فن تجميل الحياة بِنِشارة خشب الصعيد
صناعة الاثاثات في منطقة الدمازين من الحرف المتميزة في ولاية النيل الازرق، نظراً لطبيعة المنطقة التي تعج بالكثير من الاشجار النادرة.
تشتهر ولاية النيل الازرق بأخشاب التيك والأندراب والمهوقني والنيم والمانجو ، وشجر السنط ، كما يحمل مجري النيل الازرق الكثير من الأخشاب التي يجرفها التيار خلال رحلة النهر الطويلة من منحدر الهضبة الأثيوبية .
يحتفي أهالي الدمازين بزراعة الأشجار المثمرة داخل بيوتهم. ويوجد في المدينة منشار ضخم، يتم فيه قطع الاشجار بصورة قانونية، تحت اشراف الدولة.
عطر الصندل:
اثناء جولة ( إيكو سودان) على محال صنع الأثاث في مدينة الدمازين، لفت انتباهنا ذلك الأثاث الجميل، الذي تفوح من أبهى أنواع العطور.
روائح عطرية ذكية لبعض الخشب المستخدم في صنع الأثاث قيل لنا أنه حطب دروبة، وأن بعض المحال تستخدم حطب صندل الردوم ، وهو خشب زيتي يهبط على المدينة مع مجرى النيل. ولهذا الخشب ميزة خاصة، إذ يحتوي على مادة زيتية لا تجعله يتأثر بالماء، وهذا النوع من الخشب يستخدم في صناعة الأناتيك. ومن أنواع الأخشاب، خشب أبوسلاح، الذي يستعصى تقطيعه على المناشير، ولذلك يستخدم كوقود في الافران البلدية، وفي سقوف المباني. وهناك الجوقان وخشب السدر، وكلها يتم تصنيعها وتشكيلها في محال المدينة .
زخارف ونقوش يدوية:
داخل المنطقة الصناعية ينهمك الجميع في العمل ، وسط إيقاعات النقش على الخشب، واصوات المناشير وحركة الماكينات. التقينا بالشاب يحي ، وبالصديق عز الدين أحمد، الذي استقر في المنطقة منذ فترة طويلة . وللشاب يحي هواية عشق الأشجار، ومستخرجاتها من أثاث وأناتيك. وقد تخصص في نحت الخشب ، و صناعة اشكال مختلفة من التحف وقلائد الأخشاب، وقال أن هذا العمل يقوم به في أوقات اوقات الفراغ .يحي يحب هذا الضرب من الابداع، ولايضع أسعاراً للتحف والأناتيك، وإنما يبيعها للزبون، الذي يعرف قيمتها الفنية ويتذوق أبعادها الجمالية.
صناعة الجمال الخشب:
يمر الخشب بمراحل مختلفة ، يدخل إلى المنشار للقطع ,ومن ثم الى الرابو، وهي ماكينة تجعل الخشب ناعم الملمس. هناك فن الكتابة علي الخشب في المنطقة ، وهناك أيضاً رسومات ونقش وتشكيل ، وكل هذا يمكن أن تقوم به الماكينة ، التي يضبطها الصنايعي بمقاييس محددة ، كما أنه يصنع أشكالاً متناسقة على الخشب، لتزيين الأثاث. ويتخصص بعض الشباب في تشكيل ونحت الأخشاب ، وهم في الغالب
فنانون بالفطرة .
يأتي بعد ذلك دور النجار، الذي نعرفه،و هو تجميع القطع الجمالية، التي بصم عليها فنانو الصعيد، لكل واحد منهم لمساته وخياله الفني. يقوم النجار بتوليف تلك الاشكال البديعة بتركيبها لتخرج منها أثاثات المدينة، بعد أن يدخل عليها المسامير والمعجون والبونش ، ويدخل عليها القشاط و فنون الزينة.
لاشك أن لمدينة الدمازين مستقبل كبير في مجال صناعة الاثاث ، لكن هذا الصناعة تحتاج الي تنظيم ورعاية من قبل الدولة ، وتحتاج هذه الصناعة أن تدخل فيها شركات متخصصة في تجميل الخشب وتحويره الى صناعة يمكن أن تغزو أسواق العالم. كما يمكن الاستفادة من أنواع الأشجار العطرية المختلفة ، وانشاء العديد من المصانع التي تستفيد من خيرات الصعيد الباذخة.
مواسم وأسواق
يبدأ موسم انتاج الأثاث خلال فترة الصيف، حيث يستفيد اصحاب المحال من استقرار التيار الكهربائي في المنطقة، كما يزدهر السوق في فترات الأعياد. يقول وقال يحي لـ ( إيكو سودان)، ان التسويق لم يزل تقليدياً في المنطقة ، وأن بعض الإنتاج يُصدّر الى العاصمة ومعارض التجار بالولايات. وقال يحي ان توفر سوق جيد، يهيئ فرصة كبيرة لتطوير صناعة الأثاث بالولاية ويساهم زيادة الدخل.
مخلفات صناعة الاثاثات ليست مثل مخلفات الصناعات الأخري التي تلوث البيئة، إنها بقايا قطع خشبية ونشارة ، يمكن الاستفادة منها في مزارع الدواجن،كما تستخدم في صناعت مختلفة أخرى، حيث تستخدم النشارة الناعمة في صناعة الطوب ، وتستخدم كوقود، كما يمكن استخدامها في صناعة الأثاث والورق.