الإثنين , أبريل 29 2024
أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1
غابات السودان الأشجار

أم جركم تأكل خريفين1-2

“إن كنت ترغب في العيش طويلا فاختر لنفسك أبوين من المعمرين ثم ابتعد عن سكة العربات” هكذا يتندر علماء الوراثة بالحديث ويتفكهون بالقول لتأكيد تأثير العامل الوراثي على عمر الإنسان. ويبدو أن العلماء قد اجتازوا مرحلة التندر والتفكه وانتقلوا لمرحلة الجد والعمل لإطالة عمر الإنسان الذي بات يعيش عمرا أطول بالفعل حتى قبل أن يتدخل علم الوراثة.
في 10 أبريل 2024 الجاري، تساءل موقع بي بي سي نيوز عربي عما إذا كان بالإمكان أن يصبح سن 75 عاما هو سن التقاعد بالمعاش في ظل ارتفاع متوسط العمر وتوقع ارتفاع شيخوخة السكان وتزايد معدلات غلاء المعيشة، وتوقع أن يكون عدد من يغادرون العمل أكبر من عدد الذين يدخلونه، في عام 2029 بالنسبة لبريطانيا، و2035 للبرازيل، و2048 للهند، وعام 2053 للولايات المتحدة.
ولا زالت الجهود مبذولة بالطبع لإطالة عمر الإنسان أكثر وأكثر من خلال التلاعب بالجينات. فقد تمكن علماء الوراثة من إطالة أعمار الديدان بمعدل ستة أضعاف عمرها الطبيعي، بعد أن بدت هذه الديدان البالغة من العمر 144 يوماً في صحة جيدة وكأن عمرها خمسة أيام فقط بعد أن أخضعت لعملية تنشيط 100 جينة (مورثة) بعضها مسؤول عن مقاومة التأكسد والبعض الآخر عن إنتاج مبيدات جراثيم طبيعية.
قام العلماء أيضاً بإطعام فئران مسنة مادتين كيمائيتين (استخلصتا من خلايا الجسم) فعادت شابة كما بدا من قدرتها على التنقل بسهولة أكثر وحيوية أكبر وتحسن في أدائها لاختبارات الذكاء والذاكرة. ويعزي الباحثون هذه النتائج إلى أن تناول هاتين المادتين معاً يرفع من كفاءة عمل “المايتوكوندريا”، المصدر الأساسي الذي يزود خلايا الجسم بالطاقة.
اكتشف العلماء كذلك بروتينا يرتبط بطول عمر الخميرة ويعمل على إبطاء عمليات تدهور الخلايا العصبية، ويقدر الباحثون أن هذا الاكتشاف من شأنه فتح الأبواب واسعة لمعالجة عدة أمراض تنجم عن تقدم العمر كالخرف والزهايمر.
يوصي العلماء باتباع عدة وصفات أخرى لإبطاء عملية تقدم العمر وإطالة أمد الحياة تتضمن تخفيض كمية السعرات الحرارية أو المغذيات التي يتناولها الناس، وتعلم الطرق المثلى للتعامل مع التوترات النفسية والتكيف مع الضغوط المزمنة التي يعتقد أنها تقصر من أطراف الكروموسومات أو الصبغيات التي تحمل الجينات المورثة مما يؤدي إلى قصر عمر الخلايا وبالتالي تسارع تدهور حالة الجسم وظهور أعراض تقدم العمر كضعف العضلات والبصر والسمع وتجعد البشرة.
أوصى العلماء كذلك بتفادي الملوثات البيئية مثل ذرات المواد المنبعثة من عوادم السيارات التي أكدت دراسة حديثة أنها تقصر أعمار السكان الذين يقطنون قرب طرق المرور السريع بحوالي تسعة أشهر وذلك لما تسببه من أمراض.
ينظر العلماء إلى ما يمكن أن تحققه العلوم الحديثة من تأثيرات هائلة في إطالة حياة الناس مستقبلاً بتفاؤل كبير رغم النتائج المحدودة للغاية لتأثيرات هذه العلوم على عمر الإنسان في الماضي. ففي عام 1890 – مثلاً- كان متوسط العمر التقديري للطفل الأمريكي (الأبيض الذكر) عند الميلاد 45 عاماً فقط بينما ارتفع عمره التقديري إلى 75 عاما حالياً، ويعزى الارتفاع إلى الانخفاض الهائل في نسبة وفيات الأطفال التي كانت تبلغ حوالي (13%) وليس لتأثير الطب في إطالة أعمار العجائز والمرضى من الناس.
يتوقع مسؤولو صندوق الأمم المتحدة للسكان أن تؤثر العلوم الطبية الحديثة في إطالة أعمار الناس بحيث يتضاعف عدد الأشخاص الذين يتجاوزوا سن الستين بحلول العام 2050م أربعة أضعاف أعدادهم الحالية والبالغة 606 مليون شخصاً لتتفوق بذلك أعداد الشيوخ على أعداد الأطفال للمرة الأولى في تاريخ البشرية لتصبح الشيخوخة أبرز تحول سكاني في التأريخ.
إن مسالة إضافة بضع سنوات لعمر الإنسان لم تعد مسالة مقلقة بالنسبة للعلماء فهذا الأمر قد أصبح مسألة مقدور عليها ولكن ما يقلق العلماء حقا هو الكيفية التي يجعلون بها تلك السنوات الإضافية أكثر إبداعا وإنتاجا وتوافقا مع الحاجة. فكيف يا ترى يكون حال العالم بعد ان يتسيده المسنون والشيوخ والكهول؟
ما الفائدة التي ستجنيها البشرية من إطالة أعمار أفرادها؟ فالمسنون كما هو معلوم لا يتمتعون بذات القدر من الخصوبة الذهنية والقدرة الإبداعية التي يتمتع بها الشباب الذين هم في العشرينات من العمر، وهي الفترة التي يبلغ فيها العطاء والإبداع البشري أوجه قبل أن يبدأ في التدهور والانحسار بعد سن الأربعين. ومما يؤكد هذا الأمر أن معظم الاكتشافات والاختراعات العلمية الرئيسية التي تحققت أتى بها شباب في العشرينات من أعمارهم أو على أكثر تقدير في بداية الثلاثينات. فنيوتن مثلاً كان في الرابعة والعشرين من عمره عندما اكتشف قانون الجاذبية العامة، وبول ديراك كان طالب دكتوراه عندما صاغ نظريته التي أدت إلى اكتشاف ما يسمي باللا مادة anti-matter، وآينشتاين كان في السادسة والعشرين من عمره عندما تمكن في بضع شهور فقط من وضع عدة نظريات رياضية وفيزيائية من بينها نظرية النسبية الخاصة. والنابغة الهندي شاندرا سيخار طالب الدراسات العليا مكتشف نظرية الثقب الأسود والذي مات في عمر الثالثة والثلاثين بعد أن خلف وراءه إرثاً رياضياً حار معاصروه من شيوخ وعباقرة الرياضيات من فك طلاسمه والإحاطة به. وأعجوبة زمانه الإمام الغزالي ألف خلال مدة حياته التي لم تتجاوز 55 سنة من الكتب ما قيل إن تصانيفه لو وزعت على أيام عمره لأصاب كل يوم كتاب.
كل الدلائل تشير إلى أن القدرة الخلاقة في المجالات العلمية تبدأ في التلاشي بعد منتصف العمر وأن مخ الشخص الراشد السليم الذي يتألف من حوالي 100 مليار خلية عصبية تقريبا يبدأ في فقدان خلاياه هذه مع تقدم العمر. فكيف سيكون حال العالم إذن بعد أن يتسيَّده المسنون؟ أولا سوف يكون هناك أكثر من ملياري شخص في حاجة إلى برامج عناية خاصة ووسائل حياة تتلاءم مع أنماط العيش البطيء. وستتباطأ الاختراعات والاكتشافات العلمية ولأن “الحاجة أم الاختراع” فسوف تتطور صناعة الأجهزة المعينة على السمع والنظر وتطوير مقاعد مسنين وعجزة مزوّدة بأجهزة تحديد المواقع الجغرافية واستشعار العوائق والمطبات عن بعد. كما ستزدهر أعمال التأمينات والمعاشات. عموما قد يصبح العالم أكثر تعقلاً واتزاناً وتجربة وربما صار خالٍ من الحروب وأسلحة الدمار الشامل مما يمكِّن “أم جركم أن تأكل خريفين” دون أن يكدر صفوها مكدر سوى هاجس “لبيد” الذي عمَّر حتى سئم وملَّ وجأر بالشكوى “من الحياة وطولها … وسؤال هذا الناس كيف لبيد”.

السؤال: هل آن الأوان لأن تأكل أم جركم خريفين بدلاً عن خريف واحد كما في المثل (أم جركم ما بتاكل خريفين) بزيادة سن التقاعد حتى السبعينات؟ … نواصل.

تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.

عبد العظيم ميرغني

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1

رسائل بين يدي تشكيل وزاري مرتقب

في العام 1958م انعقد مؤتمر السافنا بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم، القاعة العامة الوحيدة آنذاك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا