ايكوسودان. نت
تبدو طوكر “القديمة” كحكاية مكتملة الفصول، عن الإهمال والتجاهل، فالمحلية التي كانت تمد ولاية البحر الأحمر بأجمعها، بالخضروات والفاكهة، والتي اشتهرت بأجود انواع القطن على مستوى العالم، بما تتميز به من دلتا هي الثانية في ترتيب الخصوبة عالمياً، أصبحت بكل مميزاتها تلك، تقاوم النسيان، ويجاهد سكانها من أجل الخروج من شرنقة شح الخدمات، وإنعدامها، ويكابدون شبح السيول القادمة من أعلى، متمسكين بحقهم في الحياة، بعد أن رفضوا الرحيل إلى طوكر “الجديدة” التي أنشأها الوالي الأسبق للبحر الأحمر، محمد طاهر إيلا.
طوكر: محمود النور
منطقة طوكر في الجزء الجنوبي لولاية البحر الأحمر، تحتاج إلى أكثر من جولة صحفية “عادية” وذلك من شدة المعاناة التي حكاها مواطن المنطقة وهي منطقة ثاني أخصب مناطق العالم من حيث التربة وتوفر المياه ومع ذلك يعيش مواطنو طوكر من غير مياه صالحة للشرب كشبكة منظمة على الرغم من أن مياه الأمطار تحاصر مباني المواطنين في أيام الخريف، وهناك قصة طويلة لسكان طوكر مع إيلا جرت فصولها في صراع طويل امتد لأكثر من ست سنوات مضت، كان طابعها العناد والمكابرة من قبل إيلا والذي دفع ثمنه الأطفال الرضع، والنساء الحوامل في منطقة طوكر، يقول أحد المواطنين بطوكر إن الأزمة مع إيلا بدأت في حفل تنصيب إيلا والياً للبحر الأحمر، وأشار إلى أن عمدة المنطقة بطوكر انتقد إيلا في عدد من المواقف السابقة الأمر الذي وتر العلاقة ما بين الوالي وأهل المنطقة.
معلومات أخرى تفيد بأن إيلا اراد أن ينقل مدينة طوكر إلى طوكر الجديدة وبالفعل استطاع أن يشيد في منطقة فناء واسع مستشفى ومدارس ومراكز ومبنى للمحلية على مسافة تبعد 17 كيلو من المدينة طوكر التي قطنها المواطنون، ولكن المواطنين رفضوا أن يرحلوا بعيدا عن مزارعهم وبرر عدد من المواطنين الذين استطلعتهم “الأخبار” عدم رحيلهم إلى طوكر الى أن إيلا لم يجلب أهم الخدمات المتمثلة في شبكة المياه وطريق المواصلات، حيث قال الأمين عثمان مواطن بطوكر لـ “الأخبار” إن أهل طوكر جاهزون اليوم للرحيل ولكن شريطة أن توصل لهم المياه مشيرًا إلى أن المدينة الجديدة تبعد كثيرًا من المزارع والدلتا.
المركز الصحي داخل مستشفى طوكر جرت فيه عمليات صيانة وتوسيع من قبل صندوق إعمار الشرق، ولكن الخدمات بداخله ما زالت تعاني من نقص حاد في الكادر الطبي والمعدات الطبية، والتي لا تتناسب مع مستشفى تم تأسيسه في العام 1929 كما تشير اللافتة التي وضعت في أعلى مبنى المستشفى.
المدينة نفسها تضج بالزحام وعدم التخطيط عربات الكارو هي العلامة البارزة في المدينة وكثرة الحمير التي تنقل المياه سوق صغير جدًا لا يتوفر فيه كل معينات المواطنين طوكر تبعد من بورتسودان بمساحة ليست بالبعيدة ولكنها بعيدة الملامح في كل شيء.
منطقة جنوب طوكر، التي تبعُد حوالي 205 كلم عن عاصمة الولاية بورتسودان، تعتبر حكاية أخرى، فالمنطقة التي تتمتع بمناخ حار صيفا وأمطار شتوية، وطبيعة المنطقة جبليه مطلة علي ساحل البحر الأحمر، وفي تقسيم المحليات الأخير تم تسميتها “محلية عقيق” تضم 41 قرية، يبلغ عدد سكانها حوالي 151 ألف نسمه، يعتمدون علي الزراعة والرعي، ويقيم عدد منهم كنازحين في أطراف بورتسودان وطوكر وسواكن، نتيجة للحرب التي شهدتها المنطقة في الفترة بين العام 96 الي 2002 بين القوات الحكومية والمعارضة، وتعتبر المنطقة الأكثر تضررا من الحرب، عبر مقتل وجرح الآلاف من سكانها ونزوحهم، وتدمير البنيات الخدمية القليلة التي كانت موجودة.
ورغم توقيع اتفاق شرق السودان في أكتوبر 2006 وما ورد فيه من نصوص كثيرة عن تنمية وأعمار المناطق المتأثرة بالحرب، ورصد ميزانيات كبيرة وإقامة صندوق إعادة بناء وتنمية الشرق لهذا الغرض، إلا ان شيئا من هذا لم ينعكس علي المنطقة وأهلها، بل ازداد الحال سواء بسبب موجات الجفاف المتعاقبة، ورفع الحكومة ليدها بالكامل، وظلت المنطقة، إضافة للغياب الكامل للخدمات الصحية والتعليمية والمياه عنها، تعاني من وعورة الطريق وانعزالها عن ولاية البحر الأحمر ولايات البلاد الاخري في موسم فيضان خور بركة من كل عام، بالإضافة إلي وجود الألغام في مناطق متعددة، مع الوضع في الاعتبار العمل الجاري في طريق “طوكر – قرورة” التابع لصندوق إعمار الشرق.
واللافت في أمر طوكر، أن كل من يسأل عن الزراعة في ولاية البحر الأحمر فإنه فلن يتبادر إلى ذهنه غير مشروع دلتا طوكر الزراعي، هذا المشروع الذي اكتسب شهرة عالمية من خلال تربته النادرة جدًا على مستوى العالم والتي لم تدخلها حتى الآن أي مواد كيميائية أو أيٌّ من محسنات التربة، ويكفي للتدليل على تاريخ هذا المشروع أن انتاجه من القطن كان كافياً لقيام بورصة عالمية في طوكر، وكذلك مد خط السكة حديد وسفلتة الطريق المؤدي إليها ودخول خط الهاتف منذ العام 1925.