أميرة سعدالدين .. تكتب .. جدتي حكومة مدنية !!
تفاصيل حياتنا الأسرية في محيطها الضيق تشكل إكسير الحياة لكل . الشعب السوداني لم يتجاوزها حتى الكتاب الذين ناطحت أعمالهم العالمية من لدن الراحل المقيم الطيب صالح إلى لدن عبدالعزيز بركة ساكن حيث لم يتجاوزا هذه التفاصيل الدقيقة وحياة الأسر الممتدة خلال هذه الأيام لفت انتباهي ما كتبه الصديق الدكتور فارس عن جدته التي فارقت الحياة حديثاً واصف مشهد وداعها له وهو مغادر البلاد ويقول أنها رافقته إلي باب المنزل بالرغم من معاناتها مع المرض الذي هد جسمها النحيل حيث كانت تسيره بأغنية “يا عديلة يا بيضاء يا ملائكة سيري معاه” مردفة ذلك بزغرودة لها رنين خاص وقلدت الحبوبات السمحة، وكأنها تعلم أنها لن تشهد سيرة زواجه.
ما كتبه فارس أعاد لي كثير من الذكريات مع جدتي نفيسة أو (حجة نفوس) كما كان يناديها الجميع وأناديها انا في صغري عندما أرتدي ثوب والدتي والكعب العالي منتحلة شخصية الضيف، كنت أقرع باب المنزل بطريقة تسمعه اذنيها وأتجه مباشرة إلي البرندة التي تتكئ عليها على ( العنقريب الهباب) وأنا أصفق ثلاث صفقات قائلة “ناس البيت.. حجة نفوس إزيك” كانت في كل مرة تستقبلني بترحاب وهمة وتجلس متوسطة ذاك العنقريب وتسألني “إنت منو؟” وهنا يبدأ التأليف؛ نتبادل الحديث لفترة من الزمن وأختمه ضاحكة لأكشف عن شخصيتي فجأة فتشاركني الضحك وتخبرني بأنها اكتشفتني منذ البداية خاتمة حديثها في كل مرة ب”جوب عليك”. رحلت جدتي إلى الدار الآخرة مخلفة وراءها فراغ عريض لا تملاءه دردشات الأساطير ولا صخب القنوات الفضائية حيث كنت لا أعلم إن كانت تكتشفني بالفعل أم أنها تدعي ذلك في النهاية.
احياناً كانت تطلب مني أن أغني لها فأركض إلي المطبخ فأجلب الآلة الموسيقية وهي عبارة عن “جردل” متحمسة للغناء كفنان سيغني لجمهوره على المسرح للمرة الأولى، وهي ايضاً كانت تسمع لي بشغف وتحترم وصلتي الغنائية فتجلس إذا كانت واقفة وتصفق لي في فرح طفولي وأنا أردد أغنية “سيد الكارو” وتضحك برهة في كلمات الأغنية البسيطة، وإذا حاولت استبدال الأغنية في مرة ترفض وتطالب بها