كتب : عبدالملك سرالختم
كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق ، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة ، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ، ونختنق بالدموع ، ونحن نودع واحداً من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة ، الناكرين للذات ، من ذلك الزمن الجميل البعيد ، أستاذنا جميعاً ، المربي المرحوم خليل السنوسي ، الذي فارق الدنيا ، بعد مسيرة عطاء عريضة ، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والإجتماعي ، تاركاً سيرة عطرة ، وذكرى طيبة ، وروحاً نقية ، وميراثاً من القيم والمثل النبيلة .
فيا أيها الانسان الطيب ، والمدير المخلص ، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعِملك ، يعز علينا فراقك ، في وقت نحتاج فيه الى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين . ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب ورجال المستقبل والغد ، و لما علمتنا من أخلاق وقيم فاضلة ، وغرست فينا حب العلم والمعرفة ، ونميت في أعماقنا قيم المحبة والخير والإنتماء .
ويا لسعادتي ، وشرف كبير لي ، انني كنت واحداً من طلاب وتلامذة راحلنا الكريم الأستاذ خليل السنوسي ، الذي عمل مدرساً في مدرسة القضارف الثانوية الجديدة ”
عرفنا فيها الفقيد معلماً هادئاً ، متسامحاً ، راضياً ، قنوعاً ، ملتزماً بإنسانيته وقيمه التربوية الفاضلة . حمل الأمانة باخلاص ، وأعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم . تمتع بخصال ومزايا حميدة جلها الإيمان ودماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ، متميزاً بالدماثة ، والتواضع الذي زاده إحتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب وكل من عرفه والتقى به. وهل هناك ثروة يبقيها الإنسان بعد موته أكثر من محبة الناس ..؟!
أكثر من أربعون عاما أمضاها في ساحة التعليم ، التي شرفها وتشرفت به ، فكان رسول علم ومعرفة ، وجدول عطاء وتضحية ، ونعم المعلم والمدير والأب الحنون والأخ الودود والصديق الصدوق . فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح . وأعطى كل ما لديه بلا حدود ، ودون كلل أو ملل ، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن ، وأهم الرسالات ، رسالة العلم والتربية ، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني ، التي في صلبها بناء الإنسان ، وبناء الوطن ، وبناء المجتمع .
لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي ، خليل السنوسي جسداً ، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة ، ولن ننساه ، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا .
نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الأمانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون .
وأشهد الله أني لفقدك محزونٌ محزون.