كتبت *Ula A. Osman* في صفحتها بالفيسبوك بوست ممتاز عن المعارف المحلية المرتبطة بالغابات” في احدى اللايفات الاسفيرية كنا بنتكلم عن الموروثات الشعبية في السودان و الروايات الشعبية و تأثرها بالحرب الحالية. بقيت بفكر كتير في الموضوع دا و شاغل بالي حرفياً بما اني درست علوم غابات و بيئة جامعة الخرطوم، و كان لي الحظ ان أتجول بين ولايات السودان المختلفة شرقها و غربها و جنوبها و تعاملي مع السكان الأصليين و المحليين و حكاياتهم عن ” العلوم الصماء” فيما معناها هي المعارف و الممارسات السرية تعتبر سرية و لا يتم تداولها علانيةً، و ترتبط بمجالات الطب الشعبي الزراعة و الرعي و الخ. موجودة في التراث السوداني علم الحرف و الأوقاف زي استخدام الأرقام في العلاج و الحماية و امثلة لا تحصى و لا تعد.
التغيير الديمغرافي الحاصل حالياً دا و نزوح السكان الأصليين و المحليين من مناطقهم ما عارفة أوصف كيف الحاجة دي كارثية و في مسح تام لتاريخ و عادات و تقاليد و موروثات تم نقلها عبر اجيال و اجيال، دا تهديد واضح لفقدان الهوية الثقافية و الموروثات الشعبية، زي تهديد اللغات المحلية، المطبخ السوداني التقليدي، ضياع الفنون و الاغاني الشعبية الخ لانو كلها متأثرة بالبيئة الموجود فيها السكان الأصليين.
لو جينا اتكلمنا عن الزراعة و الرعي و الغابات ، انو ديل اهم ركائز الحياة عند السكان و تراثهم، مثال موضوع أنماط الهجرة الموسمية، تعطل هجرة الرعاة بسبب انعدام الامن دا بيأثر على تقاليد الرعي الموسمية.
ضياع المعارف الزراعية التقليدية ح تتعرض للنسيان بسبب نزوح المزارعين و ح تفقد الأصناف المحلية من البذور. بالنسبة للغابات ح نفقد المعرفة المتعلقة بالأشجار، ح تختفي أشجار بسبب القطع الجائر و الحرائق ، ضياع المعارف التقليدية حول استخدامات النباتات دي في الطب الشعبي و البناء. ح تتقلص ممارسات الحفاظ على الغابات بسبب النزوح و الانهيار الاجتماعي.
بتذكر احد المزارعين في شمال كردفان ” حكى لي عن نبات العُشر، انو عندهم في المعرفة الأصلية انو لمن يشوفو في الارض بقولو عليهو ” العُشر شيب الواطة” فيما معناه انو الارض غير صالحة للزراعة، و فعلاً العُشر معروف انو اول دليل على انو الارض دي ح تتصحر، دا علم و معرفة محلية و اصلية من الارض نفسها .
ابسط شي زراعة أشجار الصمغ العربي ” الهشاب” وطقها، دي عبارة عن موروثات شعبية بطرق معينة و فهم معين كيف يطق الشجرة دي و في اي زمن و الخ، نزوح المزارعين ديل ح يأثر بصورة مباشرة على انتاج الصمغ العربي و كمان ولاسف فقدان اهم معرفة و موروث و ح يحصل انو يتم خلق معرفة جديدة على حسب المنطقة التم النزوح اليها، و شوف دا تأثيره شنو على باقي الموروثات.
لاسف ما قاعد يتم توثيق و لا حتى الحفاظ على اهم شي يشكل الهوية السودانية بتنوعها. الحرب الحالية ما هي إلا لمسح من ” نحن” ، الدمار ممكن يرجع يتم إعمار الأرض، لكن منو يرجع لينا احنا منو ؟ و هويتنا شنو!.
تعليقي علي البوست
*إحياء التراث السوداني: لقاء ثقافي حول المعارف المحلية واستخدامات الأشجار*
في عام 2015، استضافت قناة أم درمان الفضائية حلقة مميزة بعنوان “المعارف المحلية واستخدامات الأشجار”، حيث تم تسليط الضوء على دور النساء السودانيات في الحفاظ على التراث البيئي والثقافي.
كنتُ ضيفًا في هذه الحلقة، التي استضافت أيضًا نساء من حي الضباط المشهورين بصناعة الخمرة والدلكة. أحضرت هؤلاء النساء عينات من منتجاتهن، مثل الخمرة والدلكة، وشرحن كيفية تحضيرها واستخدامها في العناية بالجسم. كما شاركن في تقديم عروض غنائية على أنغام إيقاع القرع، مما أضفى جوًا من البهجة والاحتفال بالتراث السوداني.
*إيقاعات نسائية من روح المجتمع إلى صدى الماء*
في السودان تُعرف هذه الممارسة الشعبية بـضرب القرع على الماء (يُسمّى أحيانًا “دنقر الماء” أو “دق الدنقر”)، حيث يُستخدم قـرع بري—نوع من اليقطين البري– يُوضع في إناء كبير مملوء بالماء، ثم تُنقر عليه بعصا أو أصابع النساء الرقيقة لتصدر نغمات إيقاعية مميزة. تُستخدم هذه الطقوس الموسيقية في المناسبات الاجتماعية—الأفراح، الاحتفالات النسائية، أو الطقوس الجماعية—ويُرافقها غناء جماعي وتصفيق. أحيانًا يُدمج معها الزغاريد لتزيد الاحتفالية والروحانية.
تحتل الإيقاعات النسائية في السودان مكانة خاصة، تؤديها النساء في حلقات جماعية باستخدام أدوات بسيطة كالدلوكة أو الأواني المنزلية، مصحوبة بالغناء والتصفيق. هي أكثر من فن؛ إنها وسيلة للتعبير، والتواصل، والاحتفال، وجزء من ذاكرة الطقوس والمناسبات. ومن بين هذه الإيقاعات، يبرز “دنقر الماء” كواحد من أكثرها فرادة، حيث تتحوّل القرعة والماء إلى مصدر للصوت، ومجال للبهجة والمشاركة المجتمعية.
يُعرف هذا الفن الشعبي بأسماء متعددة مثل “دق الدنقر”، “دنقر الماء”، أو “دق الريحة”، وقد يُطلق عليه في بعض المناطق “النقارة”. تقوم فكرته على استخدام قرعة مجوفة توضع على سطح الماء في طشت أو إناء كبير، وتُدق بعصي أو بالأيدي لإنتاج نغمات مترددة يتردد صداها في الماء.
تُمارس هذه الممارسة الإيقاعية غالبًا من قبل النساء، خاصة في مناطق كردفان ودارفور والفونج، وتُرافقها أهازيج وتصفيق جماعي في جو طقسي نابض بالحياة. وهي تُؤدى في مناسبات كالزفاف، الختان، التتويج، و”الكجرة”، بل وتُستخدم أحيانًا في طقوس دينية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر، ويُعتقد بأنها تخفف من الصداع وتُنعش الروح.
يرجّح أصل هذا النوع من الإيقاع إلى غرب أفريقيا، وتحديدًا ممالك مثل البرنو وساحل العاج، التي عرف سكانها تقنيات مماثلة تُعرف باسم water gourd drums. أما في السودان، فقد تطورت هذه الممارسة لتكون جزءًا من التراث النسوي الشفهي، ووسيلة جماعية لصنع الفرح ومواجهة الواقع الاجتماعي بإبداع.
ورد أن القرع يُستخدم مع إيقاع الفندك في بعض المناطق بدارفور، وقد يصل الأمر إلى استخدام أطباق الصفيح أو “ودع” كبدائل موسيقية مشابهه. دنقر الماء” ليس مجرد إيقاع؛ بل مساحة صوتية تصنعها النساء من القرع والماء، يختلط فيها الطقس بالغناء، والفن بالحياة.
تُجسد “دنقر الماء” تلاقحًا فريدًا بين الطبيعة والفن، حيث تتحول أوعية الماء وثمار القرع إلى أدوات طرب، ويصبح الماء نفسه وسيطًا للصوت.، حيث تعكس الاستخدام التقليدي للمصادر الطبيعية المحلية في خلق موسيقى حية تُشحذ الحضور وتغرس البهجة والتواصل الاجتماعي بين النساء.
من بين المشاركين في الحلقة، الفنانات حنان بلو بلو وحنان النور “. قدمتا عروضًا غنائية تراثية أضأت الاستوديو بأصواتهن العذبة، مما جعل الحلقة تظاهرة نسائية ثقافية بامتياز.
كما شارك في النقاش عميد كلية الموسيقى والمسرح بجامعة السودان، مما أضاف بُعدًا أكاديميًا للحديث حول أهمية الحفاظ على المعارف المحلية واستخدامات الأشجار وعدم تسجيل هذه المعارف كحقوق ملكية يتميز بها السودان وان بعض من هذه الممارسات سجلت في دول افريقية مجاورة بسبب تهاون السودان في حفظ تراثه.
على الرغم من أن الحلقة قد تم إعادة بثها أكثر من أربع مرات خلال عطلة عيد الفطر المبارك 2015، إلا أنه لم يتم تسجيلها على موقع يوتيوب، مما حال دون استفادة جمهور أوسع من محتواها الغني.
*المعارف الشعبية السودانية للنساء المرتبطة بالأشجار: تراث حيّ يواجه التحدي*
تُعتبر الأشجار والنباتات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في السودان، حيث يُستخدم خشبها، زيوتها، وأوراقها في العديد من الممارسات التقليدية التي تمثل جزءًا من الهوية الثقافية للسودانيين
*حفرة الدخان: بين عبق التراث ومخاطر الحداثة*
تُعتبر حفرة الدخان من أعرق الطقوس الجمالية والصحية التي توارثتها النساء السودانيات جيلاً بعد جيل. يقوم هذا الطقس التقليدي على استخدام خشب الطلح أو الشاف في توليد بخار عطري جاف، تجلس فيه المرأة داخل حفرة أو إناء فخاري، مغطاة ببطانية تُعرف محليًا بـ”الشملة”. ويُعتقد أن لهذه الجلسات فوائد عديدة، من تليين المفاصل، وتنعيم البشرة، إلى تعطير الجسد وتعزيز الشعور بالراحة والأنوثة.
غير أن الحداثة، التي جاءت بلبسات محكمة التغطية صُممت لحبس البخار وتكثيفه، أدّت إلى ظهور مخاطر صحية غير متوقعة. فقد سُجلت حالات اختناق نتيجة حجب التهوية تمامًا، خاصة في المساحات الضيقة أو المغلقة، حين تُستبدل “الشملة” التقليدية بأغطية عازلة لا تسمح بتجدد الهواء. هذا التحوّل غير المدروس من تراث بسيط إلى ممارسات غير آمنة يكشف عن وجه آخر للتحديث العشوائي، حيث يتغلب الشكل على الحكمة المتوارثة.
ومع تغيّر أنماط السكن، خاصة في الشقق الحديثة، بدأت حفرة الدخان تفقد حضورها في البيوت الحضرية، الأمر الذي يدفع للتفكير في بدائل أكثر أمانًا تحفظ قيمتها التراثية دون تعريض الصحة للخطر.
*الدلكة وعبير الضفرة: عطور الذاكرة السودانية*
إلى جانب حفرة الدخان، تُعد الدلكة من الطقوس الجمالية المتكاملة، وتتكوّن من مزيج مطحون من الصندل، والمسك، والضفرة، وأخشاب الطلح أو الشاف، تُمزج جميعها بعطور محلية وتُستخدم لفرك الجسم في طقس احتفائي بالعناية والجمال.
الشاف والطلح، وهما من الأخشاب العطرية التي تُستخدم لإنتاج الدخان في هذا السياق، يُعتقد أنهما يُعزّزان من نعومة البشرة وتفتيحها. إلا أن الطلح على وجه الخصوص لم يعد متاحًا للاستخدام التقليدي كما كان في السابق، نظرًا لأهميته البيئية والاقتصادية الكبيرة في إنتاج الصمغ العربي. لذا، أصبح من الأفضل الاعتماد على بقايا الأشجار أو مخلفات المشاريع الزراعية بدلًا من اللجوء إلى القطع الجائر.
*من الفطرة إلى الصناعة: تراث يتجدّد*
مع تطور الصناعة ووعي السوق بقيمة هذه المعارف التقليدية، ظهرت شركات محلية بدأت في استخلاص زيوت الطلح والضفرة وتقطيرها، وتحويلها إلى منتجات فاخرة تُعبأ في أوعية أنيقة وتُصدّر إلى دول الخليج والخارج. من بين هذه المنتجات “خمرة الضفرة”، التي أصبحت رمزًا للجمال والعناية والأنوثة، وتُقدَّم كهدايا ثمينة ضمن جهاز العروس في المجتمع السوداني.
طلعت دفع الله عبد الماجد
مستشار غابات واستاذ جامعي بالمعاش
ايكوسودان نت التنمية مستقبلنا