فايق حسن جاسم الشجيري
تكتسب المتغيرات أهميتها في نظام أولويات الحياة التي نعيشها بقدر ارتباطها بهذه الحياة، فكيف اذا كان هذا المتغير هو المحيط الذي تنشط في إطاره الحياة لبني البشر وبقية الكائنات الحية، في إطار تكاملي متناسق ذا طبيعة اعتمادية خلقه الله عز وجل بقدر معلوم، ذلك المحيط هو البيئة، فبدون البيئة التي تنطوي على عناصر البقاء لا يمكن للحياة أن تستمر، من هنا تنبع أهمية دراسة البيئة وأثرها على الأمن الدولي، فالإنسان مثلما يحتاج الى عناصر البقاء يحتاج الى الشعور بالأمن لكي تستمر حياته، ومن هنا تنبع إشكالية البحث التي تدور حول التساؤل الآتي:
هل يوجد أثر لمشكلات البيئة على الأمن الدولي؟ وننطلق من فرضية مفادها: يوجد أثر سلبي لمشكلات البيئة على الأمن الدولي. في محاولة للإجابة على إشكالية البحث، الذي اعتمد المنهج التحليلي الوصفي. في تحديد مشكلات البيئة، من خلال تقسيم البحث على ثلاثة محاور بالإضافة الى المقدمة والخاتمة وهذه المصادر هي:
الإطار المفاهيمي للبيئة، والأمن الدولي، والأمن البيئي ثم المحور الثاني الذي يبحث في بعض أهم مشكلات البيئة وفق تقدير الباحث المتواضع، والمحور الثالث يبحث في اثر البيئة على الأمن الدولي. واخيرا الخاتمة التي تضمنت الاستنتاجات.
1- الإطار المفاهيمي:
من المفيد قبل الدخول في بحث وتحليل اثر البيئة على استقرار الأمن الدولي وبيان علاقة الترابط التي تجمع هذين المتغيرين، ان نحدد مفهوم البيئة، ومفهوم الأمن الدولي، ومفهوم الأمن البيئي، الذي يشكل جزءاً من الإطار الكلي للأمن الدولي.
1-1: البيئة:
حتى نستطيع إدراك أهمية البيئة بالنسبة للأمن الدولي لا بد من إعطاء تعريف محدد للبيئة، (أول من صاغ كلمة ايكولوجيا العالم هنري ثرو (H.othoreaux) عام 1858 ولكنه لم يتطرق الى تحديد معناها وابعادها… اما العالم الألماني ارنست هيجل Ernest Heechel فقد وضع كلمة ايكولوجي (Ecologie)، وفي سنة 1866م. عرفت أهدافها بدراسة العلاقة بين الكائن الحي والوسط الذي يعيش فيه، وترجمت الى اللغة العربية بعبارة علم البيئة). بينما نجد ان بعض الباحثين عرفها بأنها (مجموعة العوامل الطبيعية المحيطة التي تؤثر على الكائن الحي او التي تحدد نظام مجموعة ايكولوجية مترابطة) . وفي نفس هذا الاتجاه عرفها مؤتمرا ستكهولم عام 1972 ومؤتمر تبليسي 1978 (بانها مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى).
إذن البيئة هي التي تزود الإنسان والكائنات الحية بعناصر بقائها والموارد المادية اللازمة لاستمرار حياتها، خصوصا من الهواء والماء والطاقة والملبس والسكن، وبالتالي فهي التي تمثل المحددات التي تحدد شروط ثقافاتنا وأنماط حياتنا وطرق تعليمنا وتربيتنا وأنماط عملنا وحدود مستوطناتنا البشرية. غير أن المحيط الذي يحدد لنا شروط بقائنا موارده غير متجددة ولها نهاية. كما ان موارده المتجددة لها نهاية ايضا اذا لم يحسن الإنسان استخدامها. أي أن الحفاظ على البيئة جزء أساسي لضمان استمرارية الحياة التي نعيشها والحاق الضرر بها معناه تعريض أمن الحياة التي نعيشها للخطر، وبالتالي فان قضية البيئة ومشكلاتها تعد إحدى القضايا الأساسية التي تحكم سياسات القوى الدولية سواء من حيث السيطرة على الموارد او ضمان محيط سليم للحياة البشرية، وهذا ما جعل مشكلات البيئة التي كانت في السابق تبدو كمشكلات يمكن التعامل معها محليا، جعلها أزمات بالغة الصعوبة والتعقيد وذلك جراء تقاطع المصالح بين وحدات النظام الدولي الساعية لتحقيق اكبر قدرممكن من المكاسب على حساب الوحدات الأخرى. وهذه الأهمية للبيئة تبين الارتباط بين البيئة والأمن الدولي فالضغط البشري على البيئة أحد القضايا الأساسية التي يتبلور في إطارها الأمن الدولي.
1-2 الأمن الدولي:
إن الذي يميز الأمن الدولي هو كونه يتحقق في إطار جماعي دولي، كذلك البيئة التي تشكل هذا الإطار لا يمكن المحافظة عليها الا في إطار جماعي يشمل كافة الأطراف التي تعيش في داخل هذا الإطار وبدون هذا الجهد الجماعي لا يمكن ان يتحقق الأمن البيئي الذي يوفر الإطار المناسب المشجع لتحقيق الأمن الدولي او أعلى درجة ممكنة من الأمن الدولي. فتحقيق الأمن الدولي بصورته المطلقة حالة مثالية يصعب تحقيقها في إطار عالمي يمتاز بتضارب الأولويات وتقاطع المصالح.
1-3: الأمن البيئي:
الأمن البيئي مفهوم جديد استحدث في فترة التسعينات من قبل دول الشمال المتقدم مثل الولايات المتحدة، والدول الاسكندنافية، في حين ان العديد من دول الجنوب لم تضع بعد مفهوماً محدداً للأمن البيئي، حيث تحاول دولهم حاليا، استحداث مفهوم الأمن البيئي. فالصين مثلا تعتمد الأمن البيئي تحت مظلة حماية البيئة.
كذلك الحال مع المنظمات الدولية والهيئات التابعة للأمم المتحدة حيث لم تتبنّ بعد مفهوماً محدد للامن البيئي، حتى عام 1994 حيث أشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إشارة مختصرة في التقرير السنوي حول التطور الإنساني في الصفحة (28) أشار الى ان مشاكل البيئة التي تواجهها الأقطار هي مزيج من التدهور المحلي والعالمي…. وأكد على انه من الصعب المحافظة على الأمن الدولي دون تحقيق الأمن البيئي.
لذلك نجد ان جهود المنظمات الدولية والدول ركزت على وضع تعريف محدد لمفهوم الأمن البيئي حيث وضعت عدة تعريفات أهمها هو الذي عرف (الأمن البيئي بانه متعلق بالأمان العام للناس من الأخطار الناتجة عن عمليات طبيعية او عمليات يقوم بها الإنسان نتيجة إهمال او حوادث او سوء إدارة). غير ان الملاحظ على هذا التعريف انه يهمل حماية البيئة فيما يتعلق بالأجيال القادمة ومستقبل البشرية، وهو يوضح ان أي متغير يؤثر على السلامة العامة سوف يكون عنصرا من بيئي فهو مهتم بأمن البيئة من ناحية الناس وليس بأمن البيئة للبيئة نفسها. ان قصور هذا التعريف دفع الى ظهور تعاريف أخرى عرفت الأمن البيئي (بإعادة تأهيل البيئة التي تدمر في الحرب ومعالجة المخاطر البايولوجيه التي يمكن ان تقود الى تدهور اجتماعي) وهو تعريف جيد يغطي جانباً مهماً من الأمن البيئي الذي يعرفه البعض (بتدوير الموارد الطبيعية الى منتجات ثم فضلات ثم الى موارد طبيعية) في حين يرى البعض في الأمن البيئي (المحافظة على المحيط الفيزيائي للمجتمع وتلبية احتياجاته من دون التأثير على المخزون الطبيعي).
2- مشكلات البيئة
شهدت الأعوام الأخيرة من القرن العشرين المنصرم تدهورا مخيفا بالبيئة الطبيعية لا يزال مستمرا بشكل يومي متواصل ففي كل يوم جديد من ايام السنة يزداد تلوث الهواء بالأبخرة والدخان، والغازات السامة، وفي كل يوم يزداد تلوث المياه في المحيطات والبحار والأنهار. وترتفع درجات حرارة الجو. ويزداد الازدحام والتلوث بالضجيج. ويزداد استنزاف الموارد الطبيعية وترتفع معدلات تجريف الغابات وتتسع دائرة التصحر.
إن هذه المشكلات البيئية أخذت تفرز تحديات تتعلق باستمرارية الحياة. وبسبب أهمية هذه المشكلات سوف نناقش أهم المشكلات التي تجابه البيئة وليس جميعها بسبب كثرتها واتساعها. وبقدر تعلقها بالأمن الدولي.
2-1 التصحر:
إن التصحر كما هو معروف، هو تردي الأراضي في المناطق القاحلة، وشبه القاحلة والمناطق الجافة نتيجة عوامل عدة بينها تغير المناخ والأنشطة البشرية. لذلك فان المختصين يعرفون التصحر بدقة (بانه زحف البيئة الصحراوية على الأراضي الخضراء في المناطق الجافة او شبه الجافة ويتمثل في فقدان الغطاء النباتي لسطح الأرض بفعل عوامل مناخية كالتعرية الريحية او بفعل الإنسان) . أي ان التصحر يحدث تغيراً سلبياً في خصائص البيئة بحيث يخلق ظروفاً تجعلها اقرب الى البيئة الصحراوية. والتي تمتاز بعدة مظاهر أهمها :
1- انحسار الغطاء النباتي.
2- نشاط الكثبان الرملية الثابتة.
3- انجراف التربة.
4- تملح التربة ونقص خصوبتها.
5- زيادة كمية الغبار العالق في الهواء.
ومظاهر التصحر هذه تتولد نتيجة جملة من الأسباب الطبيعية والبشرية ومن أبرزها: زيادة نمو السكان في المناطق الجافة والتي تقود الى زيادة استنزاف الموارد البيئية او الإفراط في قطع أشجار الغابات لأغراض الطاقة والتجارة والتوسع العمراني لأغراض الاستيطان، اما العوامل الطبيعية فهي ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وتغير توزيع الأمطار مما يهدد المناطق الجافة بالتصحر بفعل عمليات التعرية وزحف الرمال.
إن الذي يكسب ظاهرة التصحر اهتماما خاصا هو انها تجري على نطاق عالمي لتغير (70%) من جملة الأراضي اليابسة وتبلغ (3.6) بليون هكتار أي ربع مساحة سطح الأرض وتكسب هذه الظاهرة أهمية في عالم الجنوب ففي كل عام يكف (21) مليون هكتار عن تقديم أي مردود اقتصادي [إنتاج الغذاء او إنتاج المحاصيل التجارية او إنتاج اللحوم] بسبب انتشار التصحر الذي اصبح يهدد العالم بان يخسر قرابة خمس التربة السطحية من الأراضي الصالحة للزراعة وخمس غابات المطر الاستوائية ونحو عشرة آلاف نوع من الأجناس الثابتة والحيوانية.
2-2 إزالة الإحراج وتجريف الغابات:
يكتسب الغطاء الحراجي أهمية كبيرة من الناحية البيئية فهو يحمي ويثبت التربة والمناخ المحلي فضلا عن هيدرولوجية التربة وكفاءة دورة المغذيات بين التربة والنبات، أما الغابات فتعد موئلاً للبشر وللعديد من أنواع النباتات والحيوانات، ولا تقتصر أهمية الغابات الاقتصادية على توفير الأخشاب، بل انها توفر النباتات الطبية وغيرها من النباتات ذات الفائدة للبشر. كما تلعب الغابات دورا مهما كمرشحات للكاربون للحد من اثار ثاني اوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي وبالتالي المساعدة على احتواء ارتفاع درجات حرارة العالم . غير ان هذا المورد الطبيعي الهام الذي يشكل جزءاً أساسياً في دورة الحياة الطبيعية في إنتاج الأوكسجين اخذ يتعرض الى خطر الإزالة والتجريف. فمنذ عام 1970 انخفضت مساحة أراضي الغابات في العالم من (1109) كلم2 لكل (1000) شخص من السكان الى (7.3) كم2 لكل (1000) شخص عام 1998.
إن هذا الانحسار في مساحة الغابات الطبيعية والإحراج ناتج عن عدة عوامل طبيعية وبشرية، أخذت بالتركز في عالم الجنوب ففي كل سنة تفقد أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (7) ملاين هكتار، وفي كل من آسيا وأفريقيا (4) ملايين هكتار وفي نطاق العالم لا يعاد سوى هكتار واحد مقابل (6) هكتارات في الغابات . وقد جاء هذا الانحسار في مساحة الغابات نتيجة التطور العمراني والزراعي غير المخطط، هذا بالإضافة الى قطع الأخشاب لأغراض صناعية كصناعة الخشب وصناعة الورق، اما العامل الآخر فهو تأثير الحرائق التي يسببها الجفاف وإهمال الانسان، فقد قضت الحرائق على مليون هكتار مثلا في غابات إندونيسيا عام 1972.
إن هذا الانحسار في حجم الغابات والأحراج الناتج عن تزايد الطلب العالمي على الخشب اذ يعتقد ان استهلاك الخشب يزيد (20%) كل عشر سنوات، هذا فضلا عن انحسار حجم الأراضي الصالحة للزراعة دفع بالرعاة الى الاعتماد على الأراضي العشبية الأمر الذي انعكس على انحسار الأحراج وبالتالي اتساع نطاق ظاهرة التصحر. هذا الانحسار في حجم الغابات تظهر آثاره من خلال كوارث تعرية التربة والتخزين والفيضانات والتغيرات المناخية العالمية فعلى سبيل المثال إزالة الغابات في حوض الامازون تسبب في انخفاض بلغ (25%) في رطوبة هواء المنطقة و(12.5) من الإنتاج العالمي للأوكسجين .
2-3 الاحتباس الحراري (الدفء الكوني):
ظاهرة الاحتباس الحراري هي أحد أهم المظاهر المتصلة بإفساد البيئة، فالغازات التي تحافظ على حرارة الجو وتبقيه صالحاً للاستيطان ازداد تركيزها بفعل نشاطات الإنسان. وهذا ما يطلق عليه بظاهرة البيوت الزجاجية اذ تحتجز الحرارة التي تحملها أشعة الشمس بفعل غازات الاحتباس الحراري كالميثان واوكسيد الكاربون مع استحالة خروج الإشعاع الذي يعكسه سطح الأرض الأمر الذي يحدث ارتفاع في درجات الحرارة الى معدل يفوق معدلها في المحيط الجوي وذلك بفعل الاحتباس الحراري (الدفء الكوني) فمن المتوقع ان ترتفع درجات الحرارة الأرض خلال المائة سنة المقبلة ما بين (1-6) درجات مئوية من (1990- 2090) وهو ارتفاع لا سابق له منذ عشرة آلاف سنة.
2-4 النفايات السامة:
تعرف النفايات بأنها مواد او أشياء يتم التخلص منها او يزمع التخلص منها، ومن نافلة القول ان دول الشمال تنتج (90%) من النفايات السامة في العالم ففي عام 1984 فقط تم توليد (132- 375) مليون طن من النفايات على الصعيد العالمي كان حوالي (5) ملايين طن منها في المناطق حديثة العهد بالتصنيع والدول النامية.
وتكون هذه النفايات على شكل أبخرة وغازات او تأخذ أشكالا صلبة أو سائلة، وتظهر خطورتها فيما تلحقه بالبيئة من آثار سلبية بسبب عدم معالجتهما وتحويلها الى أشكال غير مضرة بيئيا، ان ابرز الآثار السلبية لتراكمات النفايات الضارة يتجلى في ثقب الأوزون، وتلوث مياه الأنهار والبحار والمحيطات.
فبالنسبة لثقب الأوزان: فعلى الرغم من كون طبقة الأوزون تحول دون انخفاض درجات حرارة الأرض لانها تمتص ما نسبته (20%) من الإشعاعات الحرارية للأرض وتحول دون دخول الأشعة فوق البنفسجية للأرض، الا انها تعاني من تدهور خطير بسبب العوادم التي تفرزها الطائرات التي تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت، واستخدام الأسمدة النتروجينية وتسرب الغازات المنبثقة من عوادم السيارات واختبارات التفجيرات النووية على ارتفاعات عالية.
إن خطورة استنفاد طبقة الأوزون تظهر من خلال تزايد وصول الأشعة فوق البنفسجية للأرض، الامر الذي ينذر بحدوث مشاكل خطيرة تهدد حياة الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض وما يرتبط بذلك من تغيرات في كل من الطقس والمناخ.
أما تلوث مياه الأنهار والمحيطات التي تشكل حوالي (71%) من سطح الكرة الأرضية، فيقصد به (اذا لم تكن على مستوى كفاءة عالية مناسبة لمستوى الاستخدام الإنساني المأمون سواء أكان في الحاضر أو المستقبل). والملاحظ على مشكلة تلوث المياه انها بدأت تستفحل في معظم بقاع الأرض بفعل الإنسان، بسبب النفايات التي تفرزها المدن الصناعية التي قضت على الحياة في أنهارها وبحيراتها، بالإضافة الى كوارث الناقلات النفطية.
إن تلوث المياه يؤثر في السكان في مختلف أرجاء العالم، لكن اكبر اثر يتركز في عالم الجنوب اذ يفتقر (30%) من سكان الجنوب الى الحصول على مياه مامونة يفتقر (60%) الى الصرف الصحي في حين ان هذه النسب تنخفض في دول الشمال التي كانت صاحبت الأثر الأكبر في تلوث المياه في المعمورة.
3- أثر البيئة على الأمن الدولي
لقد اتضح ان القضايا البيئية والتنموية التي تواجه العالم هي اعقد بكثير مما كان يعتقد، وان المشكلات البيئية التي كانت تبدو مشكلات يمكن التعامل معها على الصعيد الوطني تحولت فجأة الى أزمات شائكة وتتطلب حلولا عالمية عاجلة وشاملة. وكثرة المؤتمرات الدولية التي عقدت حول البيئة تبين أهمية البيئة في حفظ الأمن والسلم الدوليين: فعلى الصعيد الدولي هناك حوالي (300) اتفاقية وبروتوكول متعدد الأطراف. وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقيات من قبل العديد من الدول، غير انها لم تتحول بمجملها الى قوانين وطنية فاعلة . غير ان الذي يلاحظ على هذه المؤتمرات والاتفاقيات الدولية أنها حولت قضايا البيئة المعاصرة الى ميدان جديد للصراع بين الشمال والجنوب اثر بشكل سلبي على الأمن والاستقرار الدوليين. فالجنوب يتهم الشمال انه هو المسؤول عن التدهور البيئي العالمي ويطالبه بتحمل المسؤولية ووضع ضوابط لاستهلاكه المفرط للطاقة واستنزاف الموارد الطبيعية. في مقابل ذلك، فان الشمال يطالب الجنوب بالحد من التكاثر السكاني الذي يزيد من الضغط على موارد الحياة.
أي أن الخلاف بين الشمال والجنوب حول مشاكل البيئة اخذ بالتركز على استنزاف الموارد، النمو السكاني والفقر، والحروب. حيث أضحت هذه القضايا نقاط توتر بين الشمال والجنوب وبين الشمال- الشمال. أضحت تهدد الأمن والسلم الدوليين.
3-1 استنزاف الموارد:
إن استنزاف الموارد على الصعيد العالمي يتركز على مستويين هما: الاستنزاف نتيجة الغنى والاستنزاف نتيجة الفقر.
المستوى الأول هو نتيجة طبيعية لاتساع نطاق التصنيع على مستوى دول الشمال حيث تعتمد عجلة التصنيع في هذه الدول على الموارد الأولية في الدول النامية التي تصدر لهذه الدول المواد الأولية. والطاقة (النفط) حيث ان تزايد وتيرة التنافس بين دول الشمال دفعها الى الاستحواذ على اكبر قدر من الموارد الأولية وعناصر الطاقة لضمان تفوقها المستقبلي. وقد سعت الى تحقيق هذا الهدف عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اتجهت الى دول الجنوب للتخلص من قيود الحماية البيئية التي تفرضها الدول ألام للانتقال الى دول لا تفرض أي قيود من هذا النوع على الإطلاق. خاصة بنقل الصناعات المتقادمة الملوثة للبيئة مقابل تركز الصناعات التقنية المتقدمة في دول الشمال . ان الأثر الذي تفرزه الاستثمارات الأجنبية يظهر في المستوى الثاني وهو استنزاف الموارد نتيجة الفقر فتحرير الاستثمارات يؤدي الى توسيع الفجوة بين الدخول في داخل الدولة الفقيرة، وهذا يؤدي الى تدهور البيئة من ناحيتين: بما قد يؤدي اليه من اضطرار الفقراء الى الأضرار بالبيئة خلال جهودهم المستميتة لكسب الرزق او حتى لمجرد البقاء على قيد الحياة يقول ناقد ألماني ساخر (إن الفقراء فقط هم الذين يصبحون مجرمي البيئة). في حين ان أصحاب الدخول العالية يتجهون لانماط من الاستهلاك اقل حساسية لاثر هذا الاستهلاك في البيئة. ان هذا الإحساس المتولد لدى دول الجنوب في انها كانت ضحية الشمال الصناعي الذي تبنى منهج براغماتي هدفه الأول تحقيق مصالحة بغض النظر عن الآثار التي يفرزها هذا التوجه على وضع دول الجنوب وأثره على البيئة. الأمر الذي من شانه ان يخلق عدم استقرار بسبب تقاطع المصالح بين الشمال والجنوب. مما ينعكس بأثر سلبي على السلم والأمن الدوليين خاصة وان أمن الدول أضحى يعتمد على تحقيق الرفاه الاقتصادي عبر ضمان الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف، كما ان التدهور البيئي يعرض الجوانب الأساسية لامن الدول للخطر من خلال تقويض أنظمة الدعم الطبيعية التي تتوقف عليها جميع الأنشطة البشرية، وبالتالي فان عدم الاستقرار البيئي يعرض أمن الدول للخطر التي هي جزء من منظومة الأمن الدولي أي تعريض الأمن الدولي للخطر.
3-2 النمو السكاني:
إن مشكلة النمو السكاني تتمثل بالضغط الذي تولده على البيئة فتؤدي الى زيادة الطلب على الغذاء وتخلق أزمة في الطاقة، وتؤدي الى زيادة الازدحام في المدن الذي يدفع بالمدن نحو الاتساع على حساب الأراضي الزراعية. فسكان العالم في تزايد وتشير تقارير التنمية البشرية الى انه سيصل الى حوالي (7) مليار نسمة عام 2015.
إن نقطة الخلاف الأساسية التي تثيرها مسألة النمو السكاني بين الشمال والجنوب. هو ان الشمال يتهم الجنوب بالنمو السكاني غير المخطط الذي ولد ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية في حين ان الجنوب يرى ان السبب الأساسي لهذا الضغط البيئي هو غنى الشمال الذي يستاثر بثلثي واردات العالم مقابل ثلث لعالم الجنوب الأمر الذي ولد فقراً لدى دول الجنوب دفعها الى الضغط على الموارد البيئية وهذا يدفع باتجاه عدم الاستقرار العالمي. فالجنوب الفقير سوف يدفعه هذا الفقر الى المطالبة بوجود معايير توزيع اكثر عدالة. والمداعبة التي يقدمها الشمال للجنوب سوف لن تكفي لتحقيق السلام والأمن الدوليين.
3-3 الحروب على الموارد:
إن الخطر الأشد فتكا الذي يواجه البيئة ويؤثر في جوانب معينة من قضايا السلام والأمن الدوليين تأثيرا مباشرا هو احتمال نشوب حرب نووية او نزاع عسكري، فالإجهاد البيئي هو سبب ونتيجة على حد سواء للتوتر السياسي والنزاع العسكري. وغالبا ما تصارعت الأمم لفرض او مقاومة السيطرة على المواد الأولية، وإمدادات الطاقة، والأرض، وأحواض الأنهار، وغيرها من المواد البيئية الأساسية . ومن المرجح ان تتفاقم هذه الحروب مع ازدياد شحة الموارد واشتداد التنافس عليها فالحروب تقريبا لها استراتيجية أساسية واحدة: تدمير نظم دعم الحياة لهزيمة الجيوش والشعوب الأمر الذي يفرز نوعين من التدمير يعتبر إصلاحهما اشد صعوبة: الضرر الذي يلحق بالبيئة الطبيعية والضرر الذي يلحق بالنسيج الاجتماعي للسكان المتضررين.
وتظهر نتائج الحرب بوضوح في أول حرب للسيطرة على الطاقة قادتها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية للسيطرة على منابع النفط. فقد أدى إحراق آبار النفط في الكويت الى خلق سحابة سوداء تغطي سماء العراق هذا بالإضافة الى الآثار التي خلفتها القذائف المطلية باليورانيوم. هذا فيما يتعلق بالبيئة. اما أثار هذه الحرب على صعيد الأمن الدولي فقد خلقت نظام امن دولي جديد يرتبط بالسلام الأمريكي كمرتكز للأمن الدولي في ظل نظام القطبية الأحادية.
في إطار العالم الذي نعيشه والذي امتاز بسرعة الحركة وتواتر التغيير تعرضت البيئة الطبيعية لضغط بشري هائل افرز عدة آثار سلبية نتيجة عن اللامبالاة والسعي الى جعل الحياة اكثر راحة وسهولة عبر توظيف التطور التقني في مجالات الحياة كافة. بشكل أضحى يهدد السلسلة الطبيعية لدورة الحياة التي نعيشها من خلال استنزافه للموارد وإفرازه للغازات والأبخرة والنفايات السامة وتركها دون معالجة الى ان تراكمت لدرجة تنذر بالخطر، مما دفع بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية لعقد مؤتمرات لم تحقق النتائج المتوخاة حيث تنصلت اغلب الدول عن التزاماتها واتجه القسم الآخر مثل الولايات المتحدة الى رفض العديد من مقرارات هذه المؤتمرات التي خلقت فجوة جديدة بين الشمال والجنوب. حيث اثقل الشمال كاهل الجنوب بالتزامات بيئية مماثلة للتي فرضت على الشمال في حين ان الجنوب لا يمتلك القدرات المادية لمجابهة التحديات التي يفرزها تلوث البيئة ولم يسهم بنفس الدرجة التي ساهم بها الشمال في تلويث البيئة. التي أضحت تعاني من انحسار الموارد الطبيعية مما ولد سباقا بين دول الشمال ودول الجنوب للسيطرة على الموارد والطاقة اثر بشكل سلبي على السلم والأمن الدوليين وحمل بين جنباته احتمالية نشوب حروب موارد كان أولها حرب الخليج الثانية في عام 1991، الذي افرز نظاما جديدا للأمن الدولي.