مساعد محافظ البنك المركزي السابق محمد البشرى لـ(الأخبار)
البنك المركزي مسؤول من أزمة شح السيولة
هذا ما أدى لتسارع وتيرة التضخم في الإقتصاد السوداني
يتعذر القيام بأي إصلاحات إقتصادية في غياب السلطة المدنية
في هذه الحالة ستدهور الأوضاع الى الأسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع
لهذا السبب(…) اعتذرت للمجلس العسكري تولي هذا المنصب
لهذا السبب(…) تم إعفائي من (المركزي)
العقلية (الريعية) غلبت على الدولة وعلى الشعب
ظهر أسمه على الساحة في الفترة القليلة الماضية وهو يرفض تولي منصب نائب محافظ بنك السودان المركزي ويعتذر للمجلس العسكري بأن لا عمل في ظل غياب الحكومة المدنية الإنتقالية ، محمد أحمد البشرى المساعد السابق لمحافظ بنك السودان المركزي ، وعندما جلست إليه نتناقش في الحالة الإقتصادية للبلد أحسست بأن الإقتصاد السوداني كان يدار بطريقة (البصيرة أم حمد)..
محمد أحمد البشرى تدرج في الإدارات المختلفة ببنك السودان المركزي بدءً من الإدارة العامة لسياسات النقد الأجنبي مروراً بمساعد المحافظ لقطاع الإقتصاد والسياسات ثم مساعد المحافظ لقطاع الإدارة والخدمات بالإضافة إلى مساعد المحافظ المكلف لقطاع مكتب المحافظ قبل أن يتم إعفاءه ضمن أربعة مساعدين لمحافظ بنك السودان المركزي في أبريل 2018 .
حوار : رحاب فضل السيد
تصوير : إبراهيم نقد الله
بحكم خبرتك في مجال سياسات النقد الأجنبي ووجودك في بنك السودان المركزي نريد سرداً لبداية الأزمة الإقتصادية بالبلاد؟
من ناحية تأريخية كان سعر صرف الجنيه السوداني مستقراً منذ يناير 56 حتى منتصف السبعينات ، وكان الجنيه السوداني يعادل 3 دولارات ، بدأت الأزمات الإقتصادية في تلك الفترة في عهد مايو ، وانعكست على سعر الصرف وتم أول تخفيض لسعر صرف الجنيه السوداني في العام 1978 وكانت هذه بداية إنهيار الجنيه .
وماذا حدث وقتها؟
توالت التخفيضات إلى أن انتهج وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي سياسة تحرير سعر الصرف في العام 1992 ، والتخفيضات التي تمت في سعر الصرف نظر لها كمعالجة باعتبار أن التدهور الذي حصل في سعر الصرف نتيجة لاختلالات في الإقتصاد تمت المعالجة بتعديل سعر الصرف في إطار سعر الصرف الثابت وظلت الأزمة متدهورة وظل سعر الصرف يتدهور باستمرار وبدأ التضخم كأحد المشاكل الأساسية في الإقتصاد السوداني ،وبدأت الأسعار ترتفع واستفحلت الأزمة إلى أن تم استخراج النفط .
قبل استخراج النفط اتبعت سياسات رشيدة في عهد الراحل د. عبد الوهاب عثمان عالجت الإختلالات وتبعها اكتشاف البترول الذي ضخ اموال كثيرة وعدم ترشيدها وفق رؤية برزت الأزمات الإقتصادية ودخلنا في صرف بذخي والعقلية الريعية كما يسميها الإقتصاديين غلبت على الدولة وعلى الشعب وهي البحث عن الدخل غير المتعب وهذه واحدة من المشكلات الرئيسية والهيكلية في الإقتصاد السوداني .
كانت هنالك بعض المعالجات التي تتم لكن لم يظهر لها أثر في تحسن الإقتصاد؟
تلك المعالجات لم تكن مؤثرة ، أولاً لأنها لاينظر لها كروشتة متكاملة قائمة على رؤية تهدف لخروج الإقتصاد من المأزق فبالتالي كانت المعالجات جزئية أو مايسميها الإعلاميون بـ(المسكنات) ، فالحكومة المعنية أو الوزير همه إعطاء مسكنات خلال فترة بقاءه دون نظرة إستراتيجية .
وهل هذا مقصود لتدمير الإقتصاد أم يرجع لضعف تفكير الإقتصاديون ؟
هذا ضعف في القيادات السياسية العليا بالبلد ، فالأزمة السودانية سببها غياب الرؤية لدى السياسيين ، فبالتالي كل ما يلجأوا له من حلول هي حلول وقتية .
لاحظنا خلال الفترة الماضية تصاعد أزمة النقد الأجنبي بصورة مخيفة وأثر ذلك على قطاعات كبيرة كان أهمها قطاع الأدوية وكان الناس يتحدثون عن نافذين يتلاعبون في الدولار المخصص لدواء ؟
صحيح حدث إشكال في تخصيص النقد الأجنبي للدواء وأسيئ استخدامه وهذه كلها نتائج سلبية ترجع لندرة النقد الأجنبي الذي أدى لهذه الممارسات ، وبسبب هذه الندرة تم تخصيص نسبة 10% من حصائل الصادر لاستيراد الدواء وتم التلاعب في هذه النسبة المخصصة ، ودائما الحلول الإدارية بها ثغرات كبيرة .
خلال وجودك مساعداً لمحافظ البنك المركزي ، هل تم توقيف نافذين بعينهم من المتلاعبين بالنقد المخصص للأدوية ؟
هذه المسائل يجري فيها التحقيق وحالياً يخضع مدير إدارة النقد الأجنبي للتحقيق.
وماذا عن تجنيب أموال القروض التي تأتي للسودان؟
كل الرأي العام يتحدث عن عدم توجيه القروض لمسارها الصحيح وهذا جزء لا يتجزأ من الأزمة الكلية للإقتصادي وهذه السمة منذ السبعينات عندما بدأ السودان الإستدانة من الخارج
.
كنا نتابع تذبذب أسعار الدولار والتلاعب فيه من يقف خلف هذه الأزمة؟
طالما هنالك ندرة هنالك مستفيدون من هذه الندرة.
لجأ بنك السودان المركزي لطباعة العملة لمعالجة مشكلة شح السيولة ، ما أثر ذلك على الإقتصاد ؟
طالما هنالك ندرة في العملة الورقية لابد أن تتم طباعة عملة.
ولماذا لاتتم إعادة الثقة في الجهاز المصرفي لإعادة تدوير الأموال؟
حتى لو تمت إعادة الثقة في الجهاز المصرفي لابد من أن يكون هنالك قدر كافي من العملة ، لكن بعد ذلك مسألة ما إذا كانت الطباعة تترك أثر أم لا ؟ هذا يرجع للطريقة التي عمل بها البنك المركزي المعالجة؟ وأي معالجة لم تتمم برؤية متكاملة سوف تأزم المشكلة ، مثل صرف الدواء للمريض لو لم ينتبه الطبيب لمعالجة الآثار الجانبية للعلاج قد يطيح بالمريض.
إذن ما الآثار الجانبية هنا؟
يمكن تؤدي للتضخم ، وليس بالضرورة أن تكون طباعة العملة هي السبب الأساسي للتضخم.
لاحظنا هنالك شبه حملة لسحب السيولة من البنوك وكان هنالك إتهام بأنها أحد عوامل أريد بها تدمير الإقتصاد ، هل هذا صحيح؟
فقط المواطن قام بسحب أمواله ، وبنك السودان المركزي أخفق في توفير القدر المطلوب لمقابلة المعاملات اليومية من الأوراق النقدية فبالتالي خلق خلل ، والخلل ناشئ من أن المواطن عندما يأتي إلى البنك لسحب ماله يعتذر له البنك بعدم وجود نقد ، وهذا ما أدى لتدهور وإنهيار الثقة بين البنوك والعملاء ، وهذه من أسوأ المشاكل التي تواجه الإقتصاد.
هل هنالك بنوك أعلنت إفلاسها؟
حتى الآن لم يعلن أي بنك إفلاسه ، لكن الخطر في ذلك أن أزمة السيولة التي عايشناها لم تحدث في أي من بلدان العالم على الإطلاق ، لايوجد بنك مركزي في الدنيا اغترف هذا الخطأ مثلما فعل بنك السودان المركزي
.
وهل هذا الخطأ مقصود؟
لا أعلم ، ولكن هذا الخطأ يتحمل مسؤوليته بنك السودان المركزي .
استبشر الناس خيراً بظهور الذهب، ما مد إسهام عائدات الذهب في إنعاش الإقتصاد؟
في مرحلة من المراحل كان تأثير الذهب بأقدار متفاوتة في زيادة عائدت النقد الأجنبي،بالذات بعد الإنفصال مباشرة ، لكن صاحب ذلك آثار سلبية نتيجة (أن البنك المركزي يشتري بسعر ويحول الذهب إلى دولار ويبيع الدولار بسعر أقل من السعر البشتري بيه) وهذا أثر على التوازن في السوق ، وأصبح مصدر ضخ للعملة الوطنية المحلية وأدى تسارع وتيرة التضخم في الإقتصاد السوداني.
إنت من ضمن أربعة مساعدين لمحافظ بنك السوداني المركزي تم إعفاؤكم في العام الماضي ما الذي كان يحدث في داخل البنك في تلك الفترة؟
كان الإعفاء نتيجة مشاكل داخلية بالبنك فالصراعات التي كانت تدور داخل البنك هي التي أدت لهذه الإعفاءات .
على خلفية اعتذارك للمجلس العسكري عن تولي منصب نائب محفظ بنك السودان المركزي ، وضح لنا أسباب رفضك هذا المنصب؟
السبب الأساسي هو أن الوجهة التي تتجه لها البلاد واضح أنها لا تؤدي إلى قيام سلطة انتقالية مدنية مقبولة من قبل العالم الخارجي ، وفي غياب السلطة المدنية تبقى مسؤوليات البنك المركزي المناط القيام بها في حكم المستحيل ، وعدم قيام سلطة مدنية مقبولة للعالم الخارجي يعني بقاء عقبتين رئيسيتين ، بقاء السودان السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وعدم إعفاء ديون السودان الخارجية ، وهاتين العقبتين ستجعلان من المستحيل إجراء إصلاحات إقتصادية ، بل بالعكس خلال الفترة الإنتقالية وفي حال عدم تجاوز العقبتين ستدهور الأوضاع الى الأسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع .
هل نفهم من هذا أنك ستوافق في حال تم نقل السلطة للمدنيين؟
لن أتوانى في القبول بمنصب نائب محافظ بنك السوداني المركزي حال تم نقل السلطة لحكومة مدنية و (سوف أعمل ليل نهار).
عندما تم الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على السودان لم يستفد السودان من ذلك ، ما السبب؟
السبب بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ، وإذا لم يزال إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتعفى ديونه الخارجية سوف تكون هنالك مترتبات فظيعة ، مما يعني أن البنوك لن تكون لها القدرة على التواصل مع البنوك العالمية مع العلم أن البنوك السودانية حالياً لديها منافذ محدودة وإذا استمرت الأوضاع على ماهو عليه الآن يحتمل أن تغلق هذه المنافذ المحدودة في وجهنا، وهذا يجعلنا لا نستطيع أن نصدر أو نستورد وننفذ تحويلات المغتربين عبر العلاقات المصرفية العادية وعدم القدرة على معالجة الخلل في ميزان المدفوعات ، وسيصاحب ذلك أيضاً عدم القدرة على استقطاب مستثمرين بل حتى المستثمرين السودانيين سيلوزوا بالفرار ، الآن رأس المال السودان يَهرُب لمصر وإثيوبيا وستزيد معدلات الهروب لأن الأوضاع ستسوء أكثر بإستمرارية هذا الوضع ، وسيتفاقم التدهور في سعر الصرف أكثر ، وسترتفع نسبة التضخم وفي الغالب سيصل إلى مستويات تضخم جامح والجنيه السوداني سيفقد دوره كعملة مبرئة للزمة وسيحل محله الدولار وندخل مرحلة (الدولرة) مثلما حدث في زمبابوي وفنلندا وجنوب السودان ، ، فوجود سلطة مدنية إنتقالية مقبولة للعالم الخارجي شرط ضروري جداً لإجراء أي اصلاحات اقتصادية ، وفي عدم ذلك جلوس الشخص في قمة البنك المركزي سيكون يؤدي في واجبات يومية ولا يكون له دور في إجراء إصلاحات اقتصادية . فالأزمة الموجودة الآن 70% من حلها عند البنك المركزي وما يجعل الصورة أسوأ وجود قوى إقليمية لديها مصالح استراتيجية وحيوية في بقاء السودان في قائمة الإرهاب وعدم إعفاء ديونه الخارجية ، والأسوأ من ذلك وجود مجموعات سودانية أصبحت لديها مصالح في إستمرارية هذا الوضع .
هل هذه المجموعات حليفة للنظام السابق؟
ممكن تكون حليفة له وقد لاتكون لكنها مستفيدة من هذه الأوضاع لأنهم لديهم مصالح مالية مباشرة لممارسة العمل التجاري في ظل الأوضاع غير العادية فأي إزالة للسودان من قائمة الإرهاب وإعفاء ديونه ستفقدهم ميزاتهم التي يتمتعون بها.
إضافة لماسبق هل من حلول أخرى للأزمة الإقتصادية الحالية؟
الأزمة الحالية روشتة حلها في البداية سياسية وإذا لم يتم إستيفاء الروشتة السياسية ، الإقتصادية ستكون أشبه (بحبة الإسبرو لمريض الملاريا المصدّع) .