عثمان بوشيخي-لندن
لم يكن إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عزمها على الاستقالة بالأمر المفاجئ لصناع القرار عالميا، أو المحللين، أو غرف الأخبار، أو الأسواق العالمية.
ورغم انعدام طابع المفاجأة في الحدث، شهدت قيمة الجنيه الإسترليني -بعد الإعلان مباشرة- ارتفاعا طفيفا مقابل كل من اليورو والدولار، لكن سرعان ما عادت إلى انخفاض يشبه الأيام القليلة الماضية.
وكان رد فعل مؤشر “فوتسي 100” ضئيلا، رغم أنه يعد أحد أكبر مؤشرات الأسهم البريطانية بضمه أسهم أكبر مئة شركة في بورصة لندن.
وفِي هذا المؤشر توجد قطاعات أكثر عرضة للتأثر بالتغييرات السياسية الداخلية والبريكست، مثل شركات الطيران وبناء المنازل والبنوك المحلية.
تكريس للضبابية
ويُوجز كريس تونور، أحد الخبراء الاقتصاديين في بريطانيا، وضع الجنيه حاليا بالقول “يوجد في وضع صحي رغم التطورات التي تشهدها الحكومة البريطانية، لكنه في العموم يشبه أرنبا مرتبكا غير قادر على القفز لأعلى أو لأسفل”.
وبصرف النظر عن رد فعل الأسواق على خطوة ماي، فما يزال المستثمرون يرون هذه الأحداث تكريسا لضبابية أكبر في الأفق، لا سيما أنهم يتطلعون للمدى البعيد.
ويرى آخرون أنه مع رحيل ماي يبدو أن التوصل إلى حل وسط وطلاق بريطاني أوربي سلس قد تبدد الآن، إذ يظهر أن الشيء الوحيد الذي يبدو أن البرلمان يوافق عليه هو عدم الخروج دون اتفاق.
لذلك تنتظر الأسواق بكل حذر ما سيحدث للجنيه وللأصول المالية البريطانية، لأن مصير ذلك بات يعتمد على من سيتولى رئاسة الوزراء.
ويقسم خبراء المال والأعمال الانتظار إلى شطرين: أولهما القصير ويغطي الأيام المقبلة، وثانيهما الطويل ويشمل فترة الصيف.
وتزودت الأسواق ببعض اليقين مع خطوة ماي التي تقضي بمغادرتها الحكومة، إذ قد يشهد الجنيه انتعاشا مؤقتا بشرط إسراع تيريزا ماي في المغادرة.
وإذا كان خلفها -كما يبدو مرجحا- متحمسًا لعملية البريكست ويدفع باتجاه الخروج بلا اتفاق، فمن المحتمل أن يواجه الجنيه مع الأسهم البريطانية مزيدا من الانخفاض، في وقت تتوقع فيه بعض المؤسسات تماسكا للجنيه في الوقت الحالي.
لكن الجنيه الإسترليني قد يشهد انخفاضا حقيقيا إذا ظفر وزير الخارجية ورئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون بزعامة المحافظين، إذ يتوقع بعض المحللين أن يصل الجنيه في هذا السيناريو إلى أدنى مستوياته منذ عام 2016 عندما بلغت قيمته 1.20 دولار.
وبينما تتغير الوجوه في الحكومة البريطانية، تبقى مشاكل البريكست دون تغيير، لذلك يوصي الخبراءُ المستثمرين البريطانيين بتنويع استثماراتهم جغرافيا ضمانا للأمان مع تفاقم حالة الشك واللايقين.
اقتصاد يحكمه الانتظار
يقول رئيس سلسلة متاجر تيسكو البريطانية جون آلان إنه “ليس واثقا نهائيا بخصوص قدرة النواب البريطانيين على المضي قدما لحل مشاكل ملف البريكسيت، كما أن الموعد المحدد في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل قد تخلفه بريطانيا مرة أخرى ويؤجل طلاقها من الاتحاد الأوربي”.
كما توجد مخاطر أخرى بالنسبة للمستثمرين تتمثل أساسا في سيناريو إجراء انتخابات عامة مبكرة في وقت لاحق العام الحالي، وآنذاك ستصبح الأسواق مجبرة على التفكير في كيفية التأقلم مع احتمال وصول حزب العمال المعارض إلى “عشرة داونينغ ستريت” بقيادة جيريمي كوربين.
وعموما، يرى كبار الاقتصاديين أن الوضع الحالي من المتوقع جدا أن يستمر طوال هذه السنة، وما على المستثمرين إلا الانتظار.
المصدر : الجزيرة