في قديم الزمان ، اذ انهم يحتجون ويستنكرون ويشجبون ثم يدينون ويهددون ، إنهم سادتي أسر أساطين النظام السابق، الذين تحكموا في الرقاب ثلاث عقود من الزمان يقربون هذا ويبعدون ذاك ، ويعطون هذا ويمنعون ذاك ، يختارون لك مكانك في الدنيا ومقعدك في الأخرة ، يسكنونك القصور أو يحشرونك في القبور ، اذا ما رضوا عنك نثروا عليك الذهب والفضة ووهبونك الدراهم من حرزهم وحرز غيرهم وفي ذلك لا يتورعون ، اذ أن العباد والسودان وشعبه ملك يمين وارضه ضيعة أبيهم وميراث أجدادهم لا ينازعهم فيها منازع ، فباعوا ووهبوا وملكوا واستملكوا ، وأعطوا القريب ونفحوا البعيد ، وجعلوا كل شئ عرض ومعروض ، وظنوا أن الأرض التي غطوها بالتعب وشحب أديمها وأصفر أخضرها وتساقطت أورقها أنهم قادرون عليها وأمنوا مكر الله ، ونسوا بأسه فأتاهم ضحي وهم يلعبون ، وكانت الثورة نهارها كليلها أربعة شهور حسوما ، فأضحي نومهم خزازا ، وعبست وجوههم وصارت كقطع من الليل مظلما ، وغشت عيونهم السمادر وطفح الران علي قلوبهم وظنوا أنهم معجزين في الأرض، فأخذتهم الصيحة مشرقين ، وهم من شرف قصورهم ينظرون ولم يظنوا أن الأشياء هي الأشياء ، حين زمجر الرعد انفض سامرهم وأختفي جبتهم ، فكالوا علي رؤوسهم الحصباء ، وأنكروا بعضهم حتي لعن بعضهم بعضا ، وسرت بينهم العداوة والبغضاء حينما إنقطعت المصالح ، وأخذوا يمشون بين الناس ينشرون غذارة غسيلهم ، كأن لم تكن بينهم مودة بالأمس ، إنهم سادتي يحملون أوراقهم وملفات ادانة بعضهم ويسوقون لها ، يرمون بعضهم ليبراءوا أنفسهم وكل يقول نفسي نفسي ، وتري الظالمون ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت ، وفتحت كوبر أبوابها وسألهم حراسها ألم يكن السجن مثوي للظالمين ؟؟ فكم برئ كان هنا ؟. وكم مظلوم كان هنا ؟؟ إنهم لم يسرقون ولم يتحللون فعلام كنتم لهم ساجنين وبأي ذنب حابسين ، أدخلوا كوبر فعليكم اللعنة الي يوم الدين ، وهاهم أسرهم من نومة أهل الكهف يصحون وترتفع أصواتهم أطلقوهم ، ونسوا ما كان بالأمس بل هم قوم عمون ، ألم تكونون في نعيم وبقية الشعب في جحيم أو عذاب أليم.، وماذا فعل من كان في السجن مقيم ؟ إنها الدوائر وعلي الباغي تدور ، فان السرور لا يدوم وان من اختلس علي كرسي الجحيم جلس ، فإن غاب الحق لحظة سيحصحص لحظات ، وإن كسفت الشمس ساعة ستتوهج ساعات ، وان إختفي القمر سيظهر هلالا ثم يصير بدرا ، فعلام البكاء ولماذا العويل ، فكوبر كان بها الأكرمين وأفواج الشرفاء الذين لم يطيعوا النفس اللوامة ولم يفقدوا القوامة ، كانوا يدخلونها والعسس يضربون ظهورهم وهم يبتسمون ، فقدكانوا يقولون طعم الموت في شئ عظيم كطعم الموت في شئ حقير ، لكنهم كانوا ينظرون الي الشمس المضئية هازئين بالسحب والأمطار والأنواء ، ولا يلتفتون لضاربهم ولا يعرفونه ولا يضمرون له شرا لأنهم من حروف الحق كانوا ، وكانوا يرددون حرية سلام وعدالة سرا وعلانية ، فحمل ابناء الشعب شموعهم وفتحت كوبر أبوابها ثم قالت لظالم الأمس هيت لك ، فعن اي عدالة تتحدثون ، ألم يكن مسجون الأمس له أهل وأحباب ، ألم تكن لهم اسامي، ألم يكونون علي هذه الأرض يمشون ، فسألوا اهلكم الذين ادخلوهم السجن ، ماذا اقترفوا وتعلمون ان أهلكم أذاقونا الأمرين ، ثم تتحدثون عن العدالة الناقصة وتطالبون بإطلاق سراحهم، وماذا علينا إلا أن نقول الإستحوا ماتوا !!!
محمد عثمان المبارك