صرخة نملة/ د. أمجد عبد السلام:
مهما تصارع في دواخلي الضدان وإختلفت الظروف، فيأتي قلمي مؤازراً لنمضي سوياً نتنسم أجواء الإعتدال لنتحدى الظروف ونرجح كفة بياض النهار من السواد المظلم؛ إلا أن هناك أمر تعالى شأنه وتقازمت أمامه ورفض يراعي أن يرضخ لكلماتي مُعبراً عن إعتصام القيادة العامة وما عكسه من أزهى لوحة إمتزجت فيها كل الخصال والعادات والتقاليد التي شكلت دولة السودان العظمى، فجمعنا إقليم بالرغم من ضيقه كمساحة إلا أنه يتسع فكراً وطموحاً، نلتحف الأرض سنداً كي ننام على الشعارات التي نصدح بها من حرية وسلام وعدالة وتعبر عن ما نصبوا له، ونحلم بغدٍ كنا قد شاهدناه بالأمس في أيام إعتصام القيادة العامة؛ وكذلك لم أستطع أن أدون حرفاً في ذاك المكان حتى لا تشغلني الكتابة عن روعة المشهد أو أجعل تلك الأيام كالذكريات التي تكتب في كتب التاريخ ونأتي لنبحث عنها كمخطوطات، بل كنت ورفيقي غياث نتجول ليلاً ونهاراً حتى نقتبس نوراً من ضياء الثوار ونتشبع معرفة بالمستقبل الآت ونتلمس وداً من كل رفيق يقابلنا في تلك الجولة، كما حرصنا على أن نمتزج في شهر رمضان الذي منحنا دروس في كيفية التعبد والتكافل والتناصح والإيخاء، وكانت كل المتعة المهنية ونحن نصطف أمام خيمة تجمع المحامين السودانيين نقدم ما يمليه علينا الواجب المهني؛ فتراني إنجذبت مع المشهد داخل الإعتصام مع تيقني بأنه لن تكفيه مقالات أو كتب.
إن اليوم يحتبر يراعي دموع الآسى ويكتب على ورق الماضي السحيق ذكريات بلغت عام من عمرها، أنتهكت فيها كل الأعراف والأديان وإتفاقيات حقوق الإنسان لم تراعى فيها فرحة الأعياد أو حرمة شهر رمضان، ذكرى أشباح من الغدر والظلم تدافعت على إعتصام القيادة العامة بأسلحة مدججة وأخلاق دنيئة وأرزقية ومأجورين تجردوا من الإنسانية كي يدكوا قلاعاً من التمازج بيننا في رقعة معينة، ونفترق بين شهيد وجريح وآخرين نجو وآخرين مفقودين لا نعلم أين زج بهم القمع: أفي حياة يحملون أمانة الثأر من هؤلاء الطغاة والقصاص للشهداء أم رحلوا إلى جنة الخلد بإذن الله ويُحَمِّلُوننا الأمانة التي تطوق عاتقنا؟.
إن الآجال مهما تباعدت، وتعاقبت أجيال أو حكومات فإن حق الشهداء والقصاص من قاتليهم أمر أساسي كالأوكسجين الذي نستنشقه والدماء التي تسري في أوردتنا، فلا تنازل عنه أو مساومة فيه، فسنضرب بمطرقة العدالة على كل طاغية إعتدى مهما تعالى منصبه فهو في نظرنا دون، وأمام قوة إرادتنا وهن، وفي مواجهة حقيقة قضيتنا وهم، فلن نغفر عن أعظم ذنب إقترفوه في حق دولتنا وشكلوا إمتداداً لنظام بائد شرعنا في إقتلاع جذوره، تجول بيننا بالدكتاتورية والشمولية والقمع والفساد؛ جعلوا دموع الأمهات في سيلان دائم، جعلونا نعتصر الألم كل حين كلما مرَّ علينا طيف رفيق فقدناه، ونكتوي بنيران التحسر بغياب أناس تقاسموا معنا الطموح والحلم والحزن والفرح والهم والضحك والمزاح والعون والإغاثة قبل أن تحرقنا أسلحة الجناة؛ وجعلوا الشوارع تبكي وهم لا يعلمون بأن الشوارع سيجف دمعها ولن تخون.
إن المجزرة التي إعتدت على الأرواح الطاهرة ماهي إلا إمتداداً لمجازر أخرى أرتكبت في أقاليم مختلفة من أقاليم السودان، وثقتها أعين المنطقة دون الكاميرات،، كانت تلك المجازر من أجل دحر كل مُطَالِبْ بأبسط حقوقه كإنسان، فذات الجنجويد وخنازير الأمن وأرزقية الحكام يكررون السناريوهات الإجرامية مع إختلاف الإخراج؛ لكن حتما سيسدل الستار على هذا الظلم والقمع وتكون الدولة المدنية هي الأساس الذي نبني عليه السودان وتكون العدالة هي أركان ما سنبنيه (وأهم ركن العدالة الإنتقالية بمعناها الشامل)، ويطوقاننا الحرية والسلام من كل جانب حتى يكون السودان للسودانيين وفق هوية واضحة لا ترضخ لإملآت خارجية تحقق لدولتنا سيادتها؛ وليعلم كل من يعيش في ظلمة إجرامه ويلتف بعباءة الخيانة والغدر أو يختبئ خلف أسوار السلطة أو يتزيف بسراب الترضيات بأننا لن ننسى ولن نغفر، وأن إعتصام القيادة العامة وطموحات الثوار باقية لن تنفض من دواخل كل من قلبه على الوطن؛ فإما أن ننصب كل مجرم في مشانق العدالة أو نلحق بتلك الأرواح التي تفوقت علينا طهراً وإقداما؛ فمهما إشتد ظلام الليل لابد أن يتجلى ضوء النهار.
#الرحمة والمغفرة لمن سالت دماؤهم لتروي تراب هذا الوطن وتطهره من دنس الكوزنة والدكتاتورية والإستبداد والظلم والفساد
#عاجل_الشفاء_للجرحى
#العود الأحمد للمفقودين إلى رحاب دولة تنعم بالمدنية والديمقراطية
#لن_ننسى_ولن_نغفر