عنقاء النيل
رندا عطية
صحفية سبرانية
.
الوقت كان حوالي الساعة التاسعة والربع صباحاً، وانا جالسة وسماعات المسجل على اذني مستمعة لبعض الموسيقى الهادئة ورائحة النسكافية تملأ ارجاء المكان فيما انا اقوم بتصفح صحيفتي وقعت عيناي على تحليل اخباري يوضح ان بريق الذهب الاسود هو الذي يُعمي بصيرة الولايات المتحدة الاميركية فيما هي متورطة وما ستتورط فيه من مشاكل، وحينها دخلت علي صاحبتي تلك بعد غيبة وهي تحمل في يدها كيسا ذا الوان انيقة لمحته بطرف عيني ، والذي فيما هي تقوم بتفريغ محتوياته على طاولتي إلا وتبعثرت امامي عدة علب لطيفة اعرفها جيداً فهي علب لكريمات نسائية من عائلات ديانا الى روز إلى.. ثم قامت بوضع موبايل اسود اللون يتيه لمعاناً من الجدة بجوارها بحرصٍ شديد، وحينما رفعت عيني ناظرة إلى وجهها ساورني شعور مقلق بان ثمة شئٍ غريب بها وقبل ان ادرك ما كنهه وجدتها تصيح هاتفة بي بلهفة بعد ان قامت بازاحة سماعات المسجل عن اذني:
هيه..
لقد اخبروني بمزيج ناجح لتفتيح لون بشرة الوجه، انه يتكون من خلط هذا الكريم بذاك مع اضافة..
و عند سماعي لكلامها هذا وامعاني النظر في وجهها تلاشت حيرتي وادركت ما متغير بها فحاولت ان اٌخفي احساس الضيق الذي بدأ يحتويني بتظاهري بالاهتمام اصغاءً لما تقول.
ثم
اخرجت علبة كبيرة الحجم وهي تقول لي بصوتٍ مشوقٍ:
اما هذه فتحتوي على كريم لتفتيح لون بشرة الجسم..
ثم وانحنت على اذني هامسةً فيها:
الم تر فلانة قريباً.. هممم.. انك لن تعرفيها لقد وصلني كلام من مصدر موثوق يؤكد بأنها قد قامت باستعمال هذه الخلطات الكريمية الرهيبة..
وحينها مددت يدي متناولة موبايلها وسائلة اياها قلت:
هل قمت بتغيير موبايلك؟
فأجابتني بصوتٍ منتشي:
اجل
و بصوتٍ فخور أضافت:
انظري اليه انه باهظ الثمن
فقلت لها وانا اضغط على كلماتي:
ولكنه اسود اللون.
فأجابتني وهي تمد يدها لتأخذه مني بحنو:
نعم، أنا قمت باختياره اسود اللون، فاللون الاسود من الالوان الراقية.. الا تعلمين بمدى ندرته حتى في السيارات فالسيارة السوداء هي الاغلى ثمناً والاكثر رغبةً.
ثم بصوتٍ يتمايل ضحكاً اردفت قائلة:
وانتم الشعراء اكثر الناس معرفة بان العشاق لا يتناجون الا وهم متسربلون بالليل وسواده.
فاعتدلت في جلستي مسمرة عيناي في عينيها مقاطعة اياها بهدوء مرتلة قوله تعالى:
«يأيها المزمل، قم الليل الا قليلا، نصفه او انقص منه قليلا، او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا».
ثم واضعةً كفي على خدي قلت لها:
اذن يا عزيزتي لم جلبتِ لي كريمات تفتيح وتغيير لون البشرة هذه..
فاسقط في يدها.. وجعلت تنظر لموبايلها اسود اللون كأنها ترى لونه للمرة الاولى.
و عدت لقراءة صحيفتي وارتشاف كوب النسكافية الذي بيدي لتقع عيناي على عنوان لمقال يقول:
«السودان يسبح في بركة من الذهب الاسود»
فلعقت لساني، متذوقة طعم قهوة النسكافية المنسابة فيه، شاعرة بها واهبة لجسدي دفئاً منعشاً، وفيما عيناي تسبحان تأملاً في مزيجها الكاكاوي اللون انتابني شعور مبهم
بأنه قد سكب من
لوني.
!!!!!
randaattia171@gmail.com