الأربعاء , ديسمبر 18 2024
أخبار عاجلة

الزراعة الفرصة الضائعة للحد من الفقر : د. عمر محجوب الحسين

د. عمر محجوب الحسين

تُعد الزراعة من الأدوات الفعالة التي تسهم في الحد من الفقر والجوع وسوء التغذية. نسبة سكان الريف في السودان تبلغ 63.7%، يعمل منهم 20.31% في القطاع الزراعي، وتبلغ نسبة الجوع 11.9%، ونسبة الفقر في السودان وصلت إلى 86.2%. صحيح قد تتباين أهمية الزراعة في الحد من الفقر من بلد إلى آخر حسب اتجاهات الدولة في التنمية الاقتصادية لكن هذا الأهمية تديرها الدولة وتسلط عليها الضوء. تنخفض أهمية الزراعة كلما زاد نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي، وعندما يخضع الاقتصاد إلى تغيير هيكلي، ونشير هنا إلى ما حدث في السودان عقب استخراج البترول وتحديدا منذ العام 2000م، حيث انخفض اسهام الزارعة في الناتج المحلي الإجمالي من أكثر من 40% إلى 25% بحلول العام 2012م، ثم تصاعد قليلا في الفترة 2012-2013م بنحو (35%) وانخفض في الفترة 2014-2017م إلى (30%-31%) لكنه لم يصل إلى النسب التي كانت قبل العام 2000م.
تشير الدراسات منذ ستينيات القرن العشرين إلى أن إنتاجية العمل في الزراعة تنمو في المتوسط بسرعة أكبر من إنتاجية العمل خارج القطاع الزراعي، من جانب آخر بما أن غالبية الفقراء في العالم النامي يعتمدون على الزراعة بصورة كاملة في معاشهم لذلك يقال أن النمو الزراعي يحقق عائدا أعلى من حيث قدرته في الحد من الفقر. تجدر الإشارة إلى أن تأثير الزراعة على الفقر لا يشمل كل الدول، وتأثيرها يتضاءل مع ازدياد قدرات البلدان الاقتصادية وازدياد ثراء الشعوب. ويعتقد بعض الباحثين أن تأثير النمو الزراعي في افريقيا جنوب الصحراء لا يؤثر تأثيرا كبيرا على خلق فرص العمل والحد من الفقر، ويزعم هؤلاء الباحثون أن الانفتاح التجاري هو المحرك الرئيس للحد من الفقر. إن ارتفاع معدلات التوظيف والإنتاجية الزراعية قد يخلف آثاراً إيجابية وسلبية على أصحاب المصلحة؛ فمع ثبات الأسعار يرتفع صافي دخل المزارعين من الزراعة مع زيادة إنتاجهم. وإذا انخفضت أسعار المواد الغذائية بسبب اتباع حزم زراعية أدت إلى زيادة الانتاج، تزداد القدرة الشرائية للمستهلكين، وتكون هذه الفوائد أعظم بالنسبة للمستهلكين الأكثر فقراً، فكثير من المزارعين الصغار الفقراء هم مشترون للغذاء، وبالتالي يستفيدون من زيادة الإنتاجية وانخفاض الأسعار، ولكن بعض المزارعين الذين يبيعون انتاجهم بصورة مباشرة قد يخسرون من انخفاض الأسعار.
يعود سبب العلاقة القوية بين الزراعة والحد من الفقر إلى سببين الأول هو أن الزراعة تحتاج إلى عمالة كبيرة في البلدان النامية، حيث ان زيادة الإنتاجية الزراعية تؤدي إلى رفع أجور العمال غير المهرة، وهو مصدر مهم الدخل بالنسبة للعديد من العمال الفقراء الذين لا يملكون أرضا، وقد وجدت إحدى الدراسات أن زيادة المحصول بنسبة 1% في بنغلاديش تؤدي إلى ارتفاع الأجور في المناطق الريفية بنسبة 0.9%، وزيادة المعروض من العمالة بنسبة 0.4%، وزيادة الاستهلاك بنسبة 0.5%.؛ أما السبب الثاني هو أن الفقراء استهلاكهم للغذاء مرتفع. إن الحد من الفقر من خلال الزراعة له مستفيدون مباشرون وغير مباشرين. وهناك تحديات متمثلة في القدرة على إخراج الفقراء للغاية من براثن الفقر عن طريق الزراعة، حيث تختلف ظروفهم باختلاف العوامل بما في ذلك النوع (ذكر ام انثى) وفي القطاع الزراعي السوداني يعمل فيه 56% من عدد الرجل، و80% من عدد النساء؛ أو الموارد المحلية المتوفرة، لذلك ربما العمل خارج المزرعة قد يكون خيارًا أفضل للفقراء. إن وسائل التجارة والنقل والمعالجة الزراعية تكون فعالة في الحد من الفقر مع تحسين أنظمة الغذاء، كما أن الطلب المتزايد على الأغذية عالية الجودة في المدن الكبيرة يوفر أيضا إمكانات اقتصادية كبيرة. إن توفير احتياجات المدن الكبيرة والعاصمة الخرطوم حيث الطلب المتزايد على المنتجات الزراعية المتنوعة، يشكل تحدياً وجودياً للمنتجين بسبب السماسرة، ووسائل النقل، وعدم توفر الرعاية الصحية الأولية، والتمويل حيث ان أغلب المنتجين لا يتعاملون مع مؤسسات اقراضية ولا يملكون الضمانات الكافية، بالإضافة إلى الإجراءات المالية المعقدة وعدم امتلاكهم لحسابات مصرفية نتيجة لضعف الشمول المالي. تحتاج الزراعة في السودان إذا اريد بها الحد من الفقر والجوع وسوء التغذية إلى تدريب العمال والمزارعين على التقنيات الزراعية الحديثة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية والفنية، والاهتمام بالإرشاد الزراعي، توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من خلال الجمعيات التعاونية الزراعية، تحديد أسعار المحاصيل المنتجة بما يتوافق مع أسعار الأسواق العالمية، حماية المزارعين من السماسرة ومحاربتهم داخل الأسواق وفي مناطق تلقى الانتاج، انشاء وكالة للضمان تحمى المزارعين عند اعسارهم، وتمكين المزارعين من الوصول إلي الائتمان خاصة وأن القدرة محدودة للوصول إلى الائتمان.
بالإضافة إلى إمكانات الحد من الفقر وسوء التغذية والجوع، يعتبر السودان هو أكبر منتج زراعي في أفريقيا والشرق الأوسط، ويُنظر إليه باعتباره “سلة غذاء” مستقبلية للشرق الأوسط وأفريقيا وخارجها، وتشكل الإمكانات الزراعية في السودان أهمية بالغة بالنسبة لأفريقيا والشرق الأوسط خاصة مع تزايد انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، من جانب آخر يتمتع بموقع استراتيجي تمكنه من لمعالجة ندرة الغذاء العالمية، حيث يتوفر في السودان ثلاث مكونات تعتبر حيوية، إمكانات إنتاج هائلة، وموقف جيوسياسي محايد، وممارسات زراعية تقليدية قوية. يصنف الخبراء نقص الموارد الطبيعية من الغذاء والمياه، كواحد من أكبر خمسة مخاطر تواجه العالم في العشر سنوات المقبلة، بالإضافة إلى مع استمرار تأثر أوكرانيا، إحدى “سلال الخبز” الرئيسة في العالم، بالحرب، فإن الأمل في أن يتمكن السودان من تكثيف جهوده وسد جزء من فجوة الإمدادات الغذائية، وهذا سيعتمد على عدة عوامل، ودعم خروج البلاد من حالة الحرب الحالية وتعافيها لخلق بيئة آمنة للمزارعين لاستئناف أنشطتهم دون انقطاع ودون خوف من اي اضطرابات في المستقبل، ويقع على المجتمع الدولي عبء المساعدة في تحويل قطاع الزراعة التقليدي في السودان لضمان قدرة السودان على إنتاج الغذاء بشكل مستدام لشعبه والمنطقة، هناك حاجة إلى تقنيات حديثة في عمليات الزراعة والحصاد، وتطوير الأطر القانونية السليمة والإصلاحات الإدارية الحاسمة لتأمين دعم المستثمرين الإقليميين والدوليين في ظل وجود حكومة ذات كفاءة تتمتع بالشفافية والقدرة على محاربة الفساد المالي والإداري والسياسي.
omarmahjoub@gmail.com

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

دروس في استعادة الغابات من التجربة الكورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البيئة بيتنا