أخبار عاجلة

درهم وقاية خير من قنطار علاج

أ/شاذلي عبدالسلام محمد

🔹بهذه الحكمة الخالدة يمكن أن نلخص مأساة انهيار أكثر من مئة منزل في إحدى مناطق نهر النيل جراء الأمطار الغزيرة الأخيرة فالمطر في حد ذاته ليس عدوا بل رحمة من الله لكنه يتحول في غياب التخطيط إلى نقمة تهدم البيوت وتبعثر حياة الأسر وتعمق معاناة البسطاء….

🔹لقد أثبتت هذه الكارثة مرة أخرى أن إدارتنا للأزمات ما زالت تسير بمنهج رد الفعل لا الفعل ننتظر حتى تحاصر المياه القرى وحتى تنهار المنازل وحتى يفقد الناس مأواهم ثم نتحرك وكأننا لم نتعلم أن الأمطار ليست حدثا استثنائيا بل واقعا متكرر كل عام وأن الفيضانات ليست مفاجئة لمن عرف المنطقة وأحوالها المناخية…..

🔹المشهد الذي شهدته مناطق متفرقة من ولاية نهرالنيل حيث اضطر المسؤولون للتفقد على ظهر “تراكتور” بسبب وعورة الطريق ليس مجرد صورة إعلامية أو لحظة درامية بل انعكاس صريح لفشل البنية التحتية في مواجهة الظروف الطبيعية المتوقعة فغياب الطرق المعبدة وشبكات تصريف مياه الأمطار والتخطيط العمراني غير المرن يجعل أي هطول غزير للمطر كابوسا ينتظر أن يتحقق…

🔹يقول المفكر الفرنسي مونتسكيو “الحرية لا تعني أن نعيش بلا قوانين بل أن نعيش في ظل قوانين تحمينا” وفي حالتنا الأمان لا يتحقق إلا بخطط وقائية تمنع وقوع الكارثة لا بمجرد التعامل معها بعد وقوعها والمطلوب ليس شعارات أو مؤتمرات بل برامج عملية على الأرض وتخطيط هندسي يضع حياة المواطنين وكرامتهم في صميم الأولويات……

🔹المساعدات العاجلة من خيام ومواد غذائية وأدوية ضرورية لكن لا ينبغي أن تكون المعيار الوحيد لقياس نجاح الإدارة فهي معالجة آنية لا تعالج جذور المشكلة ولا تعيد للمتضررين ما فقدوه من منازل ومحاصيل وممتلكات وكما قيل “إطعام الجائع خير لكن منع الجوع خير وأبقى”..

🔹عزيزي القارئ إن الانتقاد هنا ليس رفضا للجهود المبذولة بعد الكارثة بل محاولة لإلقاء الضوء على تقصير طويل المدى في الوقاية والتخطيط فالأمطار والفيضانات يمكن التنبؤ بها والضرر يمكن تقليصه إلى الحد الأدنى لو وضعت الخطط في وقتها المناسب يجب أن يشمل ذلك تأهيل الطرق وتصريف المياه وتقوية البنية التحتية ووضع أنظمة إنذار مبكر بما يجعل المجتمع أكثر استعدادا قبل أن يتحول المطر إلى كارثة…. يقول ابن خلدون “إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب” وإذا درسنا تجارب الدول الأخرى التي تواجه فيضانات متكررة نجد أن الحكمة في التخطيط المسبق والإنذار المبكر والالتزام الصارم بتعليمات السلامة تجعل المواطن في مأمن نسبي حتى لو كانت الأمطار غير متوقعة بشدة…..

🔹المواطنون الذين واجهوا هذه المحنة أظهروا صبرا وإيمانا لكنهم يشعرون بالإحباط من تكرار نفس المشهد كل موسم بيوت مهدمة وطرق وعرة ومياه تحاصر القرى ومساعدات تصل متأخرة فيقول شكسبير “المصيبة تكشف معدن الرجال” ومعدن الدولة يقاس بقدرتها على حماية مواطنيها قبل أن يصرخوا طلبا للعون….

🔹من ناحية أخرى يكشف هذا الحدث عن غياب ثقافة الاستباق في الإدارة المحلية فبدلا من التعامل مع مؤشرات الخطر وتحليل المخاطر قبل المطر نكتفي بالرد على الأحداث بعد وقوعها وهذا النهج لا يوفر الأمان للناس ولا يحفظ ممتلكاتهم ويجعل أي مسؤولية تبدو مؤقتة محدودة بزمن الأزمة فقط وليس باستراتيجية طويلة المدى…..ويقول الفيلسوف الصيني لاوتسو “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة” والخطوة الأولى هنا واضحة وضع خطط وقائية متكاملة تشمل الهندسة المدنية و إدارة المياه وتأمين المساكن والتخطيط العمراني المرن والخطوة الثانية هي التنفيذ الفوري والثالثة مراجعة النتائج للتأكد من أن الأخطاء السابقة لن تتكرر…..

🔹إن هذه الأزمة تمثل درسا قاسيا ليس فقط عن المطر والفيضانات بل عن مسؤولية الإدارة وعقلية التخطيط وأهمية الوقاية فالمواطن لا يريد أن يلتقط صورة مع المسؤولين ولا أن يصفق للزيارات الميدانية بل يريد أن ينام في بيته مطمئنا لا يخشى أن تجرفه أول موجة مطر….

🔹في النهاية الدرس الأهم هو أن الكوارث لا تحل بالكلمات أو بالتصريحات أو حتى بالمساعدات العاجلة
فالحل الحقيقي يبدأ بالاستعداد و بالتخطيط و بالوعي وبإعادة ترتيب الأولويات لتصبح حماية الإنسان وحياته وكرامته محور أي قرار كما قال المفكر الفرنسي فولتير “التحرر من الخطر الحقيقي هو أكبر درجات الحكمة”……فليكن هذا الحدث جرس إنذار للجميع إما أن نستمع له بعقلية وقائية واعية أو نكرر نفس المشاهد كل موسم ونواصل دفع ثمن الإهمال بينما يمكن أن يكون الحل بسيطا تخطيط علمي وتنفيذ صارم ووقاية فعلية لكل المواطنين…..

🔹الي ان نلتقي…..

٢٩ أغسطس ٢٠٢٥م

عن المحرر العام

موقع ايكوسودان نت موسسة السموءل حسن بشري بدوي موقع لخدمة الإعلام التنموي والاقتصاد الرقمي

شاهد أيضاً

يوفر مليارات الدولارات.. قمح خارق يُحدث ثورة في الزراعة العالمية

رضا أبوالعينين البيان طور علماء من جامعة كاليفورنيا في ديفيس نوعا جديدا من القمح قادرا …

البيئة بيتنا