) في نشر إعلان النعي في صفحات كاملة مقرونة بصورة المسؤول وصورة المرحومة (عمة المسؤول) وتضرعوا لله القدير ألا يري المسؤول مكروهاً آخر.
وقام المدير (الهمام) بتجهيز السيارات التي ستذهب إلى قرية عمة المسؤول لحضور مراسيم الدفن حيث تم تخصيص أربعة بصات واثنين من البكاسي وواحد لاندركروزر لكبار المعزين وواحد لوري للعمال. وخصصت البصات للنساء العاملات والموظفات وعددهن ست وثلاثين حيث كان من الضروري ذهابهن جميعاً لمؤازرة زميلتهن (بنت عمة المسؤول) وكل مؤهلاتها أنها بنت عمة المسؤول.
ولم ينس مدير المكتب أن يشحن في اللوري المرافق لوفد العزاء كميات كبيرة من الأرز والعدس والسكر والدقيق والذرة والزيوت لزوم مساهمة المؤسسة في إحياء ليالي المأتم الخاصة بعمة المسؤول رحمها الله رحمة واسعة.
وعند عودة المسؤول من سفره في (إجازة العمل) بخارج البلاد تم اخطاره بالمجهود الكبير الذي بذلته كل القطاعات والأقسام (بالمؤسسة) مؤازرة للمسؤول في وفاة عمته الوحيدة وما قام به مدير المكتب من إنجاز فاق حد التصور، فقد قرر سيادته منح المدير ترقية استثنائية والموافقة على إرساله في بعثة خارج البلاد على حساب المؤسسة للتخصص في العلاقات العامة.
ودارت الأيام وتغير المسؤول القديم بمسؤول جديد كان (متشدداً) حيث طلب أن يوضع أمامه كشف بالتكاليف التي صرفت على وفاة عمة المسؤول السابق ووجد أن الكشف يحتوي على الآتي:
اتصالات محلية لنقل خبر “وفاة عمة المسؤول” 7 ملايين.
اتصالات عالمية لنقل خبر (وفاة عمة المسؤول) 147 مليوناً.
إعلانات بالصحف لمدة أسبوع 28 مليوناً.
دعم عيني ومواد تموينية (للبكاء) 18 مليوناً.
تكاليف الترحيل والجازولين والبنزين 22 مليوناً.
تكاليف غياب الموظفين والعمال والموظفات 30 مليوناً.
تكاليف أخرى غير منظورة 15 مليوناً.
جملة التكاليف 134 مليون جنيه.
كسرة بسيطة:
إذا قمنا بعمل تفتيش لكل العربات الخاصة القادمة إلى الخرطوم أو الحايمة في الخرطوم وسألنا كل زول “إنت يا زول ماش وين؟!” سيقول إنه ذاهب للعزاء أو زيارة المستشفى أو مشاركة فرح زواج أو طهور أو أي مجاملة أخرى..
يعني “شغل ما في”.. ونحن يا جماعة حايمين الليل والنهار نعزي في (البكيات).. و”إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”
Check Also
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …