عاصم الطيب قرشي
١)
يوم واحد و عشرين شهر عشرة سنة عشرين واحد و عشرين، بدأت إجراءات تحريف حروف إسم أكتوبر و تاريخه الثوري إلى كلمة سرٍّ في دهاليز مكاتب الضباط و سِرِّ ليل لديدبانية الجنود. “إكتووا برا” صارت سر الليل لثلاثة ليالٍ إكتوت فيها مدن السودان بزفير الثوار و هتافاتهم الحارقة التي تردد ذكرى ثورة أكتوبر و تندد بكُثر تدخلات العُربان و سيطرة “الضُبَّان” على أجواء السودان.
٢)
في اليوم الثاني و العشرين، خرج الثوار يهتفون “الضبان الوسخان الضبان عدو الإنسان”. في تلك الليلة تعكر النيل بآخر دفقات الخريف فانقلب الطمي على الماء ثم تسلل إلى خراطيش المياه الموصلة إلى صهاريج المدن النائمة فعكَّر صفوها تماما قبل أن يتدفق عبر المواسير و تتطين بلد المواسير.
٣)
في الثالث و العشرين، خنقت خراطيشُ الماءِ أعناقَ المواسير و كمَّمَت أفواه الصنابير بطريقة شيطانية تشبه تآمر جذور شجرة الشيطان على مصادر الماء. في تلك الليلة، تحولت جذور شجرة الشيطان إلى سياطٍ حملتها الحمير بأمرٍ من الأمير ليلهب بها الجلادون ظهور البشر و ينهبوا كل الخير قبل أن يعم الشر.
٤)
في الرابع و العشرين ساد البلاد سكونٌ و صمتٌ كصمتٍ القبور تحوَّل فيه كل بشير إلى نذير. لقد إنقلبت المدينة إلى غابة مُسِخَ فيها الساسة إلى قرود، العسكر إلى حمير و الثوار أسود. إنتشارُ الذباب في كل مكان دليل و برهان على تزايد الرمم في عاصمة السودان.
فجأةً، إنقلبت خراطيش الماء إلى خراطيشٍ ناريةٍ و أعيرة تخترق صدور الشباب و أجساد الأطفال بلا رحمة. بعدها، جلس كل غفير على كرسي وزير، ثم تحولت كل المواسير إلى أبواق تردد في الأزقة و الطرقات “سير سير يا أمير”.
٥)
في ليلة الخامس و العشرين، خرجت القرود و قيدت الأسود، بينما إنطلقت أفواج الحمير تحمل الخراطيش و المواسير.
٦)
في صباح الخامس و العشرين، إنقلب الحمير على أنفسهم فمسخ الله صورتهم في أعين الأسود إلى بغلٍ كبيرٍ يقود فريقاً أول من الحمُرِ المستنفره و فريقاً آخر من البشر المُستحمَره. أعلن البغلُ نفسه ملِكاً لحيوانات الغابة و أهل المدينة، أذاع بيانَ الإنقلابِ فريقُهُ الأول و باركهُ الآخر.
عند منتصف الليل، أرسل الملك البغل للحمير برقية شفاهية صهق فيها بين الصهيل و النهيق:- “لو خليتوا الأسود ديل على ربطة القرود دي ح أتوجكم أباطرة للغابة و ملوكاً لأكبر عقارات، سأجعل كل حمارٍ منكم نائباً للملك و مالك عقار”.
إستغربت الحمير من البرقية و ردَّت مهنقةً بسؤال للبغل الكبير:- ” لكن الكلام ده ما كتير علينا يا ملك!.”
رد البغل:- “أبداً، ما كتير عليكم يا حمير طالما القرود قدرت تربط الأسود و إنتو أصلاً ما ح توفوا بالعقود، حتماً ح يجي يوم أرحل من الغابة و تكونوا إنتو الأسياد و الأسود.”
في ليلهم، إكتويينا لكن بنيران قلوبنا و ليس بنيرانهم، و في صبحنا أصبحنا على تغريدات أسراب العصافير عبر الأسافير تعلن عودة الطيور الما بتعرف ليها خرطة و لا في إيدها جواز سفر.