البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا … نحو تنمية زراعية حقيقة وتحول إقتصادي شامل في السودان
The Comprehensive Africa Agriculture Development Programme (CAADP) … towards Real Agricultural Development and Comprehensive Economic Transformation in Sudan
عبدالمنعم سليمان الحويرص
elhoweris@gmail.com
moneim.elhoweris@igad.int
خبير الأمن الغذائي والتغذوي لمنظمة الإيقاد (IGAD)
عضو لجنة خبراء الإتحاد الأفريقي (AU)وعضو فريق العمل لإعداد التقرير القاري عن الأداء والتنفيذ للبرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا Member of the African Union (AU) Expert Team and Taskforce Member on the (CAADP) Continental Biennial Review Reporting Mechanism (BR).
تم تقديم التقرير الإفتتاحي (Inaugural Report) الى القمة الأفريقية الثلاثون بأديس أبابا في 29يناير 2018 – ثم يلحق به تقرير مرة كل عامين, يتم تقديم التقرير الثاني في يناير 2020 –
مقدمة لا بد منها:
هذه الدراسة / المقال نتاج صلة إمتدت لسنوات عديدة من المشاركة والعمل المباشر مع مجموعة من الخبراء والمختصين في القارة الإفريقية والشُركاء من بقية دول العالم في العديد من المؤتمرات, الإجتماعات, ورش العمل, دورات التدريب, وتقريبآ في كل أنشطة البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في افريقيا خلال السنوات (2013-2019), حينما أثمر الجهد المشترك للعديد من الخبراء والباحثين في وضع اللبنات الأولى لإعلان مآلبو – غينيا الإستوائية العام 2014 وما تبعه.
نويت نشر هذه الدراسة أوآخر العام الماضي (2018) في الصحف السودانية والفضاء الإلكتروني, ولكن وفي نفس يوم وصولي للوطن في 19 ديسمبر 2018 إشتعلت ثورتنا المجيدة بمسيرة عطبرة الصامده بعد أن أوقد ثوار الدمازين نيرانها في الثالث عشر من ديسمبر 2018, مما حتم عليِّ تأجيل النشر لبعض الوقت. ولحسن الحظ وجدت سانحة أن أعرضها (الدراسة) على مجموعة مختارة من الباحثين والمهتمين بتحديات التنمية والزراعة ومحاربة الفقر في منظمة شركاء في التنمية (Partners in Development Services [PDS]) بالخرطوم في الخامس من يناير 2019, وذلك قبيل مغادرتي للسودان لمحطة عملي في جيبوتي, ولحسن حظي فقد تم تزويدي بالعديد من الملاحظات المفيدة لتعديل وربط بعض أُطروحاتها.
واليوم وبعد التوقيع النهائي على الإعلان الدستوري وبداية مشوار الديمقراطية الحقة, أجد أنه من الواجب عليّ تقديم ما إكتسبته من خبرات ومعارف خلال مشوار حياتي المهني للمهتمين وأولئك الذين يرون بأن الزراعة هي التي ستقود قاطرة التحول (Transformation) الإقتصادي والإجتماعي في السودان, كما أجزم أنا.
مبتدأَ يجب ملاحظة أن هذه الدراسة تقوم بإيراد نُبذة تاريخية للبرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا, والخطوات التي تم إنجازها منذ العام 2003 حينما تم إنطلاق البرنامج, ثم مراجعة الأداء للقارة الأفريقية في العام 2014 في مآلبو – غينيا الإستوائية, وما تبعها من التأكيد على النجاحات التي تحققت في العشرية الأولى للبرنامج (2003 – 2013), والتداول حول التحديات المصاحبة للتنفيذ خلال تلك الفترة والإتفاق على إلتزامات مآلبو السبعة. ثم تدلف الدراسة إلي سرد مختصر لمسار وإلتزام السودان بتنفيذ البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في نسخته السودانية (Sudan National Agricultural Investment Plan [NAIP] ) والخطوات التي تم إنجازها بتقديم السودان ما تم تحقيقه في التقييم الأول للأداء في يناير 2018, يتبعه تحليل الإنجازات التي تحققت والإخفاقات التي صاحبت التنفيذ, والتركيز على أوجه القصور والمقترحات لتلآفيها في التقييم التالي (يناير 2020).
من المفيد أيضآ أن نذكر هنا أن برنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا (Comprehensive Africa Agriculture Development Programme [CAADP]), ليس معنيآ بتنمية القطاع الزراعي فقط, بل هو برنامج معني في المقام الأول بالتحول الإقتصادي للدول الأفريقية بقيادة القطاع الزراعي تحت إعلان مالابو بشأن النمو الزراعي المتسارع والتحول (Malabo Declaration on Africa Accelerated Agricultural Growth and Transformation [3AGT]). ومن خلال المبادىء السبعه (7) المتفق عليها في مآلابو – غينيا الإستوائية – يونيو 2014.
وحريآ بي أن أذكر بأن هذا البرنامج قد لآقى نجاحآ كبيرآ رغمآ عن تخلف العديد من الدول ( تخلفت خمس وثلاثين دولة من مجموع الدول الأفريقية الخمسة وخمسين) من تحقيق الإنجاز المطلوب في التقييم الأول (Inaugural Biennial Review Report [BR]) كما سيتضح في قلب الدراسة حينما تم تقديم التقرير الأول لإجتماع القادة الأفارقة في القمة العادية في يناير 2018. وحريآ بالذكر أيضآ بأن البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا يطبق معاييرآ قاسية لتحقيق أهدافه وإالتزاماته, ومن هذه المعايير تخصيص 10% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للزراعة لتحقيق نمو لا يقل عن 6% في القطاع الزراعي في كل عام.
ثم يطبق معايير الأداء المتمثلة في:
1. الحوكمة Governance:
فالحوكمة تعني بشكل عام وجود نُظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية (الوزارات والمؤسسات والشركات المعنية والجهات الفاعلة في العملية الإقتصادية) بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد ومنح الحق في مساءلة الجهات المسؤولة, والتأكد من أن الوزارات أو المؤسسات أو الشركات تعمل على تحقيق أهدافها واستراتيجياتها الطويلة الأمد. نعني هنا التنسيق بين الوزارات والهيئات والشركات والبنوك المعنية بتحقيق البرامج الإقتصادية والتنموية, ومن ضمنها البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في السودان خاصة وأن النشاط الإقتصادي الزراعي المأمول ذو طبيعة متداخلة بين الوزارات المعنية, حيث يتداخل عمل وزارتي الزراعة والثروة الحيوانية فيما يخص الماشية, والدواجن والأسماك ومنتجاتهم, ووزارة الطرق والكباري مع البنيات الأساسية ومواعين الري, ووزارة التعليم مع إنخراط الأطفال في التعليم الإجباري حتى سن 16 عامآ, ووزارة الصحة بالمشافي وصحة البيئة وتقليل مشاكل سوء التغذية, والهُزال والتقزم, والسُمنة, ووزارة البيئة في مشاكل الجفاف والتصحر المتطاول والمتكرر والتكيف, ووزارة المالية, بنك السودان, البنك الزراعي والبنوك المتخصصة فيما يلي التمويل الزراعي, ووزارة الطاقة في توفير معينات الطاقة والوقود, ثم إدارة الإحصاء القومي (الجهاز المركزى للإحصاء (Central Bureau of Statistics والإحصاء الزراعي وغيرهم والتي تقوم بتوفير الإحصاءات الضرورية المساعدة للتخطيط ووضع البرامج. يكون كل هذا تحت قيادة جسم يُطلق عليه هيئة المراجعة القطاعية (Joint Sector Review [JSR]). هذا يعني بالضرورة إشتراك ووجود حقيقي لأصحاب المصلحة الحقيقيين والذين يكوِّنون مع الآخرين وينضوون إلى إجتماعات التحقق لأصحاب المصلحة (Stakeholders Validation Meetings), ومن هؤلاء نجد كلٌ من إتحادات المزارعين والرعاة والزراعيين والعاملين فى قطاع الثروة الحيوانية والجمعيات المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالعملية الإنتاجية.
2. الشفافية :Transparency
تشجيع الشفافية يُوقف الفساد ويشجع على الأداء الجيد ويؤدي إلى رصدٍ أدق للإنجازات ويُفضِي إلى بيانات أكثر إيضاحآ وجودة، ويؤدي ذلك بدوره إلى استخدام الموارد المادية والبشرية بفعالية أكبر, حيث يجب أن تكون كل الإتفاقات الموقعة بين المؤسسة∕المشروع أو الشركة مع جهات أخرى متسقة قانونيآ وأخلاقيآ, وأن تكون كل النشاطات في العلن ومعلوم عنها بواسطة اللجان المشتركة ومُوافقٌ عليها بواسطة أصحاب المصلحة (Stakeholoders), وأن تكون دفاتر حساباتها معروضة للجهات التي تقوم بالمراجعة بكل شفافية وأن يكون العمل فعالآ (Effective) وناجعآ (Efficient) ومستدامآ (Sustained).
3. الرصد والتقييم Monitoring and Evaluation (M&E):
هي العملية التي تهدف إلى تحسين الإدارة الحالية والمستقبلية للمخرجات والتي تساعد على تحسين الأداء وتحقيق النتائج, وتستخدم أساسا لتقييم أداء المشاريع والمؤسسات والبرامج التي تضعها الحكومات والمنظمات الدولية و المنظمات غير الحكومية, كما أنها تربط الخطط والأداء بالنتائج المستقبلية. تستخدم هذه العملية بواسطة العديد من المنظمات الدولية وتتزايد شعبيتها في البلدان النامية حيث أنشأت العديد من الحكومات نظم مراقبة وتقييم وطنية خاصة بها لتقييم مشاريع التنمية، إدارة الموارد والأنشطة الحكومية. كما تستخدمها البلدان المتقدمة لتقييم أداء وكالات التنمية والتعاون التي تتبع لها, وترتبط مباشرة بعملية المساءلة المشتركة بإستخدام المؤشرات (Indicators) المتفق عليها لقياس تنفيذ الأداء (Results-based Monitorng and Evaluation)
4. المساءلة المشتركة :Mutual Accountability :
هي عملية يوافق بموجبها شريكان (أو أكثر) على تحمل المسؤولية عن الالتزامات التي تعهدوا بها تجاه بعضهم البعض. وتعتمد على الثقة والشراكة حول جداول الأعمال المشتركة لتشجيع تغيير السلوك اللازم للوفاء بالالتزامات. المساءلة المشتركة تكون مدعومة بالأدلة (Evidence) التي يتم جمعها ونشرها بين الشركاء. ويُعد التقدم في المساءلة المتبادلة أكثر أهمية لأن العلاقة بين الجهات الحكومية (الوزارات) والمؤسسات والجهات المانحة والدول الشريكة غير متكافئة بطبيعتها.
(1)
العالم وأفريقيا, إتفاقات مبذولة لمحاربة الفقر, وتحقيق الأمن الغذائي والتعامل مع تقلبات المناخ
تمهيد:
الوضع العالمي الحالي يمثل مفارقة حقيقية, فبينما تعمل العولمة عالية السرعة على توسيع الفرص من أجل حياة أفضل للكثيرين، فإنها تُعرِّض للخطر أيضا سبل كسب عيش الفقراء وسكان الأطراف مما يزيد من الفقر والإقصاء الاجتماعي (Social Exclusion). حيث يعيش في العالم اليوم مائة مليون شخص في فقر أكثر مما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان, ويعيش نصف البشرية – حوالى 3.5 مليارمن إجمالي 7 مليار شخص – على دخل يقل عن دولارين في اليوم، وأن 1.3 مليار شخص يعيشون على أقل من دولار واحد في اليومExtremely Poor) ), في اقتصاد عالمي يبلغ حجمه (75 تريليون دولارأمريكي). وما زال المليار ونصف المليار شخص يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب (Potable Water) ويموت 2.4 مليون طفل كل عام من الأمراض المنقولة بواسطة المياه ومائة وخمسة وعشرون مليون طفلآ يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى المدارس الابتدائية.
يجب الإشارة هنا إلى أن أكثر من نصف القابعين في الفقر المدقع (Extreme Poverty) يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء (Sub-Saharan Africa) “السودان أحد دوله”. وفي اﻟواﻗﻊ فقد زاد ﻋدد اﻟﻔﻘراء ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ (أفريقيا جنوب الصحراء) ﺑﻧﺣوٍ أﮐبر ﻣن ﮐل اﻟﻣﻧﺎطق اﻷﺧرى ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ (ﺷرﻗﻲ آﺳﯾﺎ واﻟﻣﺣﯾط اﻟﮭﺎدئ وأوروﺑﺎ وآﺳﯾﺎ اﻟوﺳطﯽ), والتوقعات في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء ليست واعدة كما يتضح من مؤشرات التحسن في جهود محو أمية الكبار, وفي التحصيل العلمي للأطفال, وتفاقم معدلات سوء التغذية والوفيات. بينما ما زلنا نرى جهودًا مخلصة ولا حصر لها تُبذل للإنعتاق من هذا الوضع سواءً من قبل الموظفين العاملين في الحكومات أو من قبل منظمات المجتمع المدني والقيادات المدنية في كل دول جنوب الصحراء, لكنها وللأسف غير قادرة على التعاطي مع التحديات الكبرى التي تواجههم وتواجه العالم اليوم.
فالفقر – كما هو معلوم – هو مفهومٌ متعدد الأبعاد يسعى إلى قياس مستويات الحرمان التي يواجهها الشخص أو الأسرة أو المجتمع, وعلى الرغم من أن معظم المؤلفات والبحوث تركز على مؤشرات الحرمان وهي في الغالب الدخل والغذاء والحصول إلى السكن وما إلى ذلك وفي سياقات اجتماعية مختلفة, يؤدي هذا التناقض إلى استخدام مفاهيم مثل الفقر والإقصاء الاجتماعي والضعف بشكل متبادل في خطاب التنمية مع السماح بتفاوت مؤشرات الاحتياجات الأساسية غير المُلباة. ويعتبر الفقر عمومًا مقياسًا للحرمان من الاحتياجات الأساسية التي يحتاجها الشخص أو الأسرة أو المجتمع للحصول على مستوى معيشي أساسي, ويمكن قياس درجة الحرمان إما من حيث نقص الموارد (مثل الدخل والأصول) والقدرات (مثل المهارات والمعرفة والتكنولوجيا) أو كلاهما. ففي حين كان الفقر يعتبر في يوم ما أمرًا لا مفر منه نجد أن هنالك “إعترافآ اليوم بأن العالم لديه من الموارد والقدرة على القضاء على الفقر المطلق, تفتقر إلى الإرادة وحسن التنظيم ووضع الخطط وتوفير الأموال”.
ولطالما دافعت منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية عن ذلك ونادت بالعمل الدؤوب وإتباع نهج شامل إزاء القضاء على الفقر المدقع, وقدمت فهمًا عظيمآ مفاده أن الفقر المدقع متعدد الأبعاد (Multi-dimentional) لا يقتصر على الدخل فحسب، بل يؤثر أيضًا على سبل كسب العيش والإحتياجات غير الغذائية كالصحة والتعليم والإسكان، فضلاً عن المشاركة الاجتماعية والثقافية والسياسية. هذا الفهم يكتسب وبشكل مستمر مصداقية لدى العديد من الباحثين والمهتمين, فعلى سبيل المثال يقدم تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مناقشة عالمية لمفهوم التنمية البشرية فيما يلي “إنكار الفرص والخيارات الأكثر أساسية للتنمية البشرية التي تقود إلى حياة طويلة ومبدعة وصحية ويستمتع فيها المستهدفون بمستوى لائق من العيش والحرية والكرامة واحترام الذات واحترام الآخرين” . ويعتبر هذا التقرير أن أفقر الناس ليس ضحايا سلبيين وإنما كجهات فاعلة رئيسية تناضل ضد عملية إفقارهم, ويقترن هذا النهج المتعدد الأبعاد إزاء الفقر بفهم متكامل لحقوق الإنسان حيث الحقوق المدنية والسياسية غير قابلة للتجزئة عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
أن الفقر المدقع هو إهانة لكرامة وإنكار لحقوق الإنسان وبالتالي فإن التحرر من الفقر جزء لا يتجزأ منه حق الإنسان غير القابل للتصرف, وبهذا الفهم فأن الفقر ينتهك حقوق الإنسان مما يعني أنه لا يمكن ترك شخصآ واحدآ يعاني في إطار حملة القضاء التام على الفقر. وقد حدث تغير رئيسي في تفكير التنمية السائد من خلال الاعتراف بأن الحد من الفقر ليس ناتجا ثانويا تلقائيا للنمو الاقتصادي, بل يجب أن تتخطى التنمية النمو الاقتصادي لتشمل أهدافًا اجتماعية مهمة – كتحسين نوعية الحياة وتعزيز الفرص لتحسين التعليم والصحة والمزيد. ونتيجة لهذه المتغييرات فإن نهج اليوم للتغلب على الفقر يُسِلم بأن الفقر والاستبعاد الاجتماعي لا يمكن معالجتهما من خلال تدابير وحيدة الوجود أو حلول فورية مفترضة, بل يتطلب القضاء على الفقر عملاً طويل الأجل وشاملاً لعدة قطاعات, ليس فقط أن يشمل استراتيجية التنمية بل يجب أن يكون أيضًا أولوية في جميع السياسات العامة .
وقد أعاد برنامج الأمم المتحدة للألفية (Millennium Development Goals [MDGs]) التأكيد على الحاجة إلى استراتيجية الدفع الكبير (Big Push)في الاستثمار العام لمساعدة البلدان الفقيرة على الخروج من شِراك الفقر وتحقيق التحدي المتعلق بالأهداف الإنمائية للألفية ومن ثم ألأهداف الإنمائية المستدامة (Sustainable Development Goals [SDGs]), ويجادل التقرير بأنه لتمكين جميع البلدان من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والمستدامة, ينبغي أن يكون هناك تحديد للاستثمارات العامة(Domestic Investments) ذات الأولوية لتمكين الفقراء، ويجب أن يتم دمجها في استراتيجيات ترتكز على زيادة الاستثمارات العامة وبناء القدرات (Capacity Building), وتعبئة الموارد والمساعدة الإنمائية الرسمية. وبالنظر إلى الافتقار إلى الموارد المحلية في العديد من البلدان تم تصميم استراتيجية “الدفع الكبير” هذه لتضع الاقتصادات المنخفضة الدخل على مسار النمو الذي سيصبح مستدامًا وذاتيًا, لأن الاستثمارات الأساسية في البنية التحتية لرأس المال البشري (Human Capital) ستمكن الفقراء من الانضمام إلى الاقتصاد العالمي وتأسيس أساس للقطاع الخاص والصادرات المتنوعة والنمو الاقتصادي .
ومن جهة أخرى وفي تغير نوعي في القدرة على الفهم وترتيب الأوليات مع المتغيرات في العالم فقد إلتزم البنك الدولي (ًWorld Bank) بمكافحة الفقر بجميع أبعاده حيث بدا في إستخدام أحدث الأدلة والتحليلات والاموال لمساعدة الحكومات على تطوير سياسات سليمة يمكن أن تساعد أفقر الناس وفي كل بلد, وتتركز سياسات البنك الدولي في المجالات ذات الأهمية الحاسمة لتحسين الحياة. إن مهمة مجموعة البنك الدولي وتحت شعار: “حلمنا عالم خال من الفقر ” تدعمها سياسات وخطط تشمل جميع الأعمال التحليلية والتنفيذية والمنعقدة للبنك في أكثر من 145 دولة من بلدان العالم, وتأتي ضمن أهداف إنهاء الفقر المدقع “في غضون جيل” وتعزيز الرخاء المشترك بطريقة مستدامة في جميع أنحاء العالم في أول هذه المهام.
إن العمل على إنهاء الفقر المدقع لم ينته بعد, بل لا تزال هناك العديد من التحديات, حيث تُظِهر أحدث التوقعات أنه إذا واصلنا السير في مسار العمل المعتاد فلن يكون العالم قادراً على القضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2030 (كما هو مرجوآ ووفقآ لما ورد في أهداف التنمية المستدامة [SDGs]). ذلك لأنه أصبح من الأصعب الوصول إلى أولئك الذين بقوا مكبلين في قيود الفقر المدقع، حيث يعيش عددآ مقدرآ منهم في الدول الهشة (Fragile States) والمناطق النائية (Peripheral Areas), وحيث لا يزال الوصول إلى المدارس الجيدة والرعاية الصحية والكهرباء والمياه المأمونة والخدمات الحيوية الأخرى بعيد المنال بالنسبة للكثير من الأشخاص والذي غالباً ما يتم تحديده من خلال الوضع الاجتماعي الاقتصادي والجنس والعرق والجغرافيا. علاوة على ذلك وبالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من الخروج من الفقر (Graduated from Poverty) فإن التقدم غالبا ما يكون مؤقتا: فالصدمات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي والتغيّر المناخي يهددانهم في مكاسبهم التي اكتسبوها بشِق الأنفس ويجبرهم على العودة إلى الفقر مرة أخرى, وسيكون من الأهمية بمكان إيجاد طرق للتعامل مع هذه القضايا بينما نحرز تقدمًا نحو العام 2030. ومع الإقرار بالتقدم المحرز في العديد من البلدان في أنحاء العالم (مثلا إثيوبيا ورواندا والبرازيل)، يجب علينا أن نضع نُصب أعيننا وبوضوح أن التنمية لن تفيد الجميع إذا لم تتحسن ممارساتنا وأن تنتفى النظرة الأنانية للإستثمار بحسبانه وسيلة لزيادة غنى من هم اصلآ أغنياء والتغافل عن من هم معنيون بالتنمية.
وفي مسار آخر يمثل التغّير المناخي(Climate Change) أكبر تهديد منفرد للتنمية المستدامة (Sustainable Development) في كل مكان في عالم اليوم، كما أن تأثيراته الواسعة وغير المسبوقة تٌثِقل كاهل أشد الناس فقرا وضعفا (Burdens the Poorest and most Vulnerable), ولحسن الحظ فإن اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تغير المناخ والتعامل مع آثاره أصبح جزءآ لا يتجزأ من التنفيذ الناجح وبشكل جماعي لأهداف التنمية المستدامة (SDGs) والعديد من المبادرات. حيث توفر أجندة العمل الدولية الثلاثة لما بعد العام 2015: اتفاقية باريس، وخطة التنمية المستدامة (SDG) لعام 2030. وإطار سينداي (Sendai – Japan) للحد من مخاطر الكوارث , الأساس المتين للتنمية المستدامة، منخفضة الكربون، والمرنة في ظل تغير المناخ. إن تحقيق الهدف الأساسي لاتفاقية باريس – للحفاظ على متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية أقل بكثير من 2 درجة مئوية وأقرب ما يمكن إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية أمر حيوي لتحقيق جميع جداول الأعمال الثلاثة. يعتمد اتفاق باريس على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (United Nations Framework Convention on Climate Change [UNFCCC]) مما يجعل جميع الدول مهمومة في قضية مشتركة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بسرعة وتعزيز قدرة البلدان على بناء المرونة (Building Resilience) اللآزمة والتكيف مع آثار تغير المناخ، بما في ذلك من خلال ضمان الدعم الكافي بالنسبة للدول النامية. ويعكس دخول اتفاق باريس في وقت مبكر حيز التنفيذ تحولاً سياسياً إيجابيآ في التركيز على التنفيذ، الذي يخاطب جميع مستويات الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني وأن العمل الملائم للتعامل مع المناخ والتنمية المستدامة هما أهدافآ مشتركة للجميع يوفران تركيزاً واضحاً للسياسة والتنمية الاقتصادية والمجتمع. إن متابعة العمل المناخي والتنمية المستدامة بطريقة متكاملة ومتماسكة توفر أقوى نهج لتمكين البلدان من تحقيق أهدافها بكفاءة وسرعة بموجب اتفاقية باريس وخطة التنمية المستدامة لعام 2030. ويجيء إنعقاد المؤتمر الرابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (The 24th Conference of the Parties to the United Nations Framework Convention on Climate Change [COP24]) والذي إنعقد في بولندا (Katowice-Poland) في الفترة 04-15 ديسمبر 2018, حيث شارك المفاوضون من 196 دولة مع الاتحاد الأوروبي لمدة أسبوعين في إصدار إعلان Katowice والذي يأتي تعضيدآ ودعمآ للعمل الدؤوب للحفاظ على الطابع العالمي لاتفاقية باريس والاختيار الطوعي لطريقة الحد من الانبعاثات، فضلاً عن تشكيل سياسات المناخ والطاقة اعتمادًا على الإمكانيات والشروط المحددة فيما يتعلق بالمواد الخام والجغرافيا, وقد تم الإتفاق على قواعد للحفاظ على إتفاقية باريس للمناخ على قيد الحياة.
وأخيرآ فقد أصبحت الدول الأفريقية أكثر وضوحآ وأشد تصميمآ لتحقيق كل تلك الأهداف النبيلة حينما قامت في العام 2013 بكتابة جدول الأعمال الأفريقي(Agenda 2063) , حيث قام كل من الاتحاد الأفريقي (AU) واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا (UNECA) وبنك التنمية الأفريقي (AfDB) بإعداد إجراءات نحو التحول في النموذج (Paradigm Shift), وتم الإتفاق أنه يجب على إفريقيا أن تفعل أشياء مختلفة بشكل كبير للاستفادة من الزخم الحالي نحو العام 2063. من أجل تحقيق رؤية الاتحاد الإفريقي: (لأفريقيا متكاملة ومزدهرة ومسالمة، مدفوعة بمواطنيها وتمثل قوة ديناميكية في الساحة العالمية).
جدول الأعمال 2063 وهو منهج / أسلوب (ِApproach) لكيفية تعلم القارة بشكل فعال من دروس الماضي، والبناء على التقدم الجاري الآن واستغلال جميع الفرص الممكنة والمتاحة استراتيجيا في المدى القريب والمتوسط والطويل لضمان التحول الاجتماعي والاقتصادي الإيجابي في غضون الخمسين سنة القادمة (2013-2063). حيث يُوضح الهدف الأول للبرنامج (Aspiration ‘1’) من جدول الأعمال للعام 2063 التالي: “أفريقيا مزدهرة تقوم على النمو الشامل والتنمية المستدامة: لقد تعهدت أفريقيا وعقدت العزم على القضاء على الفقر في جيل واحد وبناء الرخاء المشترك من خلال التحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة، وبحلول العام 2063 ستكون أفريقيا قارة مزدهرة لديها من الأسباب والموارد اللازمة لدفع تنميتها.”
وبما أن الزراعة تعتبر المصدر الرئيسي للدخل، المخدم الأساسى لغالبية السكان في افريقيا، والمساهم بشكل كبير في الحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي والتغذوي في القارة الأفريقية., ولأن أفريقيا تزخر بالموارد الطبيعية المهولة والقوة البشرية الكبيرة اللازمة لتحقيق التنمية “خاصة من النسأء والشباب”, وترسيخآ لما سبق وفى ظل رؤية متعمقة بأن الزراعة ستقود هذا التحول الاجتماعي والاقتصادي في ظل وجود نشط للقطاع الخاص في الزراعة فى القارة الأفريقية فى المدى القصير والمتوسط, فقد تم وضع مبادرة وبرنامج طموح من أجل تسريع التنمية الزراعية في أفريقيا حيث قام الاتحاد الأفريقي ومن خلال البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا (Comprehenssive Africa Agricultural Development Programme (CAADP)) بدعم البلدان الأفريقية ومساعدتها لتنفيذ قرارات إعلان مالابو – غينيا الإستوائية الصادرعن الاتحاد الإفريقي العام 2014 بشأن النمو والتحول الزراعي المتسارع في أفريقيا Accelerated Africa Agriculture Growth and Transformation [3AGT])) ومن خلال ترسيخ البرنامج في خطط الاستثمار الزراعي الوطني (National Agricultural Investment Plans NAIPs) الخاصة بكل بلد. وهنا يجب الإشارة إلى أنه منذ ذلك الحين فقد أحرزت العديد من الدول الأعضاء في أفريقيا تقدما جيدا بشأن تنفيذ عملية البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا من أجل الوفاء بالتزامات مالابو -غينيا الإستوائية, وهذا بحد ذاته عامل يشجع على المضي قُدمآ في الإلتزام بتنفيذ البرنامج.