يا جماهير شعبنا الأبي،
إلحاقا لبياننا الأول الذي لم يخض في التفاصيل، يأتي هذا البيان للمزيد من التوضيح:
تقدم رئيس الوزراء في يوم 22 يونيو 2021 بمبادرة تحت عنوان (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام)، تناولت الخطوط العامة التالية:
– هنالك تحديات عديدة تعترض مسار الانتقال أهمها الوضع الاقتصادي والترتيبات الأمنية والعدالة والسيادة الوطنية والعلاقات الخارجية واستكمال السلام وتعدد مراكز القرار وتضاربها والوضع الأمني والتوترات الاجتماعية والفساد وتعثر إزالة التمكين وبناء المؤسسات.
– حددت المبادرة أسس التسوية السياسية في توحيد الكتلة الانتقالية حول مهام الانتقال، وتكوين جيش موحد، و توحيد مراكز القرار داخل الدولة والاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية، والالتزام بتنفيذ اتفاق السلام واستكماله .
– تضمنت المبادرة الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن والتزام جميع الأطراف بالعمل من أجل الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.
– تحدثت المبادرة عن إصلاح القطاع الأمني والعسكري ومراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية
– كما تطرقت إلى قضايا العدالة وعدم الإفلات من العقاب، وإنصاف الضحايا وأسرهم، وضمان إصلاح المؤسسات العدلية والأمنية، وتكوين المجلس التشريعي في مدة أقصاها شهر من الآن، وتشكيل آلية واحدة بين الأطراف المكونة للمرحلة الانتقالية للإشراف على ملف العلاقات الخارجية وتوحيد الرؤى:
– أما في جانب قضايا الاقتصاد، وهو محور اهتمام التحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر المجيدة فقد نصت المبادرة على أن: (الموارد المنتجة داخلياً تكفي لحل الضائقة الاقتصادية لا سيما الذهب والثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية ويكمن الخطل الحقيقي في إدارتها وتحكم أجهزة الدولة في عائد صادرها وأن تتمكن وزارة المالية من فرض الولاية على المال العام).
إن هنالك قضايا في هذه المبادرة لا خلاف عليها، وقد شكلت أهم مطالب الشعب، ولكن الإشكالية الكبرى أمام هذه المبادرة تكمن في الصدقية في التطبيق، إذ أن الممارسة الفعلية لرئيس الوزراء وللسلطة الانتقالية خلال الفترة الماضية وحتى يوم صدور هذه المبادرة كانت كلها تصب في الاتجاه المعاكس لما تناولته هذه المبادرة، وهذا يتطلب تغيير كامل في خط السلطة الحالي، خاصة فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي.
لقد ظلت جماهير شعبنا طوال ما يقارب العامين من عمر حكومة حمدوك تطالب بتحقيق العدالة ومحاكمة المجرمين َالفاسدين وقتلة الشهداء؛ والجيش الوطني الموحد، وضم الشركات العسكرية لولاية المال العام، وتطالب بالمجلس التشريعي ومعالجة الوضع الاقتصادي ومعاش الناس عبر برنامج حشد الموارد الداخلية الذي طرحته قوى الثورة وأكد عليه المؤتمر الاقتصادي القومي؛ ولكن حكومة حمدوك تجاهلت كل ذلك وانشغلت بتطبيق روشتة صندوق النقد الدولي وبرنامج الاملاءات الخارجية وإملاءات دول الترويكا؛ بغرض تسليم كل مقاليد البلاد السياسية والاقتصادية للاجنبي ووضع السودان تحت الانتداب متعدد الجنسيات؛ وقد تم إعداد ذلك البرنامج والأشخاص المنفذين له من خلال مؤتمرات شاتام هاوس الشهيرة التي حددت قبل سقوط النظام التوجهات الاقتصادية المطلوبة لربط السودان بالروشتات الخارجية وحرمانه من طريقه الوطني المستقل.
أما ما جاء في المبادرة ما نصه أن (الموارد المنتجة داخلياً تكفي لحل الضائقة الاقتصادية لا سيما الذهب والثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية ويكمن الخطل الحقيقي في إدارتها وتحكم أجهزة الدولة في عائد صادرها وأن تتمكن وزارة المالية من فرض الولاية على المال العام)، فهذا النص قد أكدت عليه كل وثائق الثورة منذ البرنامج الإسعافي والمؤتمر الاقتصادي القومي الأول والمذكرات والبرامج التي تم رفعها من قبل اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، غير أن حكومة حمدوك قد رفضت تماما هذه الأفكار ووصفتها بأنها (غير سريعة العائد)، وهو وصف غير صحيح لأنها في الحقيقة سريعة ومتوسطة العائد وحصيلتها 12 – 14 مليار دولار في العام على أقل تقدير، في حين أن برنامج الحكومة الذي طبقته لم يأت بأي عائد، وهو برنامج مغاير تماما يرفض سياسة حشد الموارد الداخلية، ويركز فقط على تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي بأقص مداها، وقد أكد رئيس الوزراء في موتمره الصحفي لطرح المبادرة أن المطلوب في الجانب الاقتصادي هو (دعم التوجهات الاقتصادية للحكومة) وقد سبقه وزير ماليته الذي استفز الشعب بقوله أنه لا بديل لهذا الطريق حتى ولو سقطت الحكومة؛ مع ان البدائل موجودة في البرنامج الإسعافي وفي مقررات المؤتمر الاقتصادي القومي وفي مذكرات وبرامج خبراء قوى الثورة التي ظلوا يقدمونها للحكومة والتي تم تلخيصها جميعا في برنامج التحالف الاقتصادي الذي يضم مختلف مكونات قوى ثورة ديسمبر المجيدة.. ويمثل إصرار رئيس الوزراء على برنامج الحكومة الراهن نسفا لفكرة الكتلة الموحدة العريضة للانتقال التي طرحها في مبادرته لأنه لا يمكن أن تكون الوحدة على أساس برنامج يضع البلاد تحت مظلة الانتداب متعدد الجنسيات؛ وافقار الشعب وتدمير الاقتصاد والإنتاج، ويصل بالمواطنين إلى وضع معيشي غاية في الصعوبة، إذ أن المطلوب هو الكتلة الموحدة العريضة للانتقال التي تحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وليس البرامج الخارجية.
إن من المفارقات أن يصدر في نفس يوم المبادرة أحد القرارات التي ستزيد معاناة الشعب وهو قرار تحرير الدولار الجمركي مما يناقض فكرة الحوار حول القضايا الاقتصادية الذي طرحه رئيس الوزراء، إذ أن توقيت هذا القرار هو ما فرضه صندوق النقد الدولي بأن يكون تاريخه نهاية يونيو 2021. كما أن من المفارقات، ومبادرة رئيس الورزاء تتضمن (تفكيك التمكين)، أن يعيد رئيس الوزراء تعيين وزراء ووكلاء وزارات النظام السابق في مواقع حساسة مثلما فعل في وزارة المالية وفي اللجنة الاستشارية لوزارة المالية والعديد من المؤسسات والامتناع تماما عن تعيين منتسبي ثورة ديسمبر المجيدة والحاضنة السياسية في هذه المواقع، وفي ما فعله مخالفة واضحة لقانون إزالة التمكين بإعادة تعيين منتسبي النظام السابق الدستوريين والتنفيذيين في مواقع مهمة والأسماء معروفة للجميع.
إن نجاح هذه المبادرة من عدمه يكمن في ملفات مهمة على رأسها الملف الاقتصادي، لأنه يؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، وقد وصلت الضائقة الاقتصادية أقصى مداها، وأي مبادرة لا تقدم حلا لمشاكل معاناة المواطنين ستكون قاصرة ولذلك فإن الالتزام بالبرنامج الاقتصادي التالي المتفق عليه بين قوى الثورة هو المحك ويتمثل في:
(1) الالتزام بالبرنامج الإسعافي ومقررات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول والمذكرات والبرامج التي قدمتها اللجنة الاقتصادية لقوى الثورة طوال عامين ونصف من خلال مشاركتها في اجتماعات ولجان الموازنات وغيرها التي أفرزت سياسات (حشد الموارد الداخلية).
(2) إعادة هيكلة وزارة المالية وإلغاء الوحدات والهيئات التي اختلقها النظام البائد بغرض تسكين عضويته.
(3) تأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام فعلا لا قولا وذلك عبر تجريم التجننيب وضم الأموال المجنبة لوزارة المالية، وضم أموال الطيران المدني لوزارة المالية، وتبديل العملة، وتحسين إدارة الأموال المستردة بواسطة لجنة التمكين، وضم الشركات الأمنية الرمادية والعسكرية لوزارة المالية.
(4) تحسين كفاءة التحصيل الضريبي، ومحاربة التهرب الضريبي وفرض الضريبة النوعية على شركات الاتصالات.
(5) العمل على تقوية سعر صرف العملة الوطنية بدلا من تخفيضه مما يؤدي لتقوية القيمة الشرائية للجنيه السوداني وتخفيض تكاليف المعيشة، وذلك عبر برامج تؤدي إلى توفير العملات الحرة لدى الدولة وتحارب السوق الموازي بدلا من مجاراته، وذلك عبر:
(أ) تطبيق قرار إقامة البورصة على أساس ضمان توريد عائداتها من العملات الحرة لصالح خزينة الدولة، وضمان سيطرة الحكومة على صادر الذهب، وإقامة بورصة المحاصيل الزراعية وشركات المساهمة العامة، وإرجاع عمل الشركات الأربعة التي كانت تعما في مجال الصادر وهي شركة الصمغ العربي، والأقطان، والحبوب الزيتية، والماشية واللحوم لضمان توريد حصائل الصادر في القنوات الرسمية.
(ب) ضمان السيطرة على أموال الطيران المدني ورسوم عبور نفط الجنوب وغيرها من موارد العملات الأجنبية، بالإضافة إلى جذب مدخرات المغتربين عبر ودائع بالعملات الحرة توضع في البنوك بالعملات الصعبة ويتم سحبها عند انتهاء أجلها بنفس العملة التي وضعت بها، كما نصت على ذلك مبادرة داعمي البنك المركزي التي تم تجاهلها من الحكومة.
(6) عودة الدولة لاستيراد السلع الأساسية المتمثلة في المحروقات والدواء والقمح، وذلك عبر التعاقد في مجال المحروقات بشكل مباشر مع المنتجين في الدول النفطية وعدم ترك ذلك للسماسرة، وعدم بيع المنتج المحلي من الوقود بسعر المستورد بواسطة دولار السوق الموازي مع إضافة 10% كما يحدث اليوم، مما أدى إلى ارتفاع كبير في سعر المحروقات كانت له تأثيراته الضارة على تكلفة المعيشة والإنتاج. وكذلك لابد من استيراد الدواء وتوزيعه بواسطه الإمدادات الطبية.
(7) دعم الموسم الزراعي لزيادة الصادرات وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتحقيق الأمن الغذائي، ودعم القطاعات الإنتاجية في مقدمتها قطاع الصناعة والتعدين وحل مشكلاتها.
(8) إقامة قطاع تعاوني واسع عبر جمعيات تعاونية إنتاجية واستهلاكية وتوفير التمويل اللازم لها لتوصيل السلع من المنتج للمستهلك مباشرة دون المرو بالسماسرة مما يساعد على تحديد الأسعار ومراقبتها، وتشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة في المشروعات الإنتاجية التعاونية، والمشروعات الصغية عبر التمويل الأصغر.
(9) حل مشاكل ارتفاع تكلفة المواصلات وغلاء المعيشة وارتفاع وفوضى الأسعار ومشكلة الخبز والغاز وغيرها من قضايا معاش الناس بالإضافة إلى مشاكل صحة البيئة والصحة والتعليم، وذلك عبر آليات مناسبة. وهذا بالطبع يتطلب التخلي عن سياسة مجاراة السوق الموازي وتخفيض قيمة الجنيه السوداني، مما يخلق ما يسمى بالدعم الذي هو الفرق بين السعر الرسمي والموازي، ثم رفع الدعم.
(10) إعادة النظر في الإعباء التي تم فرضها على المواطنين في أسعار الكهرباء والمياه ورسوم الخدمات الحكومية، وهذا يتطلب العمل على تخفيض الإنفاق والمنصرفات الحكومية بدلا من تحميلها للشعب.
(11) إعادة التفاوض مع المؤسسات الدولية على أساس احترام حق السودان في انتهاج طريقه الخاص في التنمية الاقتصادية والذي يتناسب مع واقعه دون فرض أي شروط خارجية عليه.
إن الالتزام بهذا البرنامج الاقتصادي المسمى ببرنامج حشد الموارد الداخلية، والذي كان نتاج جهد وطني شاركت فيه كل قوى الثورة، هو المحك، أما الاستمرار في برنامج الحكومة الراهن فلن ينتج عنه إلا المزيد من الأزمات.
وفي الخاتمة، وبناء على المذكرتين اللتين رفعناهما وآخرين لمجلس الوزراء في يوم 21 مارس 2021 وبمناسبة 6 أبريل 2021 نقول أنه إذا كانت الحكومة جادة في الوصول إلى قاعدة مشتركة من التفاهم ولديها الرغبة والإرادة في العودة إلى البرنامج الاقتصادي للثورة فلا مانع لدينا من الحوار ومناقشة تفاصيل البرنامج والمذكرتين والعمل المشترك للتطبيق تحقيقا لأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …