السبت , نوفمبر 23 2024
أخبار عاجلة

توربينات رياح جديدة تولد الكهرباء أثناء العواصف والكوراث الطبيعية

كانت مارييل روبيديزو إنغرينز تبلغ من العمر 15 عاما عندما ضرب إعصار هايان مسقط رأسها دولورز، شرقي إقليم سمار شرقي الفلبين. ورغم أن الفلبين تتعرض باستمرار للأعاصير، فإن إعصار هايان الذي ضرب البلاد في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2013، كان منقطع النظير، فقد كان واحدا من أعنف الأعاصير المدارية التي سجلت على الإطلاق.
وتقول إنغرينز: “سمعت أمي قبل السادسة صباحا تصرخ وتصيح، ورأيت الماء يغمر منزلنا، وكانت الأمواج شديدة الارتفاع”.
وكان الإعصار مصحوبا بموجات مد ورياح بلغت سرعتها 314 كيلومترا في الساعة، واقتلعت النخل وأزالت أسطح المنازل، وأسفرت عن مقتل أكثر من 6,300 شخص، وتشريد الآلاف. ووجد الناجون صعوبة بالغة في إعادة بناء مجتمعاتهم بسبب انقطاع الكهرباء.
وتقول إنغرينز، إن الكهرباء في منطقتها انقطعت لمدة شهرين في أعقاب الإعصار، “واستمر انقطاع الكهرباء في بعض المناطق لمدة ثلاثة أشهر. لكن الكهرباء في منطقتنا عادة غير مستقرة حتى قبل إعصار هايان”.
ويمثل نقص إمدادات الطاقة الكهربائية إحدى المشاكل التي يعاني منها الكثير من الجزر في أرخبيل الفلبين، ويزداد الأمر سوءا كلما اجتاحت أعاصير البلاد. ففي أعقاب الكارثة الطبيعية، حين يكون الناس في أمس الحاجة للكهرباء، يكون الحصول عليها شبه مستحيل. لكن بعض المهندسين في منطقة أخرى معرضة للكوارث اقترحوا حلا لهذه المشكلة.
ففي طوكيو، أقامت شركة “تشالينرجي” الناشئة، توربين رياح مصمم خصيصا لتوليد الكهرباء في المناطق المعرضة للأعاصير. ورأى أتسوشي شيميزو، مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي، أن المكان الأمثل لوضع هذه التوربينات القوية هو شرقي سمار حيث الطاقة الكهربائية الشحيحة.
لكن شيميزو استلهم الفكرة من كارثة طبيعية أخرى كان لها تداعيات جسيمة على الشعب الياباني. ففي عام 2011، وقع زلزال توهوكو المدمر قبالة الساحل الشرقي لليابان وترافق مع موجات مد عاتية اجتاحت محطة فوكوشيما دايتشي النووية وأدت إلى انصهار قلب ثلاثة مفاعلات نووية.
ودفعت خسائر كارثة فوكوشيما الجسيمة الحكومة اليابانية إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة النووية. إذ كانت اليابان تمتلك 54 مفاعلا نوويا توفر ثلث احتياجاتها من الكهرباء. واليوم، تمتلك اليابان 33 مفاعلا، لا يزال 24 منها مغلقا.
وعندما وقع الزلزال، كان شيميزو يعمل في شركة لتصنيع أجهزة الاستشعار. ورأى أن بلاده تحتاج لمصادر بديلة لتوليد الكهرباء عوضا عن الطاقة النووية.
وتعد اليابان واحدة من الدول الأعلى استهلاكا للطاقة في العالم، لكنها تولد 7.6 في المئة فقط من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة، أما النسبة الباقية، 87.4 في المئة، فتأتي من الوقود الأحفوري.
وبعد بحث طويل اكتشف شيميزو أن اليابان لديها فرصة سانحة لاستغلال طاقة الرياح، رغم أن لديها عدد قليل للغاية من توربينات الرياح. إذ تولد طاقة الرياح 1.5 في المئة فقط من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في اليابان.
تأثير ماغنوس
وتقول يوكو كوباياشي، مديرة المشروعات بشركة “ويند ديفلوبمنت”، إحدى أكبر مطوري مزارع الرياح باليابان، إن ثمة عوائق عديدة عرقلت استغلال طاقة الرياح في اليابان، أهمها الأعاصير. فقد تسبب إعصار هاغيبيس عام 2019، الذي كان واحدا من أقوى الأعاصير التي تضرب البر الرئيسي الياباني منذ عقود، في قطع الكهرباء عن 270 ألف منزل، وخلف خسائر تتجاوز 15 مليار دولار.
وتقول كوباياشي، إن شركتها حاولت إقامة مزارع الرياح في جزيرة كويوشو، التي تعد من أكثر المناطق تعرضا للأعاصير في اليابان، لكنها وجدت أن سرعة الرياح في بعض المناطق من كويوشو يستحيل معهما إقامة مزارع رياح.
لكن في هذه الظروف المناخية يأمل شيميزو ألا يتحمل تصميمه سرعات الرياح الشديدة فحسب، بل يسخر قوتها لتوليد الكهرباء أيضا. ولتحقيق ذلك، يخطط شيميزو لاستخدام توربينات ذات تصميمات مختلفة تماما عن التوربينات التقليدية.
فمعظم التوربينات التجارية، مثل المنتشرة في شمالي اوروبا، أفقية المحور وتتضمن شفرات تشبه المروحة. في حين أن التوربين الذي صممه شيميزو يتضمن اسطوانات بدلا من الشفرات تدور حول محور عمودي على اتجاه الأرض. ويستفيد هذا التصميم من ظاهرة فيزيائية تسمى “تأثير ماغنوس”.
ووصف هذه الظاهرة العالم الفيزيائي الألماني هينريك ماغنوس في عام 1852، وخير مثال على تأثير ماغنوس قد تلاحظه في الرياضة. فقد يتعمد لاعب كرة القدم أو البيسبول أو التنس أو الكريكت كثيرا لف الكرة أو إدارتها بشكل طفيف. وقد يضيف لاعب التنس على سبيل المثال لمسة أخيرة بالمضرب لأعلى أو لأسفل لتدور الكرة أثناء طيرانها في الهواء.
وعندما تدور الكرة حول نفسها تحيد تدريجيا عن مسارها الذي كانت ستسلكه لو لم تلف حول نفسها، وهذا الانحراف عن المسار المعتاد هو محصلة تأثير ماغنوس.
ويتضمن توربين رياح “تشالينرجي” محركات تدير اسطواناته الثلاثة في البداية، وعندما تلف الاسطوانات تولد تأثير ماغنوس تزامنا مع تدفق الهواء باتجاهها من جمع النواحي، وتصبح كالكرة التي تلف في الهواء، وهذا يؤدي إلى دوران التوربين.
وصمم التوربين بحيث يدور بعد هبوب الرياح ودوران الاسطوانات فقط. وتمثل الطاقة الكهربائية التي يحتاجها التوربين ليعمل في البداية نحو 10 في المئة من الطاقة التي يولدها.
ويتميز هذا التصميم ذو المحور العمودي الذي يستفيد من تأثير ماغنوس، بأنه قد يعدل نفسه بحسب اتجاه الرياح. ويمكن التحكم في توليد الطاقة وفقا لسرعة الرياح، وذلك باستخدام أجنحة صغيرة بمحاذاة الاسطوانات الدوارة يمكن تعديلها للتحكم في حجم تأثير ماغنوس على الاسطوانات.
ولأن هذا التوربين يعتمد على تأثير ماغنوس، فإن سرعة دورانه أقل بنحو 10 مرات من سرعة دوران شفرات التوربينات التقليدية، ومن ثم فهو أقل ضجيجا منها.
لكن توربين شيميزو لا يمكنه أن يحل محل التوربينات التقليدية أفقية المحور بعد. وقد يصل طول شفرات التوربينات التقليدية في اليابان إلى 40 مترا، كما يصل طول البرج إلى نحو 80 مترا. وقد تصل القدرة الإنتاجية للتوربينات التقليدية في هوكايدو على سبيل المثال، إلى ثلاثة ميغاواط، في حين أن توربين “تشالينرجي” في الوقت الحالي يولد 10 كليوواط من الكهرباء، ويعتزم شيميزو تطوير التصميم لتوليد 100 كيلوواط من الكهرباء.
لكن توربين “تشالينرجي” قد يتفوق على التوربينات التقليدية أفقية المحور من حيث المتانة وقوة التحمل. فقد استطاع التوربين الجديد الذي أقامته الشركة في أوكيناوا، توليد الكهرباء أثناء أحد الأعاصير، وتعتبر الشركة هذا إنجازا غير مسبوق.
وتقول الشركة إن وحداتها يمكنها تحمل الرياح التي تصل سرعتها إلى 70 مترا في الثانية، لكنها لا تتوقف عن العمل عندما تتجاوز سرعة الرياح 40 مترا في الثانية. ولتوضيح الصورة، فإن سرعة الرياح أثناء إعصار هاغيبيس بلغت 54 مترا في الثانية لمدة 10 دقائق، و72 مترا في الثانية لمدة دقيقة. بمعنى أن هذه التوربينات قد تتعطل فقط عندما تبلغ الأعاصير ذروتها.
في حين أن معظم التوربينات التقليدية قد تتوقف عن توليد الكهرباءعندما تتجاوز سرعات الرياح 20 أو 30 مترا في الثانية.
وترى أليكس بيرن، كبيرة المهندسين بشركة “دي إن في جي إل” النرويجية لاستشارات الطاقة الدولية، أن هذا الأمر يعود إلى المصمم في النهاية، وتقول: “من الممكن تصميم التوربينات التقليدية لتوليد الكهرباء عندما تصل سرعة الرياح إلى 40 مترا في الثانية، لكن تصميم توربينات تتوقف عند سرعات الرياح الأقل نسبيا سيكون أفضل من الناحية الاقتصادية لمعظم المواقع التي يرغبون في تسويق التوربينات فيها”.
توفير تيار كهربائي مستقر
توجد توربينات في مناطق لا تصل فيها سرعة الرياح إلى 25 مترا أو أكثر في الثانية إلا لبضع ساعات طوال السنة. وبالتالي، قد لا يكون مجديا من الناحية الاقتصادية إقامة توربينات قوية في هذه المواقع.
ويبلغ سعر توربين “تشالينرجي” 250 ألف دولار، في حين أن سعر توربينات الرياح التقليدية ذات نفس القدرة الإنتاجية قد يبلغ عشرات الآلاف من الدولارات. أما توربينات الرياح الضخمة التجارية فقد يتجاوز سعرها مليوني دولار، لكنها تولد طاقة كهربائية تقاس بالميغاواط، ومن ثم فإنها مجدية اقتصاديا على المدى البعيد.
وتقول كوباياشي إن اختيار التوربين المناسب يتوقف على متوسط سرعة الرياح في الموقع، فإن توربينات “تشالينرجي” قد تكون باهظة وغير ضرورية في المواقع التي نادرا ما تتعرض للرياح، ولكنها قد تصبح الخيار الأمثل في مواقع أخرى، طالما كان بإمكانها توليد الكهرباء لمدة أطول في وقت قد تتعطل فيه التوربينات الأخرى بسبب سرعة الرياح الشديدة.
وقد تحتاج الفلبين، التي تعد أكثر البلاد تعرضا للأعاصير في آسيا، لهذه التوربينات لأسباب أخرى أيضا. إذ تنتشر في الفلبين مولدات صغيرة تعمل بالديزل، لكن شحن الديزل من جزيرة لأخرى يرفع تكاليف الكهرباء، ولا سيما في الجزر النائية. وتعاقدت حكومة الفلبين مع شركة “تشالينرجي” لشراء سبعة توربينات لتصبح جزءا من شبكات الكهرباء المصغرة.
وتعتمد هذه الشبكات المصغرة على محطات لتوليد الطاقة الشمسية وتوربينات رياح “تشالينرجي”، وستختزن الطاقة الكهربائية المتولدة من هذه المحطات في بطاريات تخزين تستخدم إلى جانب مولدات الديزل. وتقول بيرن إن الهدف الرئيسي من هذه الشبكات توفير كهرباء موثوق بها ومنخفضة التكلفة.
ومن المتوقع أن يتسبب الاحتباس الحراري في تداعيات جسيمة على المحيطات والظواهر الجوية. وأعلنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن زيادة تواتر ظاهرة “النينو” وظاهرة “لا نينا”.
وقد تؤدي هذه التغيرات إلى زيادة شدة الأعاصير التي تضرب الفلبين. وأشارت دراسة إلى أن العواصف التي تضرب شرق آسيا وجنوبها الشرقي قد زادت شدتها على مدى السنوات الـ37 الماضية بنسبة تتراوح بين 12 و15 في المئة. وأشار معد الدراسة إلى أن ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة شدة الأعاصير قد يهددان بقاء المجتمعات الساحلية.
وتقول يو كوساكا، الأستاذة المساعدة للعوامل المؤثرة على الطقس العالمي بجامعة طوكيو، إن الأعاصير التي تضرب اليابان لم يتغير عددها بقدر ما تغيرت مساراتها حتى بات من المستحيل التنبؤ بها. وتقول إن الأعاصير تضرب عادة غرب اليابان، ولهذا فإن هذه المناطق مستعدة للأعاصير. لكن في السنوات الأخيرة زاد عدد الأعاصير التي تضرب شرقي اليابان وشمالها”. وزادت أيضا الأعاصير الشديدة التي تسمى أحيانا الأعاصير المتفجرة التي تمر بالقرب من اليابان.
ربما يبدو بناء توربينات تتحمل آثار تغير المناخ في ضوء هذه التحديات، هدفا بعيد المنال. لكن التوربينات التي يمكنها تحمل الرياح العاتية قد تصبح طوق نجاة لسكان المناطق الأكثر عرضة للاعاصير. وقد تحمل توربين شيميتزو العواصف حتى الآن ونجح في توليد الكهرباء. لكن السؤال الآن، هو مدى قدرة تكنولوجيا التوربينات على مواكبة التغيرات المتسارعة في سرعة العواصف وشدتها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا

أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا