الثلاثاء , أبريل 30 2024
أخبار عاجلة

الإشكالية في الآلية ؟!!

ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر

يجنح البعض لاستعمال الغريب من الألفاظ للدرجة التي لا يستطيع معها السامع أن يفهم ما يقصده المتحدث. وحتى ما يستطيع أن يفهمه السامعون قد يختلف من شخص إلى آخر. مثلاً مدير عام إحدى مؤسسات التمويل خاطب جمعاً كبيراً من المزارعين كانوا قد تجمعوا ذات مساء في قريتهم النائية بعد يوم عمل شاق بملابسهم الملطخة بطين الحقل وانبرى المسؤول ليلقي كلمته الطويلة والمملة، التي أقتطف منها ما يلي: (يا أيها المزارعون إن التأثير الذي تركه انهيار البورصة في وول أستريت قد أثر بصورة عكسية في معدلات مؤشر داو جونز مما جعل نمور آسيا تواجه طلبات غير مرنة أدت إلى ارتفاع عجز القاعدة المصرفية العالمية عن مقابلة التزامات سوق الأموال الدولية، وتبعاً لذلك ارتفع مؤشر “نكي” ليقرأ أرقاماً غير معهودة في إطار التدفقات المالية لتحقيق انسياب الكتلة النقدية لمعالجة حزمة التقنيات ذات الأبعاد الدقيقة).
لم يفهم المزارعون ما هو المقصود إلا بعد أن قام رئيس الاتحاد، في القرية لكي يشرح لهم ما قاله المتحدث وهو أن هامش المرابحة في مرابحات البطاطس هذا العام قد ارتفع إلى 34% وعلى المزارعين أن يدفعوا مقدماً 25% ويقومون برهن عقاراتهم ويحضروا ضماناً شخصياً .
وفي مرة سألت إحدى الموظفات في أحد المجالس عن سبب تراكم الأوساخ فقالت لي: “أن الإشكالية في الآلية” وهي تقصد أنه لا تتوفر لهم آلات كافية لنقل الأوساخ مما خلق لهم مشكلة مزمنة: وأعجبني هذا السجع “الإشكالية في الآلية” فجعلته عنواناً لهذا العمود.
وقد حكى لي أحد الأصدقاء أن عمدة قريتهم عندما كان يودع الوفد المسافر لتقديم مطالبهم إلى المسؤول بالخرطوم أوصاهم قائلاً: شوفوا يا جماعة إذا كان المسؤول قال ليكم الآلية طوالي “تجو” راجعين وما تنتظروا لأنو معناتو الموضوع مطرشق.
وبعض زملائنا الصحافيين ربما يعانون من أعراض ظاهرة مرض “الإشكالية في الآلية” فيكتبون كلاماً ناشفاً تشعر وأنت تقرأه أنك تحتاج إلى أن تقفز فوق السطور قفزاً في لمح البصر ومن كل الصحف ربما يقرأ الناس الصفحة الأولى والأخيرة فقط، مما يدل على أن معظم الكتاب مصابون بمرض “الإشكالية في الآلية”.
على أنه من المؤكد أن معظم السياسيين إن لم يكن كلهم ربما كانوا مصابين بمرض “الإشكالية في الآلية” مما يستدعي الدعوة لقيام مؤتمر “جامع” لمناقشة إمكانية اجتثاث هذا المرض، وقد سمع أحد أقاربنا في إحدى المناسبات المهمة مسؤولاً سياسياً يقول للشعب “أيها المواطنون إن إشكالية تثوير البنيات الأساسية في منعرجات تحدي النمط التقليدي المعتمد على رؤيتنا الذاتية تتلاءم مع الأبعاد المنبثقة عن التطور المنطقي في معالجات خفض الموازنة القومية للحصول على إستراتيجيات إصلاحية بتوسيع مواعين الأداء الحكومي وشد الأحزمة للتوصل إلى فعالية ناجعة في إطار مصفوفة المقترحات النمطية لخلق الاستقرار النوعي” . وبالطبع لم يفهم قريبنا المذكور شيئاً من الخطبة السياسية نظراً لأنها مليئة بفيروس “الإشكالية في الآلية” وبعد “لت” و”عجن” فهم أن الأسعار ستظل مرتفعة .
ومؤخراً شاهدنا فيروس الإشكالية في الآلية في البرنامج التلفزيوني “إياه” عندما قال الضيف: (إن نمطية البنيوية التركيبية للفن الكلاسيكي تعتمد على زوايا العدم اللاواعي في الاشمئناط الجماهيري المتعلق بانبعاث المعاني المستكنة في معية الأدب المنبعج عن المعارف الكونية في إطار عولمة الرؤى الراقدة في أحضان العمق اللغوي)؟!!!!
وخلاصة لهذا المقال نلتمس من بعض المسؤولين تجنب التحدث بلغة “الإشكالية في الآلية” حتى لا يقوم المواطنون بتقليدهم، وقديماً قيل إن الناس على دين ملوكهم، فإذا انتقل الفيروس من المسؤولين إلى الرعية، فإن الكارثة ستكون عظيمة ويصبح كل أفراد الشعب من المتحذلقين وذوي “العاهات” اللغوية. ونطالب بإيقاف كل البرامج الموجهة وغير الموجهة لتوطين لغة “الإشكالية في الآلية” في أوساط المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة.

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

مدير “الفاو” يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة

الرباط وكالات ايكوسودان.نت من الرباط، لم يتوان شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا