السبت , نوفمبر 23 2024
أخبار عاجلة

اطروحة تأهيل المراكز البحثية في السودان

ردا علي دكتور قصي همرور

هذا المقترح مجهود كبير ومقدر من دكتور قصي همرور وزملائه في مركز البحوث والاستشارات الصناعية – وزارة الصناعة يهدف لمركزية مؤسسات البحث العلمي بعيداً عن سيطرة الوزارات ليكون لها استقلاليتها ودعمها المباشر للدولة. الشكر اجزله لدكتور قصي لمشاركتي بالمقترح النهائي الذي قدمه لمجلس الوزراء وتمت مناقشته في جلسة مصغرة لمجلس الوزراء لهذا الغرض في يوم 19 أغسطس 2021. رغماً عن نقاشي في الخاص مع دكتور قصي شاكراً له جهده الكبير ورؤيته المقدرة، أدلي بهذا الرأي المختلف قليلاً علنا بناءاً علي حقيقة ان الوثيقة المطروحة من قبلهم وعرضت علي مجلس الوزراء، قد أصبحت ملك عام ويجب ان يدور حولها نقاش في منابر عامة لتكون مفتوحة للمتخصصين لإبداء رأيهم فيها و سأبتدر هذا النقاش في هذا المقترح برأي المتواضع من خلال تجربة العمل المباشر لي مع الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في السودان وايضا تجاربي السابقة والحالية خارج السودان من خلال العمل المباشر مع القطاعات الحكومية والشركات والجامعات في تطوير منظومات البحوث التخصصية.
اولا: التحدي الأكبر الذي سيواجه هذا المقترح الذي يتحدث عن مركزية مؤسسات البحوث، هو ضعف منظومة التواصل الحالية في مؤسسات الدولة السودانية مما سيقلل من مساهمة هذا الجسم الوليد في دعم منظومة البحوث والتطوير في القطاعات التي تحتاجها بصورة مباشرة. هذا الضعف ناتج عن الضعف الكبير في وسائل التواصل بين الإدارات في الوزارة نفسها فما بالك مع خارج الوزارة! والعديد من الوزارات الحساسة حاليا لا تملك كمبيوترات ولا ايميلات ولا شبكات مشتركة. الاستعجال في خطوة كهذه يمكن أن يؤدي للأسف الي اضعاف او حتى إعدام دور مؤسسات البحث العلمي Research and Development (R&D) في دعم القطاعات المنوط بها دعمها والمحدودة جداً حالياً من حيث مساهمتها في اتخاذ القرار او بناء خطط واستراتيجيات. لاحظت من خلال زيارتي الى دكتور قصي وزملائه في مركزهم بالحلفايا ان هناك امكانيات كبيرة في مركز البحوث والاستشارات الصناعية الذي تملكه وزارة الصناعة الاتحادية والكثير من الدراسات القيمة التي لم تتم الاستفادة منها لضعف التواصل بين متخذي القرار وهذا المركز مما اضاع فرص كبيرة للاستفادة منه رغماً عن أنه جزء من الوزارة فما بالك أن أصبح جزء من مؤسسة خارج الوزارة! بالتأكيد خطوة مثل ما تم اقتراحه يمكن أن تكون مناسبة لمرحلة لاحقة بعد البناء المؤسسي لأجسام الدولة المختلفة ووضع تصور واضح للتكاملية ووضع خطة واضحة integrated model بين اجسام الدولة المختلفة مع خطة استراتيجية متكاملة لجسم مفوضية التخطيط الاستراتيجي.
ثانيا: الكتلة الكبرى للبحث العلمي في السودان هي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (تقريباً 95%) مقارنة ب 5% بمراكز ال R&D في القطاعات الحكومية للدولة مما يجعل أولوية المرحلة الحالية هي كيفية ال clustering وتجميع القدرات البحثية الحالية وتوفير الامكانيات والصلات المباشرة لها لتقديم دعم تخصصي للمجالات التي تحتاجها الدولة (البحوث التخصصية). مثلاً، تطوير زراعة القمح او صناعة الجلود او استخراج وتصنيع النحاس وغيره وتوسيع رقعة هذه الامثلة لخلق تنمية متوازنة وبخطط محكمة. فلو اخذنا مثلاً توطي منظومة انتاج القمح في السودان للاكتفاء الذاتي وحتي التصدير فمن الأفضل تجميع قدرات مراكز البحوث المتخصصة في الزراعة والري والبنية التحتية والنقل والمتوفرة حالياً لدعم هذا القطاع وأن يعمل الجميع يدا واحدة في تسريع وتطوير خطط وامكانيات المنظومة التخصصية وانجاح سياسات الدولة وحتي قيادة القرار نحو هذا الهدف وبالطبع هذا الطريق أكثر فعالية من عمل جسم مركزي لا صلة له بالقطاعات المذكورة أعلاه مطلوب منه أن يتواصل معها مستخدماً بيروقراطية الدولة والتي تعاني من ضعف كبير جداً وتخلف في كثير من الاحيان وخصوصاً في مجال التواصل كما ذكرت سابقا. للأسف هذه المراكز حالياً محدودة القدرات ولا تملك صلات بالقطاعات التي تحتاج دعمها رغم انها تعمل من ميزانية الدولة ويمكن أن تساهم في نهضتها الاقتصادية لتحلق بعد فترة اكتفاء ذاتي بل مصادر دخل اضافية.
المقترح بمركزية مؤسسات البحث العلمي بعيداً عن روافدها للاسف يمكن أيضا أن يضعف فعالية مشاريع الدراسات العليا والبحوث بالجامعات في دعم المنظومة الاقتصادية للدولة رغم أن جلها الآن وللأسف الشديد يذهب إلى أرفف المكتبات والمخازن لغياب الصلة المباشرة ما بين الجامعات ومراكز البحوث وادارة الدولة ومؤسساتها وهذا يقدم مثلاً آخر لصعوبة تطبيق الخطة المقترحة اعلاه وفي الوقت الراهن.
ثالثا: التجربة الحالية التي تمت ما بين وزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي تحت قيادة جامعة الإمام المهدي بالتعاون مع جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وجامعة الخرطوم وجامعة الجزيرة وجامعة بخت الرضا وايضا مركز البحوث والاستشارات الصناعية-وزارة الصناعة بالإضافة الى شركات السكر السودانية في القطاع العام (شركة السكر السودانية)، والقطاع الخاص (شركة سكر كنانة و شركة سكر النيل الابيض) لبناء مشروع قومي تضامني “المعهد القومي لتكنولوجيا السكر” لدعم قطاع صناعة السكر في السودان من أجل نقلة كبيرة في هذا القطاع يمكن اعتبارها مثال حي للخطوة التي يحتاجها السودان في الوقت الراهن لدعم القطاعات الاقتصادية والتي يمكن أن تساعد في ربط مؤسسات البحث العلمي والوزارات وقطاعات الاقتصاد المختلفة لدعم هدف محدد وتخصصي “حل مشاكل وتطوير منظومة قطاع السكر في السودان”.
مثل هذا التعاون يمكن أن يساعد بشكل كبير في خلق منظومة تعاون مشترك ما بين الجميع لتدريب وتأهيل الكادر البشري الذي يحتاجه هذا القطاع. وهذا التدريب يمكن أن يبدا من العمالة المتخصصة مثل عمال اللحام والخراطة وغيره (وهي حالياً للأسف يتم استجلابها من الهند والفلبين بملايين الدولارات سنوياً) وايضاً تدريب وتأهيل الفنيين والمهندسين والاداريين المتخصصين في هذا المجال بالإضافة إلى بناء جسر مباشر ما بين منظومة البحث العلمي في الجامعات ومراكز ال R&D والتدريب في الصناعة والدولة لحل مشاكل هذا القطاع وبناء خطة مستقبلية تتركز على مشاركة إمكانيات الجميع. اتفاقية *المعهد القومي لتكنولوجيا السكر* والاتفاقية ما بين الجامعات نصت على مساهمة الجميع في هذا العمل الوطني المميز بموافقة جميع إدارات المؤسسات المشاركة، على فتح أبوابها ووضع كل امكانياتها من مراكز تدريب وتأهيل وبحث علمي وتطوير لتصبح متاحه لهذا المشروع القومي التكاملي ولكل السودان مما يساهم في عملية بناء المنظومة الاقتصادية وحل مشاكلها كما يمكن أيضا ان يكون هذه المعاهد القومية جسرا للتعاون مع العالم ان وجدت الدعم اللازم وتم توسيع قدراتها وامكانياتها مما يسهل تحويلها الى مراكز قارية وعالمية في مجالات تخصصية مهمة يحتاجها العالم مثل الغذاء-الطاقة-الماء Water-Energy-Food Nexus والتي يمكن ان يكون للسودان دور كبير فيها عبر هذه المراكز. بدأ قطاع السكر في السودان منذ الستينات وتعتبر هذه الخطوة التكاملية الأولي منذ ذلك الحين.
رحلة إنشاء المعهد القومي لتكنولوجيا السكر كانت رؤية متميزة لوزارة الصناعة قادها السيد وزير الصناعة وطاقمه بالتعاون مع السيدة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي ووالي ولاية النيل الأبيض وهو انجاز كبير لقيادات شركات السكر السودانية (كنانة وشركة السكر السودانية وشركة النيل الأبيض) ومديري الجامعات السودانية التي ساهمت في بناء منظومة العمل القومي المذكور وقيادات الوزارات المختصة ولمجلس وإدارة وأساتذة جامعة الإمام المهدي و لربان السفينة بروفيسور حسن مضوي عميد المعهد وهذه الرحلة بهذا العمل التكاملي يمكن ان تكرر في جميع التخصصات والمجالات مثل الزراعة، و النفط والغاز، والإنتاج الحيواني، و المعادن، وغيرها.
الخلاصة: الخطة الحالية المقترحة لمراكز البحوث المركزية خطة مستقبلية طموحة وبالتأكيد يمكن أن تكون إضافة لمنظومة التخطيط الاستراتيجي وبناء مستقبل السودان ولكن ما يهم الآن هو المحافظة علي مؤسساتنا القائمة حاليا وزيادة فعاليتها وربطها بمؤسساتنا الاقتصادية وخصوصاً مراكز بحوث التعليم العالي والبحث العلمي- التي تمثل الكتلة الأكبر- ومراكز بحوث الوزارات التخصصية ومن ثم تطوير منظومة مركزية بعد بناء خطة تواصل متكاملة وجسم قوي مسيطر علي التخطيط الاستراتيجي في الدولة يربط الجميع بخيط واحد.

بروفيسور نمر عثمان محمد البشير
الأحد 22 أغسطس 2021

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا

أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا