سياسة الغابات القومية
ما إن استتب الأمر لحكومة المستعمر حتى أرسلت في طلب خبير الغابات الهندي الأصل المستر ج. أ. موريل لإعداد دراسة حول كيفية استغلال غابات السودان وإدارتها. وبعد مضي حوالي العامين قضاهما المستر موريل في التطواف في ربوع البلاد على ظهور الحمير والجمال والبواخر رفع في أكتوبر 1901م تقريره الذي أوصى فيه بإنشاء مصلحة للغابات وتعيين مدير لها، وحجز غابات النيلين الأبيض والأزرق وحمايتها لإمداد الخرطوم والقاطرات بالوقود وفلنكات السكة حديد
في العام 1902م أنشئت مصلحة الغابات والأحراش. وفي عامي 1908 و1917 صدرت القوانين الداعمة لسياسات تنظيم وضبط استخدام موارد الغابات والمحافظة عليها. وفي 31 يناير 1932م صدر في الجلسة (رقم 368) لمجلس حاكم عام السودان السير ج. ل. مافي، أول وثيقة لسياسة قومية للغابات، اشتملت على توجيهات عن قطع الأشجار داخل وخارج المناطق المحجوزة، وأوضحت المحظورات وامتيازات السكان في الغابات، وفصلت بدقة تقاسم المسؤوليات والمهام المرتبطة بالغابات بين السلطة المركزية والسلطات المحلية في المديريات.
ظلت تلك السياسة سارية لأكثر من نصف قرن إلى أن عُدّلت عام 1986م لاستيعاب الرؤى الجديدة التي تدعو لإشراك المجتمعات المحلية في أعمال الغابات، والاستجابة للقلق المتنامي لحماية البيئة. ورغماً عن تأكيد السياستين (الأصلية لسنة 1932، والمعدلة لسنة 1986) على أهمية تحسين موارد الغابات والمحافظة عليها إلا أنهما لم يفضيا إلى النتائج المرجوة. فهناك الكثير من التغيرات التي حدثت داخل وخارج قطاع الغابات في أعقاب إصدار السياسة المعدلة كان لها تأثير على قطاع الغابات مما أوجب مراجعة شاملة للسياسة من جديد. ومن بين هذه المتغيرات:
• اعتماد نظام الحكم الاتحادي والانحياز البيّن نحو اللامركزية وصدور الدستور الانتقالي لسنة 2005 المتضمن اقتسام الثروة والسلطة بين المستوي الاتحادي وحكومة الجنوب والولايات.
• بروز السودان كدولة منتجة للنفط مما أحدث تغييراً في موازنات الطاقة، وأدى كذلك إلى السيطرة على التضخم وانطلاق الاقتصاد نحو النمو بمعدلات أعلي مما كان له الأثر في تخفيف القيود الصارمة التي كانت مفروضة على الإنفاق العام وفتح فرصاً أوسع لتمويل التنمية في مجال الغابات.
• مخاطر المعدلات المتنامية لإزالة الغابات ومستوى الوعي المتنامي بدور الغابات في استقرار البيئة.
• مخاطر فقدان السودان لموقعه الريادي في الإنتاج والتجارة العالمية للصمغ العربي.
• تحقيق المساهمة الفاعلة للقطاع الخاص والمجتمعات المحلية في إدارة موارد الغابات.
على ضوء العوامل الوارد ذكرها أعلاه طلبت حكومة السودان في عام 2002 من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) المساعدة في مراجعة السياسة القومية للغابات والأطر التشريعية والمؤسسية. وقد استجابت الفاو لهذا الطلب بالتصديق على المشروع (رقم TCP/SUD/2903) الذي بدأ العمل به في يوليو 2003.
بدأت عملية إعداد السياسة بإجراء استطلاع غطي أكثر من سبعمائة فرد يمثلون الجهات المعنية بقطاع الغابات على نطاق القطر (الوزارات والإدارات الحكومية الاتحادية والولائية، المزارعين والرعاة والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص، تعليم وأبحاث الغابات، منظمات المجتمع المدني، الخ)، بغرض تحديد القضايا الرئيسة لقطاع الغابات، وإخضاعها للحوار وترتيبها وفقاً للأهمية القومية وللأجندة السياسية والتنموية والقضاياً الأخرى المفصلية مثل الدستور الانتقالي لسنة 2005م، والأجندة البيئية الدولية، وأهداف التنمية للألفية (MDGs)، وتم من ثم وضع الرؤيا المستقبلية والتطلعات القومية وتحديد الأهداف التي تقود لتحقيق تلك الرؤيا والتطلعات.
وقد تلخصت وثيقة السياسة القومية للغابات في الآتي:
أولاُ، تعريف السياسة بأنها “بيان لنوايا حكومة السودان يعبر عن التزامها الجازم بأن تدير موارد الغابات في السودان مباشرة أو توجه إدارتها نحو هدف المحافظة على إمداد منتجات وخدمات الغابات لمقابلة احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار باحتياجات الأجيال القادمة من هذه المنتجات والخدمات”.
ثانياً، الرؤيا (Vision)، بأنها “استغلال موارد الغابات بأسلوب حكيم وفعال ومستدام حسب القيم واستجابة لاحتياجات شعب السودان بما يخلق فرص التوظيف ومجالات الاستثمار التي تساعد على إزالة الفقر وتحقق الأمن الغذائي وتفضي في نفس الوقت لتحسن البيئة الطبيعية، وذلك بمشاركة كل المعنيين بالقطاع ليتمخض عن جهدهم سودان أخضر يراعي فيه الحفاظ على التنوع الاحيائي والاستفادة من الموارد لفائدة الأجيال الراهنة والقادمة. وتظل مسئولية توفير الخدمات البيئية والسلعية على عاتق المؤسسات الحكومية. ويقوم القطاع الخاص بإنتاج السلع التجارية فى كل الحالات الممكنة تحت ضوابط تنافسية ومستدامة”.
ثالثاً، التطلعات أو الأهداف القومية (National goals):
• الحكم الرشيد لقطاع الغابات من خلال “إنشاء إدارة عامة للغابات هي الهيئة القومية للغابات القائمة حالياً على المستوى الاتحادي، وإدارات غابات على المستوى الولائي قادرة على تسيير الأمور والقيام بمهامها المنصوص عنها بطريقة شفافة وجماعية ومجدية اقتصادياً. ويقصد بهذا تحقيق حكم رشيدً في قطاع الغابات يتمشى مع الدستور الانتقالي 2005م.
• تحسين حالة الناس من خلال تحقيق هدف محاربة الفقر وتأمين الغذاء وزيادة الدخل من أجل رفاهية شعب السودان.
• السودان الأخضر، من خلال تحقيق هدف خلق سودان أكثر خضره.
• المحافظة على التنافسية من خلال تحقيق هدف المحافظة على الميزة التنافسية لقطاع الغابات.
• المشاركة الشعبية من خلال تحقيق هدف ضمان نفوذ المجتمع المدني خاصة المعنيين بأمر الغابات فى صنع القرار والإستفادة من إستغلال موارد الغابات والمحافظة عليها.
• فض النزاع حول استخدامات وحيازة الأراضي من خلال تحقيق هدف ضمان الحيازة الآمنة لأراضي الغابات وتنسيق وتنظيم نشاطات المعنيين فى قطاع الغابات.
• تطوير برنامج التوظيف ومصادر الدخل من خلال تحقيق هدف تنويع المناشط الغابية لضمان فرص العمل للمجتمعات ذات الصلة بالغابات والإستفادة من موارد الغابات لإنتاج سلع ذات قيمة إضافية عالية قادرة على المنافسة في الأسواق الوطنية والدولية.
• المحافظة على التنوع الإحيائي من خلال تحقيق هدف المحافظة على السمات الايكولوجية للمناطق المحمية والغابات المحجوزة والمساحات المغطاة بالأشجار خارج الغابات وتحسين صحة وحيوية النظم البيئية الغابية وضمان تطورها وارتقائها الطبيعي الحر.
رابعاً، الأهداف المباشرة وتوجيهات السياسة Specific objectives & policy guidance)):
• الهدف الأول: تحديد المهام المقررة للهيئة القومية للغابات لمقابلة التحديات القومية ومواصلة بناء قدراتها لمقابلة هذه المهام وتقوية إدارات الغابات الولائية لمضاعفة جهودها نحو تحقيق الأهداف القومية وأداء واجباتها الولائية. ويعمل كلاهما لتمكين المجتمعات المحلية والقطاع الخاص للمساهمة الفاعلة في تنمية قطاع الغابات.
• الهدف الثاني: تحسين و تخضير المناطق الهامشية بالحماية المكثفة للغابات الطبيعية وتشجير المناطق الهامشية بغرض تقليل العوامل المسببة للتصحر ومعالجة التأثيرات الإجتماعية والاقتصادية للتصحر والتأثيرات السلبية على التنوع الإحيائي وأخيرا تحسين اقتصاد البلاد ومعايشة الناس وقدراتهم على مقاومة آثار التصحر.
• الهدف الثالث: تفعيل الحماية لعدد 2623 غابة (كانت تشكل الغابات المحجوزة عند إعداد الدراسة عام 2003) وتكثيفها واستدامة إدارتها وإنشاء غابات محجوزة جديدة لمقابلة احتياجات الناس لمنتجات وخدمات الغابات. مع الاهتمام بتعزيز المشاركة الشعبية فى مكافحة التصحر والعمل علي رفع فعالية وجدوى الاستثمارات طوياة الأجل فى كل أنواع الغابات. ومشاركة كل الممثلين بما فيهم المجتمعات المحلية وتعظيم دور المؤسسات المحلية والخاصة”.
• الهدف الرابع: هو تكملة جهود واستراتيجيات القطاعات الأخرى التى ترمي لتحقيق أهداف الاستراتيجية القومية وخطة العمل للتنوع الإحيائي والعمل على المحافظة على التنوع الإحيائي المتعلق بالغابات عن طريق المساهمة الرسمية وحشد المشاركة الفاعلة من المجتمعات المحلية.
• الهدف الخامس: وضع نظام لحيازة الأراضي يفضي لزيادة الاستثمارات طويلة الأمد فى قطاع الغابات والنظم الايكولوجية ويؤمن الأعمال التى تضمن الاستغلال المستدام للغابات.
• الهدف السادس: هو تحويل النظام الراهن للإنتاج والإستخدام المشاع للمنتجات غير الخشبية إلى نمط إنتاجي يقوم على نظم إدارية مستدامة بحيث تحقق تلك المنتجات والخدمات أقصي قدر من القيمة المضافة بصورة تستجيب لمتطلبات السوق وتكتسب أفضلية تنافسية في الأسواق.
• الهدف السابع: حصر وتقدير إنتاج الغابات وتقييم الطاقة الإنتاجية للمرافق الصناعية الراهنة فى سبيل إنشاء صناعة نشر بالقطاع الخاص متطلعه للربح وذات تقنية حديثة ومنافسة تعتمد على إمدادات الأخشاب من غابات تحت الإدارة المستدامة. كذلك إنشاء استثمارات صناعية فى قطاع الغابات تعتمد على الميزات التنافسية لمختلف منتجات وخدمات الغابات.
• الهدف الثامن: هو توجيه صناعة النفط نحو تحسين حالة غطاء الغابات فى البلاد بتوفير الطاقة البترولية بصورة ميسرة لتقليل الأعتماد على طاقة الكتلة الحية مما يقلل الحاجة لحطب الوقود وتوفير الأموال التى تساهم فى إحداث تنمية أفضل للغابات من عائدات النفط.
• بحلول العام 2006م اكتملت مسودة السياسة ولكن لم ندفع بها للإجازة الرسمية، لأسباب أبرزها صدور توجيه (بالرقم 13 بتاريخ 22 فبراير 2007م) من مجلس الوزراء بالتوصية لدى رئاسة الجمهورية بدراسة أمر تنظيم الإشراف القومي على الغابات وتعديل الدستور لجعل شأن الغابات شأناً قومياً، ثم في العام 2011 وقع انفصال الجنوب وترتب عنه تقلص مساحة الغابات من 7ر29% من المساحة الكلية للسودان الموحد إلى 15.8% لسودان ما بعد الانفصال، وفقدان السودان ـنحو 75% من عائدات البترول وما لذلك من تأثير على النمو الاقتصادي وما يسببه ذلك من ضغوطات متزايدة على موارد الغابات، ولأجل ذلك تم إخضاع المسودة للمراجعة عدة مرات كان آخرها في عام 2015م حتى أجازها مجلس الوزراء القومي بقراره رقم 127 تاريخ 19 أبريل 2017م.. يتبع.
تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.
عبد العظيم ميرغني
68 Although some EU member states permit the use of the drug in horses for the management of chronic bone and joint problems, for example, arthritis, under the above mentioned conditions, others do not, severely limiting the use of phenylbutazone in those countries priligy ebay It markedly increases heart rate and may provoke arrhythmias due to its sympathomimetic effects and the reflex sympathetic activation associated with its use